دروس، تمارين، امتحانات، أساتذة يتابعون المتمدرسين وأجواء مدرسية على شبكة الأنترنت··· اضغط واختر وادرس ما شئت كما يحدث في المؤسسات التعليمية الحقيقية··· هذه أهم مميزات المدرسة الرقمية التي تعد مشروعا متوافقا مع زمن التدفق التكنولوجي، الذي رشح المدرسة لتصبح متنقلة مثلها مثل الهاتف النقال!·· وهو المشروع الذي أطلقته مؤخرا بالجزائر مؤسسة "إيباد"، من خلال تصميم فضاء رقمي لفائدة الطلبة المقبلين على اجتياز امتحانات شهادتي البكالوريا والتعليم المتوسط··· ولاشك أن هذه التجربة التي يجري التحضير لتوسيعها، تدفع إلى التساؤل: هل ستلقى المدرسة الافتراضية ترحيبا من طرف المدرسين والمتمدرسين؟ يسمح مشروع المدرسة الرقمية للمؤسسات التربوية، بإدماج وتطوير استعمال تكنولوجيات الإعلام والاتصال، فانطلاقا من هدف إنشاء مدارس وكليات افتراضية (على الأنترنت) تعمل كمؤسسات تعليمية حقيقية، تم مؤخرا اطلاق مشروع "تربيتك" الذي يساعد الطلبة على مواصلة الدراسة خارج ساعات التمدرس الرسمية، من خلال تقديم 600 درس و4 آلاف تمرين مصحوب بحلول موجهة للطلبة المقبلين على امتحانات شهادتي البكالوريا والتعليم المتوسط·· وتم تدعيم هذا المشروع بجهاز كمبيوتر محمول متعدد الوسائط يخول للأساتذة إجراء نشاطات جماعية لفائدة التلاميذ باستعمال الأنترنت· وبخصوص هذا المشروع الذي يحضر لإنشاء مدارس رقمية بالجزائر، استطلعت "المساء" آراء بعض الطلبة والأساتذة الجامعيين، فكانت هذه الاجابات: خلق جيل من التلاميذ المشاغبين عبرت الطالبتان "س" و"ع" السنة الثالثة تخصص علم النفس، عن استحسانهما لهذه التجربة التي تكمل مسعى التعليم بطريقة متطورة تخول الاطلاع على المعلومات الجديدة، واستدراك الطالب ما فاته في المدرسة·· لكن هذا المشروع الهام محفوف بمخاطر تكوين أجيال خاملة لا تكلف نفسها عناء البحث عن المعلومات في الكتب·· كما قد يسلب التركيز من التلاميذ داخل الأقسام، لأنهم قد يفكرون من منطلق أنه بإمكانهم استدراك ما فوتوه في المدرسة باللجوء الى الأنترنت·· وهذا التفكير قد يحولهم الى مشاغبين داخل الأقسام الدراسية كما ترى الطالبتان· تطور يقلل الحركية من جانبهن تعتقد لويزة، شهرزاد، فاطمة وياسمين، وهن طالبات في السنة الأولى تخصص لغة إنكليزية بجامعة بوزريعة، أن "المدرسة الافتراضية مشروع يتماشى ومتطلبات هذا العصر الذي يشهد ثورة حقيقية في مجال الإعلام والاتصال، حيث تتجلى أهميته في كونه وسيلة فعالة لتدعيم طرق التعلم، وإزالة عناء التنقل بالنسبة للراغبين في الاستفادة من دروس تدعيمية مسائية"· كما تتفق طالبات كلية الآداب واللغات الأجنبية على أن "هذا الفضاء الرقمي بكل ما يحتويه من تمارين وامتحانات، يمكنه أن يخفف من توتر الطلبة المقبلين على الامتحانات المصيرية، غير أن هذه الإيجابيات لا تنفي خطر التقليل من حركية أجيال المستقبل التي يتربص بها خطر الإدمان على شاشات الكمبيوتر"· ما مصير التفاعل الاجتماعي؟ وترى مريم، طالبة بمعهد علم الاجتماع تحضر لنيل شهادة الماجستير من جهتها، أن "فكرة إنشاء المدرسة الرقمية ستحقق نقلة نوعية تساير عصر السرعة الذي يرتكز على قاعدة ربح الوقت، طالما أن ساحة التعليم والتكوين عن بعد تضمن السرعة في الحصول على المعلومات·· في نفس الوقت الذي تختصر فيه عناء قطع المسافات الطويلة بالنسبة لسكان المناطق النائية، لكنها من ناحية أخرى تدفعنا إلى التساؤل عن مصير العلاقة المباشرة بين الأستاذ والتلميذ·· فالمدرسة الرقمية ستقتل بلا شك روح التفاعل الاجتماعي في حالة إذا ما صارت نقالة بأتم معنى الكلمة!"· اتصال يهدد الاتصال! وتقول كل من خديجة كواس وياسمين تغراست، طالبتين بمعهد علم النفس الأرطفوني، أن "الاعتماد كلية على شبكة الأنترنت في تعليم وتكوين أجيال المستقبل، أمر سيؤدي حتما الى تغييب عملية الاتصال التي تسمح للمعلم غالبا باكتشاف مشكل تأخر الكلام والاضطرابات اللغوية النطقية، ذلك لأن العلاج يكون سهلا كلما كان التشخيص مبكرا·· والملفت في المسألة أيضا، هو أن كثرة الاحتكاك بتكنولوجيات الإعلام والاتصال يفرض العزلة التي تؤثر على الجانب النفسي في غياب العمل الجماعي·· والأسوأ في الأمر، أن أهواء بعض التلاميذ قد تنحرف نحو أمور أخرى خارجة عن مجال الدراسة"· وتستطرد الطالبتان: "يستحسن أن تبقى فكرة الدراسة عن بعد على شبكة الأنترنت طريقة مكملة للتعليم فحسب، حيث لا يمكن أن ننكر بأنها تساعد الطلبة على استدراك ما فاتهم في المدرسة أو الجامعة، لا سيما في حالات المرض، علاوة على كونها تمكن الأولياء من متابعة تحصيل الأبناء الدراسي، إلا أن توسيع هذه التجربة إلى درجة الاعتماء عليها كلية، أمر ينطوي على خطر فقدان مكانة وأهمية المعلم الذي يعد جوهر عملية التعلم في المدرسة، فضلا عن الحيلولة دون اكتساب اللغة"· لا يجب إلغاء دور الأستاذ وفي هذا الإطار، أوضحت الأستاذة أيت حمودة، مختصة في علم النفس العيادي، أن للثورة المعلوماتية عدة إيجابيات، أهمها أنها تسمح بالاطلاع على الدراسات الميدانية والحصول على الإحصائيات في أسرع وقت ممكن، إضافة إلى مساعدة الأساتذة على تحضير الدروس وإجراء البحوث العلمية، غيرأنه لا ينبغي أن تكون الأنترنت الوسيلة الوحيدة للمعرفة أو أن تؤدي إلى إلغاء وجود المعلم، باعتبار أن هذا الأخير يلعب دوراً أساسيا في توجيه المتمدرسين بخصوص كيفية الحصول على المعلومة، طرق استغلالها ومناقشة القيم التي تحملها البرامج المختارة· وأعتقد تضيف الأستاذة أنه لا يجب أن تذهب مجهودات الدولة في تكوين الأساتذة هباء منثوراً·· كما لا يخفى على أحد أن بعض الدراسات التي تنشرها المواقع الإلكترونية من إنجاز الأساتذة· والمهم أيضا أن نأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن إنجاز البرامج المدرسية أمر يحتاج الى أسس ثقافية، اجتماعية ونفسية تتماشى ومراحل النمو·· والأستاذ لديه القابلية لوضع هذه البرامج بصفة تجعلنا في غنى عن استيرادها من شبكة الأنترنت· تفجير حقول جديدة من المعارف أما الأستاذة الجامعية عائشة بن صافية، مختصة في علم الاجتماع ومستشارة التوجيه والتكوين المهني، فتؤكد أن العالم أصبح يتحدث عن المدرسة الافتراضية، نظرا لما أحدثته ثورة المعلومات من تقليص للمسافات وتوفير للجهد في مجال نشر المعرفة في أوساط الباحثين والمتمدرسين، الذين أضحى تزويد مدارسهم بشبكات الأنترنت حقيقة قائمة· وسيؤدي الإقبال الشديد على هذه المستجدات من طرف التلاميذ خاصة وأنهم في سن تميل الى السرعة حتى أثناء عملية التعليم إلى القضاء على الطرق التلقينية في التعليم·· فهذا الأخير سيصبح بتطور تكنولوجيات الإعلام والاتصال عملية جد نشطة تضفي حيوية أكبر على البرامج التعليمية التي سيقدمها المعلمون في إطار التشويق والترغيب، وهذا الوضع سيجعل التلاميذ يتبادلون الأفكار وينشطون الحصص التعليمية، الأمر الذي قد يؤدي بلا شك الى تفجير حقول جديدة من المعارف والابتكارات·