الانشغالات الكثيرة التي يمر بها كل جزائري من أعمال وتجارة ومهام أخرى جعلت الكثير من العائلات الجزائرية نادرا ما تجتمع حول مائدة واحدة سواء في فترة الغداء أو العشاء فجاء رمضان ليعوض ما فات. وبمجرد حلول شهر رمضان المعظم تتبدل موازين القوى أين يقدم لنا فرصة للاجتماع حول مائدة موحدة لتلتقي الأسرة من جديد في جو عائلي حميمي لتناول ما تم إعداده لهذه الساعة من مأكولات متنوعة التي تشتهر بإعدادها العائلات الجزائرية، ومنها نجد الأطباق التقليدية وخاصة طبق (الشوربة) المصنوعة بالفريك والممزوج بأنواع أخرى من الخضر واللحم وأنواع التوابل المختلفة التي تضفي على الطعام نكهة مميزة، إضافة إلى أطباق أخرى من المأكولات، منها الطجين الحلو المكون من اللحم والفواكه المجففة مثل المشمش والبرقوق والتفاح، إضافة إلى الحلويات التي يكثر الطلب عليها في هذا الشهر خاصة منها الزلابية و(قلب اللوز) إضافة إلى(البوراك) الحاضر في كل يوم. ولعل من بين الأمور التي انفرد بها شهر رمضان الكريم لنفسه هو إسهامه في لم شمل الأسرة من جديد في الوقت الذي عرفت فيه معظم الأسر الجزائرية انفصالا وراء هموم الحياة وانشغالاتها فجاء رمضان بأطباقه المتنوعة وعاداته، فالأجواء الرمضانية لها طعم خاص في لم شمل العائلة فهي تجمع بين العبادة والمتعة والترفيه أين يحظى هذا الشهر المعظم بمكانة وقداسة خاصة لدى الأفراد أين تجتمع الأسر الجزائرية على مائدة الإفطار بشكل جماعي وحميمي يبعث الراحة والطمأنينة في نفس الصائم، وبمجرد حلول وقت الأذان يتسارع الأفراد إلى الإفطار على اللبن والتمر ثم الأطباق الاخرى المحضرة بعد الانتهاء من أداء صلاة المغرب، ليتوجه بعدها الصائمون إلى المساجد التي تعرف إقبالا لا نظير له أين يضطر بعض المصلين إلى الصلاة في الساحات العامة والشوارع القريبة من المساجد للقيام بصلاة التراويح وهم في كامل قواهم البدنية والاستمتاع بترتيل القرآن وما له من انعكاس على سلوك الأفراد داخل الأسرة، حيث يحسن قوة الإيمان ويزيد في تماسك الأسرة وصلاة التراويح لها دور في تهذيب النفوس وصقل شخصية المسلم، حيث يتأمل في القرآن الكريم ويحس بالقوة والعزة وهو في وسط جموع كبيرة من إخوانه يجمعهم إطار واحد وعبادة واحدة وأخلاق وسلوك واحد. بينما يتوجه البعض الآخر إلى زيارة الأهل والأقارب بهدف السمر وتبادل أطراف الحديث في (لمة) عائلية أو بما تعرف (بالقعدة) حول صينية الشاي والقهوة والحلويات التقليدية منها (المقروط) و(البقلاوة) و (القطايف) ما يعطيها نكهة خاصة بها تجعلها تختلف عن باقي الأيام الأخرى أين تتخللها قراءة (البوقالات) وهي عبارة عن حكم شعبية تتداولها الأجيال فيما بينها، أين تحمل في طياتها نظرة تفاؤلية وتستمر إلى غاية وقت متأخر من الليل، وفي بعض الأحيان تستمر إلى غاية السحور أين يتناول الجزائريون طعام (الكسكس) مع الزبيب واللبن وهي عادة لكل الجزائريين في السحور عبر مختلف الولايات. كما يشهد شهر رمضان إقبالا كبيرا للجالية الجزائرية المتواجدة خارج الديار الذين يفضلون قضاء رمضان داخل التراب الجزائري وسط عائلاتهم من أجل استعادة الجانب الروحي للشهر العظيم، أما البعض الآخر فيأتون ليعيشوا أجواء هذا الشهر الكريم الذي لا يمكن إيجاده في مكان آخر، لذا يحرص الكثير من هؤلاء على قضاء شهر رمضان في البلد ويسعون إلى عدم تضييعه.