تعرف السياحة الدينية بولاية تلمسان منذ بداية عطلة الصيف، إقبالا للزوّار الذين يأتون من مختلف أنحاء الوطن ويجعلون مدينة تلمسان بمساجدها العتيقة ومدارسها الفكرية وأسوارها وأقطابها، وجهة لهم، ويبتغي الوافدون على المنطقة اكتشاف أسرار وتاريخ هذه المعالم والآثار الدينية التي تزخر بها عاصمة الزيانيين وتشهد على عراقة وأصالة الحضارة العربية الإسلامية، التي شهدتها هذه الجهة من الوطن منذ انتشار الإسلام في ربوعها. يعود الفضل في انتعاش هذا النوع من السياحة بالولاية إلى التظاهرة الثقافية الدولية «تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية 2011» التي تركت «أثارا طيبا» في نفوس المواطنين، خصوصا منهم المثقفون والمهتمون بالآثار بعد أن عملت على التعريف بالكنوز التاريخية التي تحتضنها المدينة. وتعود هذه الكنوز إلى عدّة قرون حسب مسؤول بمديرية الشؤون الدينية، الذي أوضح أنّ التعريف كان عن طريق الأفلام الوثائقية التي أنتجت خلال السنة المذكورة حول المساجد والمؤسّسات الدينية القديمة، وكذا الملتقيات الفكرية والندوات حول الأقطاب والشخصيات العلمية والدينية التي درست بها مما شجّع الزوّار على الإقبال على زيارتها. كما كانت للمسارات الثقافية والسياحية التي رسمتها مديرية الثقافية بالتنسيق مع مختلف الهيئات المعنية بالتظاهرة المذكورة، «الأثر الفعّال» لانتعاش السياحة الدينية وتشجيع الزوّار على الإقبال على المعالم الدينية القديمة، فهذه المسارات التي شملت العديد من المعالم التاريخية الإسلامية المنتشرة بتلمسان وبعض الضواحي والمدن المجاورة، صار يتبعها الزائر في تنقّلاته عبر مختلف المعالم، حسب مسؤول بمحافظة التراث المبني بولاية تلمسان، ومن هذه المسارات نشير إلى المسار الثقافي الأوّل الرابط مدينة تلمسان بناحية بني سنوس الواقعة بأعالي الجبال الجنوبية الغربية للولاية، وينطلق من سفح «المفروش» المتميّز بمناظره الطبيعية الخلابة ومعالمه الأثرية، وفي مقدّمتها خلوة وضريح سيدي حفيف وهو سليمان عفيف الدين التلمساني ( 1213 - 1291 م)، ويتواصل جنوبا نحو منطقة «الحبالات» لزيارة مغارة بومعزة والطاحونة المائية القديمة التي كانت تعتمد في تشغيلها على المياه المتدفّقة من المغارة المذكورة. أمّا باقي المسار فيتوزّع على عدّة مساجد عتيقة لناحية بني سنوس مثل مسجد «بني عشير» الذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن العاشر الميلادي، مسجد «تافسرة» الذي شيّد سنة 664 ه على أنقاض معبد ديني و«مسجد الخميس» الذي عرف تحوّلات عديدة في عهد الفاطميين ثم الموحدين والزيانيين قبل أن يعرف توسّعا عشوائيا إبّان الاحتلال. وبالنسبة للمسار الثاني فيخصّ مدينة ندرومة الموحدية حيث يبدأ من القصبة العتيقة ثم الباب القديم فالجامع الكبير والتربيعة بوسط مدينة ندرومة القديمة وأخيرا الحمام البالي الذي يعود إلى العهد المرابطي. وتحظى حاليا هذه المعالم الأثرية بأشغال ترميم خفيفة لإبراز أهميتها التاريخية وقيمتها الحضارية، مع الإشارة إلى أنّ العديد من هذه المعالم استفاد في السابق من برنامج كبير للترميم مثل الجامع الكبير الذي تمّ تدعيم صرحه وتقوية جدرانه القديمة، وكذا الحمام البالي ودار التراث. أمّا المسار الثالث فيشمل المنطقة الساحلية ل«هنين»، حيث يوجد الميناء القديم الذي كان في السابق الرئة الاقتصادية لهذه الناحية واستعمل لاستقبال العديد من سكان الأندلس الذين فروا من «الفردوس المفقود» بعد سقوط غرناطة للجوء إلى مدينة تلمسان، وبمدينة هينين الساحلية يتمكّن الزوّار من اكتشاف العديد من المعالم الأثرية التي تعود إلى عهد الخليفة الموحدي عبد المؤمن بن علي الذي ولد بقرية «تاجرة» القريبة من هذا الميناء. ويتكوّن المسار الرئيسي بقلب عاصمة الزيانيين من عدّة حلقات نذكر منها الحلقة الأولى التي تنطلق من موقع «أغادير» القديم الذي يشكل النواة الأولى لمدينة تلمسان تنتهي بقلعة المنصورة للمرينيين المشيّدة بين 1299 و1307، مرورا بمسجد باب زير والمدرسة التاشفنية وباب الخميس، بينما تبدأ الحلقة الثانية من القصر الملكي للمشور إلى غاية الموقع الأثري باب القرمادين، حسبما ذكره المسؤول، الذي أوضح أنّ هذا المسار الثانوي يعدّ الطريق الذي اعتاد الملك يغمراسن المرور به عندما كان يريد مراقبة خيالته. أمّا الحلقة الثالثة فتسير في اتّجاه المنطقة الأثرية «المشور» نحو المسجد الكبير للمرابطين، مرورا بالمكان الذي توجد فيه المدرسة التاشفنية التي دمّرت من قبل قوات الاستعمار الفرنسي سنة 1870.