نفى الصيادون بسماكة العاصمة أن يكون أصحاب مراكب صيد السردين تعمّدوا رفع أسعار السمك وبالخصوص السردين، وأرجعوا الأسعار المطبقة اليوم في سوق التجزئة إلى عوامل بيئية وطبيعية تقف وراء شح البحر، هذا إلى جانب وجود عصابات احتكرت نشاط الصيد البحري وفرضت منطقها فيه· وبلغ السردين بالخصوص أسعارا قياسية وصلت إلى 200 دج للكيلوغرام خلال الأسابيع القليلة الماضية، الشيء الذي كان وراء ارتفاع أنواع الأسماك الأخرى حسبما فسره لنا أصحاب سفن الصيد وتجار الجملة والتجزئة بسماكة العاصمة، حيث تشهد أسعار الأسماك بنوعيها الأبيض والأزرق لهيبا حسبما وقفنا عليه خلال الجولة التي قادتنا إلى سماكة العاصمة وبعض نقاط البيع الموزعة عبر العاصمة· وبالنسبة للسردين أو "حوت الريح" كما يسميه البحارة كونه سمكا مهاجرا، يستبعد أصحاب سفن الصيد انخفاض سعره في الوقت الحالي بعدما عرف ارتفاعا مذهلا حيث كان سمكا شعبيا في متناول المواطن البسيط، وفي هذا الشأن يرجع الباعة استقرار سعر السردين في مستويات قياسية إلى قلة الصيد الناتج عن كثرة التيارات البحرية، هذا إلى جانب تهافت أصحاب المطاعم المتخصصة في أطباق الأسماك على شراء صناديق السردين بمجرد خروجها من البحر حسبما شرحه لنا "رابح" صاحب سفينة صيد بسماكة العاصمة· ونفى محدثنا أن يكون تجار التجزئة وراء ارتفاع الأسعار، موضحا بأن كل من الصيادين وتجار التجزئة يبيعون السمك بهامش ربح قليل، مشيرا إلى أن قلة السردين ترجع أيضا إلى أساليب الصيد غير المشروعة لاسيما في الجهة الغربية للوطن، حيث يعمد بعض الصيادين على استعمال المواد المتفجرة لجلب السمك، هذا إلى جانب التدهور الفظيع للبيئة البحرية نظرا للكمية الهائلة للمياه الملوثة التي تتدفق في البحر· "هناك أنواع عديدة من السمك انقرضت ولم يعد الصياد يجدها اليوم في عرض مياه البحر على غرار سمك "التشكاط" و"الماكرو" مثلما يقول رابح، موضحا أن البحر "أصبح اليوم مزبلة"، حتى أن الصيادين يقضون أكثر من خمسة أيام على رصيف الميناء في إزالة العوالق البحرية وشوائب البلاستيك ونزعها من شباك الصيد· وينشط اليوم في سماكة العاصمة ما يقل عن 20 سفينة وقارب صيد للحرف الصغيرة حسبما أوضحه محدثنا، لكن هذا لم يمنع من وجود مئات القوارب الصغيرة المخصصة للنزهة التي ينشط أصحابها بطريقة غير شرعية وبدون أي ترخيص، الشيء الذي يؤثر على أسعار السمك بحكم أن أصحاب المبادرات الفردية لا يحترمون المقاييس التي تضبط السوق ويطبقون الأسعار التي تحلوا لهم عند بيع منتوجاتهم، هذا في وقت يشير فيه الصيادون الذين اقتربنا منهم بسماكة العاصمة إلى أن صيد سمك التونة من طرف اليابانيين والجمبري من طرف الإسبان أثر على تراجع الثروة السمكية وهو أيضا عامل سيُبقي أسعار السمك مرتفعة على حد تأكيد الصيادين· ووصل سعر الصندوق الواحد للسردين في سماكة العاصمة إلى 2500 و2700 دج، وإذا كان بعض الصيادين يتوقعون انخفاض سعره إلى أقل من 100 دينار مع بداية شهر ماي المقبل، حينما تصبح مياه البحر المتاخمة للسواحل أكثر دفئا بشكل يسمح للسردين الاحتماء بها، يرى صيادون آخرون وبائعو السمك في أسواق التجزئة بأن ارتفاع سعر المنتوج سيستمر بسبب ندرته غير المألوفة مقارنة مع الأشهر السابقة من السنة، فالسمك على العموم والسردين بالخصوص، أصبح يتناقص من عام إلى آخر، على حد تأكيد أصحاب قوارب الصيد، علما أن الموسم الحالي ميزته تيارات متكررة وكذا التلوث، الشيء الذي جعل العديد من أصناف الأسماك تهاجر، حتى أنه بات من الصعب العثور على السردين، حيث أنه انخفض بشكل ملموس، فبعد أن كان الصياد يأتي ب 50 صندوقا في الخرجة الواحدة انخفض إلى بعض الكيلوغرامات، بل وفي بعض الأحيان يعود الصيادون بأيادي خاوية، حسب شهاداتهم· على صعيد آخر، يتحدث بعض العارفين بمجال الصيد على مستوى سماكة العاصمة عن وجود عصابات تقمصت أدوار الوسطاء أو الوكلاء ونجحت في فرض قبضتها على سوق السمك، حيث اكتسحت الموانئ لاحتكار السردين، إذ أنها تقوم بنقله عبر شاحنات التبريد إلى مخازن قبل إعادة طرحه مجددا في الأسواق مع تطبيق الأسعار التي تحلو لها، فارتفاع الأسعار حسبهم يخرج عن نطاق الصيادين الصغار، والفوضى التي تعرفها السوق المحلية تعود إلى وجود أياد خفية تعمل على تثبيت الأسعار أو رفعها الشيء الذي يستلزم فرض رقابة صارمة على عملية بيع السردين وإعادة تنظيم هذا السوق·