مع بداية شهر رمضان المبارك، تشهد جميع مساجد باريس كلّ مساء، إقبالاً كبيرا على صلاة التراويح، مما يدفع مسؤولي المساجد إلى افتراش الطرقات والأرصفة بالسجاد بعد أن ضاقت المساجد بالمصلين لأداء صلاة التراويح، ويقبل مسلمو فرنسا على قراءة القرآن الكريم أثناء ركوبهم مترو الأنفاق في شهر رمضان المبارك؛ وذلك حرصًا منهم على الاستفادة من كلّ لحظة لتحصيل الأجر والثواب في هذا الشهر الكريم. يعتبر المسلمون الفرنسيون أنّ قراءة القرآن هي أفضل وسيلة لتمضية الوقت قبل الإفطار، ويشهد الإقبال على اقتناء المصاحف خاصة الصغيرة منها أو مصاحف الجيب التي تعرض للبيع على طاولات في بعض شوارع العاصمة، تزايداً ملحوظاً خلال شهر الصوم، كما تجد السبحة والبخور وساعات الصلاة والسجاجيد لها مكاناً فوق الطاولات المنتشرة، والتي يحاول أصحابها إيجاد مكان لهم في قلوب المسلمين الصائمين. ويوجد في فرنسا العديد من المساجد، ويكون الأذان وتلاوة القرآن داخل المسجد فقط، وطبعا هناك بعض الفرنسيين المسلمين من يحترمون هذا الشهر ويصومونه، وتمتلئ المساجد بالمصلين هناك من مختلف الجاليات العربية والإسلامية، ويوفّر التجار العرب جميع الأطعمة الخاصة بالشهر والمواد الغذائية التي ترتبط بشهر رمضان، وهي موجودة بكثرة هناك.ويعتبر شهر رمضان الكريم في فرنسا شهر «اللمة» والتجمّع، حيث يجتمع الأهل والأصحاب في مجموعات كبيرة، فتحضر كلّ أسرة طبقا حضرته ربة المنزل بنفسها في منزلها إلى البيت الذي سوف يتناول الجميع فيه الإفطار هذا اليوم، ويبدأ المسلمون الفرنسيون في تناول طعام الإفطار بتناول التمر، ثم يقومون للصلاة، ويذهب الرجال إلى المسجد الأقرب للمنزل الذي يفطرون فيه، وبعدها يأكلون وجبة خفيفة عادة ما تتكوّن من شوربة الحريرة، حلوى الشباكية، القهوة والعصير، ثم يقرأون القرآن الكريم، حيث يقوم أعلم الرجال بالقرآن من الموجودين في المجموعة بقراءته ويردّد خلفه باقي الرجال، وتستمر قراءة القرآن الكريم في هذه المجموعات حتى أذان العشاء، حيث يذهب الرجال إلى المسجد لأداء صلاة العشاء وصلاة التراويح، بينما تودى النساء الصلاة في المنزل ولا يصلين في المسجد إلاّ في العشر الأواخر من الشهر الكريم. بعد ذلك تبدأ الوجبة الأساسية التي عادة ما تتكوّن من الخضراوات والخبز، ومن أشهر الأطباق هناك في هذا الشهر الكريم؛ «الطاجين»، «السفيحة» و«الكبة»، ويليها الشاي والقهوة، ويقبل المسلمون الفرنسيون على تناول الحلويات الشرقية والعربية بمختلف أصنافها، حيث تتربّع مرطبات «الزلابية» على عرش الأطباق الأكثر إقبالاً بين الصائمين، كذلك يقبل المسلمون هناك على شراء المرطبات وحلويات رمضان، ولكن تحتل «الزلابية» المرتبة الأولى من حيث الإقبال، والتي تنتشر في تونسوالجزائر خاصة، ولكن تمّ جلبها إلى فرنسا من قبل المهاجرين التونسيين، المغربيين والجزائريين، وإضافة إلى الزلابية، فإنّ «البقلاوة» لها مكانة كبيرة بين الحلويات بالنسبة لمسلمي فرنسا. وتعدّ الزلابية هي الصنف المفضّل في الضواحي، ولدى الطبقات الشعبية من مسلمي فرنسا، أمّا البقلاوة التي تعرف ب«أميرة المرطبات»، فهي المفضّلة لدى الطبقات المترفة من مسلمي فرنسا، نظراً لمكوناتها غالية الثمن، خاصة اللوز والفستق والبندق وجوز الهند، كما تعرف صناعة الخبز المعروف ب «المسمن» والمرطبات والحلويات المغربية خلال شهر رمضان المبارك إقبالاً كبيراً في الأحياء ذات الغالبية المسلمة في باريس، ويعتبر خبز المسمن الجزائري إحدى المأكولات الشعبية الشهيرة في الجزائر.. وبعد الطعام يعود الجميع إلى قراءة القرآن وتدارسه حتى وقت القيام، حيث يتوقفون لأداء الصلاة، ثم يعود كل منهم إلى منزله، ويعدّ مسجد باريس الكبير أحد الأماكن التي يستطيع فيها مسلمو فرنسا تعلّم أصول الدين الإسلامي وممارسة الشعائر الدينية خلال شهر رمضان، ويعمل إمام المسجد، على تعريف الشباب المسلمين الذين ولدوا في فرنسا بتعاليم دينهم ويحثهم على الالتزام بعقيدتهم.