حذر الوزير الأول الروسي ديمتري ميدفيديف، أمس، من مخاطر انزلاق الوضع الأمني في سوريا إلى متاهة حرب أهلية محملا الجانبين المتحاربين في هذا البلد مسؤولية بلوغ هذا المنحى لرفضهما الجلوس إلى طاولة المفاوضات. واعترف ميدفيديف في حديث لصحيفة تايمز البريطانية أن موقف بلاده من الأوضاع في سوريا يتم على خلفية ما حدث في ليبيا عندما استأثرت الدول الغربية لنفسها حق التدخل في الشؤون الداخلية الليبية ولجوئها إلى استعمال القوة العسكرية في وقت كان فيه المجال مفتوحا لتسوية سياسية. ويبدو أن روسيا مازالت تشعر بإحباط كبير لما وقع لحليفها في ليبيا بعد أن وضعت ثقتها في مواقف الدول الغربية التي انقلبت عليها فجأة من خلال إقامة منطقة حظر جوي وخسرت مصالح استراتيجية ضخمة في ليبيا وفي كل القارة الإفريقية لصالح دول منافسة. وهو ما يفسر تشبث موسكو بموقفها الرافض لكل فكرة بتخويل مجلس الأمن الدولي صلاحية التدخل في الشأن الداخلي السوري لأنها لا تريد خسارة حليف ذات أكبر أهمية استراتيجية في المنطقة. ودافع رئيس الوزراء الروسي عن وجهة نظر بلاده التي ترى أن "الشعب السوري هو الذي يجب أن يقرر بنفسه المصير السياسي لبشار الأسد" وليس "الديمقراطية المفروضة من الخارج". لكن الوزير الأول الروسي لم يستبعد إمكانية التوصل رلى حل سياسي دون الرئيس الأسد وقال إنه يجهل في ظل الظروف الحالية "التوازنات السياسية المحتملة مستقبلا ومكانة الرئيس الأسد ضمنها لأن ذلك أمر يحدده الشعب السوري". وقال إن الموقف في ليبيا يختلف عما هو جار في سوريا وهو أكثر تعقيدا بسبب تعدد طوائف المجتمع السوري وكل فشل في التوصل إلى توافق بينها سيؤدي في النهاية إلى حرب أهلية لا أحد بإمكانه إيقافها. وكانت روسيا قد استخدمت الأسبوع الماضي حق النقض للمرة الثالثة ضد قرار غربي يهدد دمشق بعقوبات دولية ويدين النظام السوري لقمعه الحركة الاحتجاجية المناهضة له وإرغام الرئيس السوري في النهاية على الرحيل. وهي الغاية التي يسعى إلى تحقيقها الجيش السوري الحر الذي طالب بتشكيل مجلس رئاسي من ست شخصيات سياسية وعسكرية توكل لها مسؤولية إدارة المرحلة الانتقالية بعد الإطاحة بنظام الرئيس السوري. ووضع الجيش الحر ضمن مخططه للإنقاذ الوطني مرحلة أولى تبدأ بتشكيل مجلس أعلى للدفاع يضم القادة العسكريين لمختلف المدن السورية والمقاطعات والضباط السامين الذين انشقوا عن الجيش النظامي. ويبدو أن المعارضة السورية اقتنعت أخيرا تحت ضغط الدول الغربية بحتمية توحيد أجنحتها السياسية والعسكرية في الداخل والخارج حتى تكون لها القوة المعنوية اللازمة من أجل التفاوض على المستوى الدولي تماما كما كان عليه الحال بالنسبة للمجلس الوطني الانتقالي في ليبيا الذي تحول إلى سلطة فعلية في طرابلس قبل وبعد الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي. وهو ما يفسر حرص بيان الجيش الحر على ضرورة قيام المجلس الرئاسي بصياغة وإصدار القوانين، إضافة إلى إعادة تنظيم مؤسسات الدولة الرسمية وبحث مستقبل المدنيين المسلحين الذين يقاتلون في صفوف المعارضة وإيجاد آليات إدماجهم في أجهزة الأمن السورية المختلفة. لكن الجيش الحر في الداخل رفض في المقابل تشكيل حكومة انتقالية في الداخل أو في الخارج في رد رافض لتصريحات رئيس المجلس الوطني عبد الباسط سيدا الذي أكد قبل يومين أنه بصدد إجراء اتصالات مع قادة المجموعات المسلحة في الداخل بهدف تحضير أرضية توافقية بين مختلف فعاليات المجتمع السوري لتشكيل حكومة انتقالية.