دعا المشاركون في الندوة الإفريقية حول جبهة المواطنة الإفريقية من أجل الديمقراطية وضد عودة الاستعمار إلى إفريقيا، المنعقدة منذ أمس بالجزائر العاصمة، إلى ضرورة أن تبذل الدول الإفريقية المزيد من الجهود المشتركة للحد من التحديات والرهانات الاستعمارية الجديدة التي تهدّد كيان المنطقة، مجدّدين تمسكهم بمبدإ دعم حق الشعوب الإفريقية "والشعب الصحراوي خاصة" في تقرير مصيرها وانعتاقها من أغلال الاستعمار الغاشم. وأوضح المتدخلون في أشغال هذه الندوة التي بادرت بها اللجنة الوطنية الجزائرية للتضامن مع الشعب الصحراوي تحسبا لإنشاء جبهة المواطنة الإفريقية للديمقراطية وضد عودة الاستعمار إلى القارة الإفريقية المنعقدة بنزل الأوراسي في العاصمة، ضرورة تنسيق الجهود بين الأفارقة لتبني استراتيجية مواجهة متينة أمام الأطماع الاستعمارية التي باتت تسيل لعاب الدول الكبرى اتجاه خيرات وموارد بلدان القارة، لا سيما مع التوتر السياسي والأمني الذي يميّز العديد من الدول،، معتبرين أن الظاهرة الاستعمارية عادت في ثوب جديد قائم على افتعال الأزمات والصراعات بهدف نهب ثروات الشعوب وإخضاعها للتبعية المطلقة، كما ذكرّوا بوجوب الإسراع في تطبيق تسوية عاجلة للقضية الصحراوية باعتبارها آخر مستعمرة في القارة الإفريقية وتمكين شعبها من تقرير مصيره ونيل استقلاله وفق ما تقتضيه الشرعية الدولية. في هذا الإطار، جدّد رئيس اللجنة الوطنية للتضامن مع الشعب الصحراوي، السيد محرز العماري في كلمته الافتتاحية تذكيره بالموقف الثابت والراسخ في دعم قضايا التحرر في إفريقيا ومواصلة نصرة قضية الصحراء الغربية إلى غاية تحقيق استقلالها، مؤكدا أن استقلال إفريقيا يبقى ناقصا في ظل بقاء آخر مستعمرة إفريقية تعاني ويلات الاحتلال والقمع والتقتيل اليومي أمام مرأى العالم، وأضاف أن هذه الندوة المناهضة للفكر الكولونيالي تكتسي أهمية بالغة، حيث تتزامن مع احتفال الشعب الجزائري بالذكرى الخمسين لعيد الاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية بفضل التضحيات الجسام التي قدمها خلال ثورة الفاتح نوفمبر 1954، معتبرا أن هذه المحطّة التاريخية ساهمت بشكل كبير في بلورة التطلعات للتحرر وإنارة دروب الكفاح من أجل رفض كافة أشكال الذل والهيمنة والاستعمار والتمييز العنصري في القارة السمراء. كما أوضح أن هذه الندوة الافريقية تعد منبرا للوفاء للقيم النبيلة والمقاومة التاريخية الشعبية الافريقية ضد الاستعمار والتمييز العنصري إلى جانب كونها فضاء لتأكيد الالتزام بمبادئ وقيم التحرر وتقرير المصير والاستقلال لدول افريقيا التي يجب أن تحيا شامخة ومعززة ومتضامنة في كنف السلم والأمن الدوليين. وأكد المتحدث في هذا الإطار أنه "مثلما دافعنا بالأمس عن شعوب إفريقيا ودول العالم التواقة للتحرر فإننا نجدّد تمسكنا بكل قوة بمساندة القضية الفلسطينية التي لن يهدأ لنا بال حتى ترفرف راية الحرية فوق كل مقدسات فلسطين وخاصة القدس الشريف"، موضحا أن الاستعمار الذي انتصرنا عليه في إفريقيا وطردناه من أراضينا الطاهرة بات يحاول العودة في ظروف ووسائل متعددة وبلباس جديد بهدف ضرب استقرار السيادات الوطنية والوحدة الترابية للدول الإفريقية وتجريد الأمم من تاريخها وقدراتها على تسيير القارة الإفريقية بكل سيادة وحرية. في سياق متصل، أكد رئيس لجنة التضامن مع الشعب الصحراوي أن التضامن الشعبي الإفريقي وأخلاقيات حسن الجوار والغيرة على وحدة الأوطان تدفعنا أن نعبر عن موقفنا بكل القوة في تدعيم البنية الديمقراطية لدولة مالي الشقيقة، مجددا موقف الجزائر الرافض لتشتيت البلد وتقسيم شعبه والمساس بوحدته الترابية ورفض التدخل الأجنبي تحت أي غطاء كان وبأي شكل من الأشكال، مضيفا أننا "مع أي حل سياسي يكون بين يدي الشعب المالي كما نندد بالعمل الذي تقوم به المجموعات الإرهابية التي تخدم أجندات ترمي إلى إعادة القوات الاستعمارية الى المنطقة". بدوره، شدّد الوزير الأول المالي ورئيس المجلس الوطني المالي السابق السيد ابراهيم أبو بكر كايتا في تدخله على ضرورة التجند الدائم من قبل للدول الإفريقية لحماية ثرواتها من أطماع القوى الاستعمارية والامبريالية الجديدة التي تحاول إخضاع المنطقة لخدمة مصالحها الخاصة، موضحا أن المشاكل التي تعرفها مالي حاليا تعود للنظام السياسي البعيد عن الطابع الشعبي باعتباره نظاما مستوردا فرضته الأنظمة الغربية في المنطقة. ودعا السيد ابراهيم كايتا مقابل ذلك إلى ضرورة العمل من أجل بناء ديمقراطية جديدة قائمة على أسس العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص لتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي المنشود، معتبرا أن دولة مالي تجتاز حاليا أخطر أزماتها السياسية التي أدت إلى انهيار اقتصادها وتقسيم أراضيها وتهجير سكانها إلى دول الجوار. وعلّق المسؤول السابق في الحكومة المالية آمالا كبيرة على جهود الجزائر الجبارة الرامية إلى المساهمة في إيجاد الحلول الناجعة لعلاج هذه الأزمات التي تتخبط فيها مالي باعتبارها بلدا جارا وشريكا استراتيجيا في ضمان السلم والأمن في المنطقة، كما اعتبر أن حل هذه الأزمة يبقى بين أيدي الماليين دون غيرهم بتفادي تكرار سيناريوهات التدخل الأجنبي في مختلف الدول على غرار ما وقع في ليبيا. من جهتها، اعتبرت الوزيرة الصحراوية للتربية والتعليم وعضوة الأمانة العامة لجبهة البوليساريو السيدة مريم السالك أحمد أن تحقيق التمنية في الدول الإفريقية مرهون بتطهير المنطقة من كافة أشكال الحروب والنزاعات المسلحة، معتبرة أنه لكي تحقق الدول الإفريقية تنمية شاملة وتبقى صامدة أمام المحاولات الأجنبية التي تهدد سلامتها، حيث يجب عليها العمل لتحقيق الاستقرار والأمن كأولوية الأولويات. ودعت المتحدثة إلى استغلال الأموال التي تهدر في الحروب والنزاعات في التنمية وبناء اقتصاديات هذه الدول من خلال الإسراع في رسم خطة عاجلة لضمان التنمية ومحاربة الفقر والبطالة لكي لا تجد الدول المتربصة بها ذريعة للتدخل في شؤونها الداخلية. وذكرت الوزيرة الصحراوية بالظروف الصعبة التي يعيشها الصحراويون في المناطق المحتلة ومخيمات اللاجئين بسبب احتلال أراضيه من طرف بلد شقيق (المغرب) كان يتوجب عليه مساندة الصحراء الغربية في عملية البناء والتشييد والتنمية بعد تخلصها من ويلات الاستعمار الإسباني، معرجة على أشكال القمع والتعذيب والترهيب التي يمارسها المغرب ضد الأبرياء في ظل صمت المجتمع الدولي. كما ندّدت بالمواقف الفرنسية الداعمة لسياسة المغرب في المنطقة. للإشارة، تتواصل أشغال الندوة الإفريقية لجبهة المواطنة الإفريقية من أجل الديمقراطية وضد عودة الاستعمار إلى إفريقيا اليوم ولليوم الثاني والأخير بمشاركة شخصيات إفريقية وأعضاء المجتمع المدني الإفريقي، حيث ينتظر أن تتوج اليوم الأشغال بإعلان الجزائر حول جبهة المواطنة.