حتى اسعار السردين لم تسلم من الزيادة عرفت أسعار سمك "السردين" في الآونة الأخيرة غلاء لم يسبق له مثيل، حيث تجاوزت عتبة اللحوم البيضاء التي انخفضت أسعارها وأضحت تنافس اللحوم الحمراء، وتجاوزت 200 دج للكيلوغرام الواحد وهي مرشحة برأي "البحارة" لبلوغ 300 دج قريبا. * ومع الغلاء الفاحش لأسعار السردين، السمك الأكثر "شعبية"، تراجع المواطن عن استهلاكه، إذ تؤكد الأرقام أن معدل استهلاك الفرد الجزائري لا يتعدى 5.6 كلغ سنويا في وقت حدّدت فيه منظمة الصحة العالمية معدل 6.12 كلغ للفرد سنويا. * في جولة ميدانية قادتنا لأسواق العاصمة انطلاقا من سوق الخضر والفواكه وسط مدينة الدويرة وكذا ساحة "الباسان" التي خصصتها البلدية لبيع السمك، مرورا بسوق علي ملاّح بسيدي أمحمد، وباش جراح، والمدنية، وصولا إلى باب الزوار والرغاية وزموري ببومرداس، أجمع بائعو السمك على عزوف الزبائن على اقتناء السردين، حيث أصبحت العائلات العاصمية تدرج هذه المادة الأساسية ضمن سلم الثانويات نظرا لغلائها الفاحش الذي يتراوح بين 180دج و200دج في أغلب هذه الأسواق، فيما ينتهز الفرصة بعض البائعين في مناطق معزولة إلى رفعه إلى سقف 250 دج. * في ميناء زموري الذي يلتقي فيه البحارة من مختلف ولايات الوطن سيما العاصمة وتيزي وزو والبويرة والمسيلة، فإن المنافسة دفعت البعض للمضاربة في أسعار سمك السردين فوجدناها تتراوح بين 140و150دج بمعدل 2600دج للصندوق ذي 20 كلغ، قبل أن ترتفع لسقف 200دج للكيلوغرام الواحد بالتجزئة. * وكان مبرّر أغلب الصيادين الذين تحدثوا ل"الشروق" عن ارتفاع هذه الأسعار إلى نقص السمك، ففي بعض الأحيان لا يتحصّل الصيادون إلا على نسبة 10بالمائة من مجموع السمك الذي كانوا يصطادونه في السنوات السابقة، فيما أرجع آخرون ذلك إلى رداءة الأحوال الجوية. * "المافيا" تتحكم في الوفرة وتلهب الأسعار في غرب البلاد * وفي نفس السياق، تراجع إنتاج السمك بشكل لافت في الآونة الأخيرة بالمدن الساحلية الغربيةكوهران، عين تموشنت، مستغانم، التهبت أسعاره في الأسواق، بسبب احتكار السوق من قبل "مافيا" باتت تعقد صفقات في عرض البحر مع الصياديين الأوربيين، خاصة الإسبان، الذين ولوا وجوههم نحو السواحل الوطنية، بحثا عن أنواع من السمك المعروفة بجودتها ك"الكروفيت روايال"، التي وصل سعر الكيلو غرام الواحد منها إلى 4000 دج. * وحسب مصادر مطلعة، فإن "مافيا" السمك التي تملك ترسانة من بواخر الصيد المجهزة بأحدث التقنيات، احتكرت السوق بغرب البلاد وباتت تتحكم في الأسعار التي عرفت تصاعدا جنونيا في المدة الأخيرة، حيث وصل ثمن الكيلوغرام الواحد من سمك السردين بأسواق وهران، إلى 240 دج، وفي مستغانم تراجع إنتاج السمك بها إلى مستويات دنيا، محدثا اختلالا في ميزان العرض والطلب، نتج عنه ارتفاع في الأسعار، وبخاصة سمك السردين، الذي تخطى ثمنه ال200 دج، علما أن كمية الأسماك التي يتم استخراجها من سواحل مستغانم سنويا، تصل إلى حوالي 13 ألف طن سنويا، وهو رقم ضعيف بالنظر إلى الثروة التي تكتنزها سواحل الولاية، ومرد ذلك استخدام الطرق البدائية في الصيد ما دفع بأحد المعلقين إلى القول، بأن السمك "يشيخ"، أي يكبر، دون أن يلقى من يصطاده، نفس الشيء في عين تموشنت التي تم التسجيل بسواحلها خروقات في عملية الصيد، كاستخدام المواد المتفجرة. * من 30 دينارا في شهر رمضان الى أكثر من 200 دينار * وفي ولايات الشرق حطمت أسعار الأسماك والسردين بأسواق عنابة مستويات قياسية لم سبق وأن عرفتها من قبل، فبعد أن سُوق بمبلغ 30 و40 دينارا للكلوغرام الواحد خلال شهر رمضان الماضي وصل سعره 200دج للكيلوغرام، في وقت أكدت فيه مصالح الولاية إنتاج 10 آلاف طن من الأسماك خلال 2008، في حين تجاوز ذلك المبلغ خارج سوق (مارشي الحوت) أحد أكبر الأسواق بعنابة والذي بدا في الأيام الأخيرة شبه خالي من الزبائن نتيجة الأسعار الباهظة. وعلى غرار السمك الأزرق فقد تراوحت الأسماك الأخرى كالساورال، الدراة، الروجي، والكافال بين 400 و800دج للكلغ الواحد، وأرجع بعض الصيادين الذين اقتربت منهم "الشروق اليومي" ذلك إلى رداءة الأحوال الجوية، مما حال دون تمكين العديد منهم من استخراج الأسماك، سيما أن أغلبهم يملكون قوارب صيد غير متينة ويفضلون عدم المغامرة. * وقال أحدهم أن مثل هذه الظروف تمنح لأصحاب شركات الصيد وذوي البواخر الكبرى الفرصة للإستثمار بعرض البحر ومن ثم السيطرة على السوق والتحكم في الأسعار. * وتشير إحصائيات مديرية الصيد البحري وتربية المائيات لعنابة إلى إنتاج إجمالي يفوق 10 آلاف طن في 2008 في حين بلغ 8.5 آلاف طن سنة 2007، و70 بالمائة منها من السمك الأزرق. * سكيكدة هي الأخرى مسّها لهيب أسعار السمك، حيث تجاوز سعره بالأسواق الشعبية بين 140 و200 دينار للكيلوغرام الواحد بوسط المدينة، وهو ما دفع أغلب المواطنين للعزوف عن شراء السردين الذي ظل إلى وقت قريب من أكثر المبيعات بسعر 50دج، فيما فضل آخرون اقتناء السمك المجمد. * وأمام الرقابة التي تفرضها مديرية التجارة حول حظر بيع السمك الصغير يتوجه بعض الباعة لاقتنائه بالجملة بعنابة وجيجل ليعاد بيعه بسكيكدة. * وشهد سوق السمك بجيجل اختلالا بين العرض والطلب، حيث ارتفع الطلب في بعض الولاياتالشرقية كسطيف وقسنطينة، اورتفعت معه الأسعار من 10دج خلال شهر رمضان إلى 180دج للكيلوغرام الواحد، رغم ما تضفيه هذه المادة على الأطباق الرئيسية للجيجليين. * وحسب مصادرنا فإنه من إجمالي الثروة السمكية المقدرة ب 25 ألف طن لم تستغل سوى 8 آلاف طن وهو ما ساهم في بقاء أسعاره مرتفعة، رغم المجهودات المبذولة لدعم القطاع (25 مليار سنتيم) والإعانات الموجهة للصيادين (30 مليون سنتيم لكل صياد). * التلوث، نهب الرمال، عدم احترام المناطق المحرمة وراء ذلك! * يعدّ التلوث من بين المؤشرات الرئيسية لتراجع الثروة السمكية في الجزائر. فبولاية عنابة تصب سموم 300 وحدة صناعية بوادي سيبوس على طول 240 كلم طولا، وبلغت كمية المياه الملوثة التي تصب يوميا بمحيط البحر 6 ملايين متر مكعب. أما بوادي الحراش في العاصمة فهناك 250 وحدة تلقي سمومها بوادي الحراش لتصب مباشرة في محيط البحر وهو ما يهدد الثروة السمكية. * كما ساهمت ظاهرة نهب الرمال في تدهور 700 شاطئ، وهو ما أثر سلبا على 30 ميناء انطلاقا من ميناء المرسى بن مهيدي في أقصى الحدود الغربية وصولا لميناء القالة شرقا، حيث أكد رئيس اللجنة الوطنية للصيادين بالإتحاد الوطني للتجار والحرفيين الجزائريين أن العشرات من الدعاوى القضائية تطرح على العدالة يوميا لمعالجة قضايا نهب الرمال التي أضحت تهدد الموانئ والبيئة على وجه العموم. وساهمت الظاهرة من جهتها في تدهور الثروة السمكية في الجزائر بنسبة كبيرة. * ومن أسباب تراجع الثروة السمكية في الجزائر عدم احترام المناطق المحرمة للصيد وبالتالي خرق القوانين التي تحمي الكائنات البحرية، وكذا عدم احترام الراحة البيولوجية للأسماك التي تتكاثر بين شهري ماي وأكتوبر، حيث يمنع القانون منعا باتا صيد السمك في أشهر ماي، جوان، جويلية، أوت، سبتمبر، أكتوبر، لكن ما لاحظناه مؤخرا من تجاوزات عكس محتوى المرسوم الذي تعدى عليه الخارجون عن القانون من الصيادين، لأن همّهم الوحيد الربح السريع ودليل ذلك القضايا المطروحة على العدالة. * وعلاوة على هذا، يبقى الخطر قائما بشأن الطحالب القاتلة التي تهدد ما تبقى من الثروة السمكية في عمق البحار، ففي هذا الصدد أكد رئيس اللجنة الوطنية للصيد البحري بالإتحاد الوطني للتجار والحرفيين الجزائريين حسين بلوط أن طحالب Algue Tueuse القاتل "لاكوليربا تاكسيفوليا caulerpa taxifolia" قد اكتسحت في 2004 مساحة 5آلاف هكتار وتوغلت في العديد من مناطق حوض البحر الأبيض المتوسط، بعد ما كان يقتصر وجودها على مساحة ضيقة لا تتجاوز متر مربع في حوض موناكو بفرنسا، والتي ألقتها السفن الفرنسية في وقت سابق على شكل نفايات قبل أن تكتسح مساحات في عمق البحار بدول تونس، فرنسا، إيطاليا، كرواتيا، إسبانيا وجزر الباليار. * وتسبّبت هذه الطحالب في هلاك أطنان من الأسماك وانقراض أخرى، لأنها تطلق مادة سامة بمجرد أن تمر الكائنات البحرية بالقرب منها. * وكانت اللجنة الوطنية للصيد البحري كانت دقت ناقوس الخطر ورفعت تقريرا مفصلا لوزارة الصيد البحري و الموارد الصيدية -استلمنا نسخة منه- من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة. * وفي سياق ذي صلة، يلجأ محترفو المهنة "المجرمون" إلى صيد أسماك لا تتعدى الأربع سنتيمترات، و هو ما يتعارض مع المرسوم التنفيذي الصادر في 04/08/2004 المحدّد لأحجام الأسماك. * وفضلا عن الطحالب القاتلة فإن ظاهرة استعمال الديناميت أضحت هي الأخرى تهدد الثروة السمكية والكائنات البحرية عموما، وانتشرت في الآونة الأخيرة في السواحل الغربية، وبوهارون، وشواطئ القل والطارف وعنابة، وبوهران مثلا تم العثور على 14كلغ من الديناميت داخل قوارب صيد السمك الأزرق. * * أرقام ودلالات. * - لتر واحد من الزيت بإمكانه تلويث مساحة أرضية بسطح البحر قدر مساحة ملعب رياضي. * - طن واحد من الوقود يلوّث مساحة 12كلم مربع. * - 7 امتار مكعب من الفضلات الجافة تلوث مساحة 100هكتار على عمق 40 مترا. * - مخلفات الفرد الواحد في الجزائر من فضلات بيولوجية 1كلغ تصب في البحر يوميا. * - ويخلف معدل 3 كلغ من النفايات المنزلية يوميا. * - 52 ألف بحار بالجزائر ل14ولاية ساحلية. * - 1284 كلم مربع من السواحل. * - 4000 وحدة صيد. * - 194نوع من الأسماك. * - 600 نوع من حشائش البحار. * - الجزائر أغنى دولة في المرجان في حوض البحر المتوسط ويعادل ثمنه 800 أورو للكيلوغرام الواحد * - في سنة 2000 تم إلقاء القبض على عصابة تترأسها الإيطالية "ماما" بحوزتها 2 طن من المرجان. * - الصيد بالديناميت يبعد الثروة السمكية لمدة 40 سنة. * * اللجنة الوطنية للصيد البحري تستنجد بالوزارة للنهوض بالقطاع * تقارير تؤكد الخطر وتتوقع بتدهور الثروة السمكية * * رفعت اللجنة الوطنية للصيد البحري تقارير موجهة لوزارة الصيد البحري بشأن قطاع الصيد البحري وما يعترضه من مشاكل تهدد الثروة السمكية والكائنات البحرية على وجه الخصوص. * ومن ضمن أهم هذه التقارير التي قدمها رئيس اللجنة حسين بلوط انها تنذر بالكارثة التي تهدد الثروة السمكية في الجزائر وفي حوض البحر المتوسط عموما، مشيرا إلى أن التلوث الذي تسببت فيه المناطق الصناعية والسموم التي تصب في الوديان كانت وراء انقراض انواع عديدة من الأسماك، ناهيك عن تلك السموم التي تطلقها الطحالب القاتلة مما دفع المتحدث لكتابة تقرير مفصل حول أخطار هذه النباتات وآثارها على الثروة السمكية، خاصة بعد اكتساحها لمساحة 5 آلاف هكتار. وبشأن غلاء الأسعار، أكد المتحدث أنه لا أحد يتحكم في تسويق الأسماك بسبب غياب المراقبة. * وبخصوص ظروف تسويق سمك السردين، فقال رئيس اللجنة ل"الشروق اليومي" أن التجاوزات التي طالت القطاع لا تبعث على الإرتياح، وفي مقدمة ذلك انعدام أدنى شروط النظافة، حيث أكد أن أغلب الصيادين لما يملأون الصناديق لا ينظفونها، وهو ما يهدد الصحة العمومية، كما يلجأ آخرون إلى بيع السمك في صناديق مبللة، لأن وزنها يزيد عن الصناديق العادية ب 4 كلغ. * ودعا بلوط السلطات المركزية إلى تعويض الصناديق الخشبية التي يسوق فيها السردين بالصناديق البلاستيكية، لأنها أضحت مصدرا للجراثيم وامتصاص الميكروبات. كما طالب مسؤول اللجنة من الوزارة الوصية باتخاذ الإجراءات اللازمة للنهوض بقطاع الصيد البحري في الجزائر والمحافظة على الجزء القليل من الثروة السمكية المتبقية، بالإضافة إلى تشجيع تربية المائيات مثلما حدث في 2006 و2007، أين قامت الوزارة بزرع 6 ملايين وحدة سمكية على مستوى 57 سدا في من ذلك "شبوط الفم الغليظ، الحشيشة الملكية".