سجّل توافد قياسي للجمهور العاصمي خلال السهرات التي خصّصت للموسيقى التقليدية، في إطار الدورة الثالث عشرة للمهرجان الثقافي الأوروبي بالجزائر، الذي اختتمت فعالياته يوم الخميس الماضي، وحسب متعوّدين على مثل هذا الحدث الثقافي، لم يسبق للمهرجان الثقافي الأوروبي أن ''جلب مثل هذه الأعداد من الجماهير''، حيث أنّ قاعة ''ابن زيدون'' التي تحتضن دوما هذه التظاهرة، كانت هذه السنة مملوءة عن آخرها كل مساء، مهما كان البرنامج المقترح. وسمح فضول الجمهور لاكتشاف أنواع الموسيقى التقليدية الأوروبية، مؤهّلا لتوافده الكبير الذي مكّنه من السفر موسيقيا عبر أوروبا، حيث أنّ البرنامج الفني الذي اقترحته هذه الدورة أخذ محبي هذا النوع من الموسيقى في جولة عبر هذه الثقافات، من خلال أربع سهرات نظّمت تحت شعار ''الاكتشاف''. وحظيت الموسيقى التقليدية ''ليتزيغان'' بالإجماع بين محبّيها خلال العرض الذي قدّمته المغنية الرومانية ماريا رادوكانو والفرقة المجرية ''باش أو دروم''، التي تطوّرت بفضل التأثيرات الشفوية التركية واستيراد الموسيقى الكلاسيكية الغربية، وقد اقترحت هاتان المجموعتان للجمهور باقة موسيقية من بلدان أوروبا الوسطى، نالت إعجاب واستحسان المتفرّجين الذين اكتشفوا موسيقى ''قادمة من بلد بعيد، تجلّت في النهاية قريبة جدا من ثقافة وذوق الجزائريين''. من جهة أخرى، كانت موسيقى الفلامنكو التي يهواها الجمهور ويعرفها جيّدا، ممثّلة من طرف الراقصين إيزابيل رودريغاث وخوسي أنطونيو خورادو اللذين أمتعا الحضور بعرض منسجم ومعبّر يحمل عنوان ''تملانثا'' (اعتدال). وقد شهدت سنة ,2012 إعلان منظمة التربية والعلوم الثقافة الأممية (يونسكو) يوم 30 أفريل ''يوما دوليا للجاز''، بهدف تحسيس المجتمع الدولي لمزايا الجاز كأداة تربوية وقوّة حوار وسلام وتعاون بين الشعوب، وتماشيا مع هذا الحدث، خصّص المهرجان الثقافي الأوروبي ثلث برنامجه الفني ''لموسيقى الموسيقيين'' التي افتتحت بالحفل الذي قدّمه رباعي الجاز البريطاني ''بارس جاو'' الذي تألّق في تأدية موسيقى الجاز دون إيقاعات، فقط باستعمال الآلات الهوائية. وقد تمّ مزج الجاز بالروك والبلوز والفونك بفضل مهارة العازف على آلة البيانو البولوني باول تواسزسكي وفرقته الثلاثية التي ترتكز على الانصهار والتعبير والارتجال، كما كانت موسيقى الجاز المؤلّفة في الموعد من خلال حفل قدّمه العازف على آلة البيانو والمؤلّف الفرنسي ريمي بانوسيان. وعلى خلفية موسيقى الجاز، أدّت عدّة لقاءات بين موسيقيين جزائريين وأوروبيين إلى بروز مهارات رائعة على الخشبة، لا سيما العرض الذي قدّمه الهولندي من فرقة ''كيبارا تريو'' والعازف على آلة الكمان الجزائري خير الدين مكاشيش، اللذين ''اكتشفا سويا طرق الجاز الشرقي لخلق صيغة مخالفة تماما من الجاز''. وكان ''لقاء'' عرض آخر من الجاز في هذه التظاهرة، أعدّه موسيقيون بلجيكيون بقيادة العازف على آلة السكسية بيار فيانا والفرقة الجزائرية ''مدار''، خلال لقائهم في ديسمبر 2011 في ماستر-كلاس، نظّمه الوفد الوالوني بالجزائر. كما تعتبر ساندة بوتلة، المغنية الجزائرية الشابة التي قدّمت خلال هذا المهرجان عرضا مع أربعة نمساويين ''دو برينر باند''، مثالا آخر لهذا التعاون الثقافي، وقد حظيت المغنية بمنحة دراسية بمعهد الموسيقى ''براينر'' في فيينا، بعد أن تحصّلت على الجائزة الخاصة بالموهبة ,2011 وقامت مع أساتذتها باسترجاع تاريخ البوب ميوزيك من خلال تقديم مقطوعات من أشهر ما جاء في هذا النوع من الموسيقى.