يلجأ التلميذ (يوسف.ه) في السنة الثانية علوم طبيعية، إلى دروس التقوية أوالتدعيم بمعدل حصتين في الأسبوع وهذا في مادتي الرياضيات والفيزياء، ورغم أنه لا يحضر لامتحان مهم كالبكالوريا إلا أن والديه يفضلان ان يتحصل على أحسن النتائج من خلال هذه الدروس. وباقتراب نهاية السنة الدراسية بمختلف أطوارها تتكثف الدروس الخصوصية لأمثال يوسف وحتى وإن أصبحت مؤخرا تقدم على مدار العام فإنها تعرف رواجا أكثر باقتراب امتحانات نهاية كل طور، الابتدائي، المتوسط، وأكثرها الثانوي لاسيما بالنسبة للمقبلين على امتحانات شهادة البكالوريا. ويقدم هذه الدروس نفس أساتذة التلاميذ في المؤسسة التعليمية، ولم تعد مقتصرة على من يحضرون الامتحانات الهامة لكن أصبحت تشمل كل السنوات التعليمية الأخرى. وعرفت الظاهرة تطورا سريعا وانتشارا واسعا في السنوات الأخيرة، لهذا حاولنا التقرب ممن يعنيهم الأمر للإجابة على بعض الأسئلة أهمها هل المدرسة لم تعد تفي بالغرض وبالمهمة المنوطة لها مما دفع بالتلاميذ والأساتذة إلى هذه الدروس ؟ تقول السيدة (نادية.ب) أم لخمسة أطفال: »لدي بنت في الطور المتوسط السنة الثانية وإبني في الثانوية السنة الثانية أيضا، وكلاهما يتلقيان دروسا تدعيمية في مختلف المواد، بالنسبة لي هي أفضل طريقة حتى يتمكنوا من الحصول على نتائج أحسن«، ولما استفسرنا السيدة لماذا تفضل هذه الطريقة أجابت: »ما يتلقاه الأبناء في المدرسة ليس كافيا، بسبب كثافة البرنامج المقرر، ودروس المدرسة تبقى نظرية فقط، ولابد من التطبيق الذي تمنحه الدروس الخصوصية«. اقتربنا من بعض الأساتذة الذين يقدمون مثل هذه الدروس فأكد لنا أستاذ مادة الفيزياء (عبد الكريم.ز) أنه يعطي هذه الدروس التدعيمية منذ عدة سنوات، وقد تتلمذ على يده العديد من التلاميذ، الذي أصبحوا الآن إطارات »بالنسبة لي، تقديم هذه الدروس، أكثر فائدة بالنسبة للتلميذ، ففي القسم ونظرا للاكتظاظ الكبير للتلاميذ من الصعب على الواحد منهم أن يستوعب الدرس جيدا، ولكن من خلال هذه الدروس يمكنه الفهم أكثر ويستطيع طرح الأسئلة دون حرج كما يحصل على دروس تطبيقية أكثر، من خلال التمارين المختلفة، وطريقة حلها خلال هذه الحصص«. ويدفع التلميذ مقابل حصوله على هذه الدروس أجرة للأستاذ فهناك من يطلب ان يكون الدفع شهريا وهذا بمعدل حصتين في الأسبوع، وهناك من يطلب ان يدفع له التلميذ مقابل كل حصة، يقول التلميذ (يوسف.ه) »أنا أدفع لدروس الرياضيات 700 دج ولمادة الفيزياء 800 دج كل شهر، وهذا بمعدل ساعتين في كل حصة وبحصة أسبوعية لكل مادة في حين هناك من يدفع في كل حصة مبلغ 200 دج«. ويضيف أنه استفاد الكثير من تلقيه لهذه الدروس، لاسيما في الرياضيات التي كان يجد فيها صعوبات كبيرة. الحاجة تدفع الاستاذ والتلميذ إلى هذه الدروس لا يخلو أي حي من وجود استاذ أوأكثر أومدرسة، تقدم هذه الدروس الخصوصية، وتعودنا على رؤية بعض الأساتذة يحولون بيوتهم إلى مدارس صغيرة تدرس فيها مختلف المواد المقررة في البرنامج الدراسي، فحتى اللغة العربية أصبحت تعطى فيها دروس التقوية بينما كان الأمر مقتصرا في السابق على دروس المواد العلمية. يقول أحد أساتذة العلوم الطبيعية الذي طلب عدم ذكر اسمه: »لا أنكر أنني أقدم مثل هذه الدروس من أجل الحصول على دخل إضافي يساعدني في حياتي وللتصدي لمختلف متاعب الحياة، أمام هذا الغلاء الفاحش وتلبية حاجيات العائلة والأبناء، وأصارحكم أنني أقوم بذلك دون حرج، لكن أقدم الدروس بكل كفاءة ودون غش، وأحمد الله أن معظم التلاميذ الذين درسوا لدي نجحوا هذا يعني أن الجميع استفاد وهذا هو المهم«. معضم الأساتذة الذين تقربنا منهم أكدوا لنا أن الحاجة هي التي جعلتهم يقدمون مثل هذه الدروس الخصوصية حتى وإن تحسنت وضعيتهم حاليا مما كانت عليه في السابق. السيدة »ن.م« أستاذة متقاعدة كانت تدرس مادة الرياضيات تقول أنها تقدم خبرتها في هذه المادة منذ سنوات من أجل التلاميذ الذين يقصدون بيتها نظرا للطريقة المميزة التي تلقن بها هذه المادة وتوكد: »أنا متقاعدة منذ عام ونصف واعتدت على العمل وبالتالي فاستقبالي للتلاميذ داخل بيتي يجعلني دائما في نفس أجواء العمل، من جهة أخرى يسمح لي بسد حاجاتي باكتساب بعض المال«. وإذا كان هذا حال بعض الأساتذة الذين دفعت بهم الحاجة الى اللجوء لتقديم الدروس الخصوصية، هناك البعض الآخر من الذين جعلواها تجارة لا غير، كونهم يفرضون على تلاميذتهم في القسم، الدروس التي يقدمونها في بيوتهم، وإلا فإن التلاميذ لن يحصل على نتائج إيجابية، ومن بين ضحايا هؤلاء التلميذة (ليندة.ش) المقبلة على امتحان شهادة التعليم الابتدائي، التي تقول والدتها »كنت مرغمة على تسجيل ابنتي عند هذه المعلمة، لأخذ دروس خصوصية لأن هذه الأخيرة تجبرها على ذلك وفي كل مرة تقصيها ولا تمنحها نقاطا جيدة، وابنتي البالغة 11 سنة مصرة على هذه الدروس لأنها خائفة وماكان بيدي سوى تسجيلها، ورغم أنني اشتكيت المعلمة للمدير لكن لم يحصل أي شيء«، فقد وجدت الأم نفسها بين المطرقة والسندان أمام طمع هذه المعلمة التي جعلت من هذه المهنة النبيلة حرفة وتجارة للثراء على حساب التلاميذ وبين خوف البنت من معلمتها وخشية ان ترسب في دراستا. وأصبح بعض الإولياء مرغمين على تخصيص ميزانية خاصة، لأبنائهم لأخذ الدروس الخصوصية والتي تضاف إلى المصاريف اليومية وهذا بهدف نجاح الأبناء لاغير، فكما أكد عليه السيد (شريف.ش) »أخصص كل شهر ما يعادل 6000 دج من أجل دروس أبنائي الثلاثة، أعرف ان هذا كثير لكن عندما تعود بالفائدة عليهم فهذا لا يهم، بقدر ما يهمني نجاح أبنائي في الدراسة«.