أجمع المتدخلون في اليوم الدراسي الذي نظم أول أمس بدار الإمام في المحمدية حول الانتحار على ان الأخير لايمكن وصفه ب''الظاهرة'' في الجزائر، مشيرين الى انه آفة دخيلة على مجتمعنا، بالنظر إلى معطيات تاريخية تنفي وجوده بين السكان في الماضي، لكنهم أبدوا تخوفا من المنحى الذي يأخذه بعد أن اقدمت مجموعة من الاطفال على الانتحار مؤخرا. وبين وصفها ب''الأحداث'' من طرف وزير الشؤون الدينية والاوقاف بوعبد الله غلام الله وقوله ان الانتحار ''موضوع خطير''، ظهر التباين في تحليل مانعتبره ''ظاهرة'' بالنظر الى انتشارها وشمولها كل شرائح المجتمع. وبالنسبة للوزير فإن مسألة الانتحار تختلف حسب اتجاهات الناس وتقديرهم للمواقف، لأن القول بأن الفقر هو السبب ليس دقيقا، مشيرا الى ان الجزائريين الذين عاشوا فقرا مدقعا خلال فترة الاستعمار الفرنسي لم يلجؤوا الى الانتحار. وفي تحليله فإن اهم مايقف وراء الظاهرة هو ''اتساع الفجوة بين الرغبات والواقع''، معبرا عن اقتناعه بأن المسألة ''نفسية''، وان افضل حل هو قيام الائمة بتنبيه الناس بالنعم التي من الله عليهم بها، ويعلموهم اهمية التوكل على الله الذي يرزق العبد من حيث لايحتسب. من جانبها اعترفت السيدة سامية قطوش وهي مختصة في علم الاجتماع ان الحديث عن الانتحار تشوبه الكثير من المتناقضات، معتبرة ان التغيرات الكثيرة التي عرفها المجتمع الجزائري على كل الاصعدة انعكس على كل المؤسسات المشكلة له لاسيما الاسرة. وأشارت إلى ان الانتحار موضوعيا لايهدد بالخراب الاجتماعي لأن الأمر يتعلق ب''سلوكات انتحارية لاترقى الى الظاهرة''، الا انها اكدت انه اخذ منحنيات خطيرة بعد ان مس فئة الاطفال، وهو ماجعلها تدعو الى قراءات وتحليلات أكثر جدية للآفة. وحسب رأيها فإنه يمكن مبدئيا القول بأن انتحار الأطفال وراءه الانتشار المذهل لتكنولوجيات الاتصال والإعلام، في غياب رقابة الأولياء الذي يتركون الأطفال يعيشون عوالم افتراضية قد تقودهم إلى سلوكات انتحارية، فضلا عن ترسخ النزعة الفردية في المجتمع التي تغذيها العولمة وما تبعها من تبلد في المشاعر. دون ان تنفي وجود اسباب اجتماعية مثل ضيق المسكن والمشاكل الأسرية وسوء المعاملة للأطفال وغياب دورهم التربوي لاسيما بعد خروج المرأة للعمل، إضافة إلى العنف المدرسي. ودعت إلى تفعيل كل الجهود في كل المؤسسات من اجل التربية الصحيحة البعيدة عن العنف مؤكدة الدور الكبير للمسجد في تحقيق ذلك. وفي مداخلته ركز الشيخ عز الدين بوغلم على حكم الانتحار في الاسلام، وقال انه لايجوز تبرير هذا السلوك بالظلم، من باب ان الاسلام يدعو الى الصبر في الشدة مع الاخذ بكل الاسباب لتجاوزها، وشدد على القول بأن ''المؤمن ابدا لايقتل نفسه''، وفضل وصف الظاهرة ب''الوباء''. وعن اهم اسباب الظاهرة قال انه ''ضعف الايمان بالقضاء والقدر واهمال مفهوم الصبر وعدم الجزع عند المصيبة''، واكد الدور الكبير للمسجد في انحصار الظاهرة دون اغفال مسؤولية الجهات الاخرى، مذكرا في الاخير ان الاسلام دين ''رحمة''. وبالارقام تم تدخل كل من ممثل الدرك الوطني وممثلة الامن الوطني، حيث كشف الاول عن تسجيل 2191 حالة انتحار من جانفي 2011 الى ماي 2012 منها 335 حالة انتحار حقيقي والباقي محاولات انتحار، مشيرا ان الظاهرة اصبحت تمس اطفالا في عمر الثالثة عشر، ملقيا باللوم على الأولياء.أما ممثلة الأمن الوطني فأعلنت عن تسجيل 1900 حالة منها 378 حالة انتحار حقيقي .