كثيرون يرتقبون بشغف التخفيضات التي تطبقها المحال والمساحات التجارية الكبرى خصوصاً، والتي تمس المواد الغذائية بكل أنواعها لاسيما المستوردة منها، لاقتناء بعض أنواعها الغالية الثمن. وغالباً ماتتم هذه التخفيضات قبل أيام من انتهاء صلاحية هذه المواد، وهو مايعني أن التاجر مضطر إلى تخفيض ثمنها حتى يتفادى الخسارة. إن زيارة ميداينة إلى بعض المساحات التجارية بالعاصمة، تمكننا من ملاحظة تهافت الزبائن على المواد المخفضة الثمن، لاسيما وأن أصحاب هذه المساحات يعمدون في الإشهار عن التخفيضات على لوحات كبيرة تشد الناظرين. ومايشد أكثر الزبائن إلى مثل هذه المواد هو كون أغلبها مستوردة وتباع بأسعار غالية لايقدر عليها إلا قلة من المستهلكين، لذا فإن مثل هذه العروض قد تمنح للآخرين فرصة تذوق مالذ وطاب منها وبسعر قد يصل إلى نصف المطبق سابقاً. فعلب البسكويت وعلب الشوكولاطة وأنواع العصائر والمربى ورقائق الذرة من أهم المنتجات التي تمسها عادة التخفيضات، ولذا فإن الإقبال والاهتمام بها يكون كبيراً، لأنها من ماركات عالمية آتية من بلدان أوروبية متعددة. تعترف الآنسة رشيدة التي التقينا بها في إحدى المحلات التجارية بحسين داي أنها لاتفوت فرصة التخفيضات لاقتناء علب الشوكولاطة والبسكويت لأنها من الشغوفات بالحلوى ومشتقاتها، ولاتتردد في أخذ كميات معتبرة من هذه المنتجات لتستمتع بها، لأنها في باقي الأيام لاتستطيع شراءها لغلاء ثمنها. وعن مدى قلقها من سلامة هذه المنتجات تشير إلى أنها تراقب تاريخ نهاية الصلاحية، والمهم بالنسبة لها أنها مازالت صالحة حتى لو تعلق الأمر بأسبوع أو بضعة أيام، لاسيما وأنها سرعان ماتستهلكها، فأحيانا يتم ذلك في اليوم ذاته وبالتالي لاخوف على صحتها أو صحة عائلتها منها. نفس الانطباع وجدناه عند حسين وهو شاب كان يشتري عدة أكياس من رقائق البطاطا المقلية المصنعة «شيبس» المستوردة من ألمانيا والتي كانت تعرض بثمن منخفض في إحدى المساحات التجارية بالمحمدية، إذ اعتبر أن مثل هذه العروض هي فرص حقيقية يجب استغلالها لاقتناء المنتجات التي نكتفي بالنظر إليها في الأيام الأخرى نظراً لغلائها، مستبعداً تماماً أن يكون لها أي ضرر بالصحة لأن تاريخ صلاحيتها لم ينته بعد. «فحتى لو بقي يوم واحد على نهايته فإن ذلك يكفي لأن مثل هذه المواد تستهلك سريعاً». ويؤكد منير أحد المشرفين على هذه المساحة التجارية أن مراقبة تاريخ صلاحية المواد يتم يومياً بغية تحديد المنتجات الموضوعة ضمن عرض التخفيضات، ويشير إلى أن الأمر لايتعلق فقط بالمواد التي تنتهي صلاحيتها هذا الشهر أي سبتمبر، لكن تتعداه أحياناً إلى الأشهر المقبلة وهو ما لاحظناه في علب المربى التي خفض ثمنها والتي يستمر تاريخ صلاحيته إلى غاية نوفمبر المقبل. وعن سبب ذلك يقول محدثنا»نعمد أحياناً إلى تخفيض سعر بعض المواد رغم أن تاريخ صلاحيتها قد يمتد إلى أشهر قادمة وذلك حسب نوعيتها، فالمربى أو الطماطم المصبرة على سبيل المثال يستلزم استهلاكها عدة أيام وأحياناً أسابيع، لذا فإننا لاننتظر الشهر المعني بنهاية الصلاحية لتخفيض ثمنها لاسيما إذا لم تلاق إقبالًا من طرف زبائننا... فهذا أفضل من رميها في آخر المطاف بالقمامة». وفي خضم استطلاعنا عن الموضوع التقينا بسيدة تمعن النظر وتدقق في تاريخ صلاحية بعض المواد المخفضة الثمن بإحدى محلات وسط العاصمة، فسألناها عن سبب ترددها في اقتناء هذه المنتجات-وكان الأمر يتعلق بعلب بسكويت مستوردة - فلم تخف أنها تتخوف كثيراً من مثل هذه المواد التي يمسها التخفيض لأنها تشك حتى في تاريخ الصلاحية الموضوع في المنتجات الذي قد يكون غير حقيقي، لذا فإنها تعاين البضاعة جيداً وتقرأ مكوناتها لتقرر اقتناءها من عدمه، لأنها سبق وأن تعرضت لمضار صحية بفعل استهلاك مثل هذه السلع، كما أنها تؤكد أنها تفعل ذلك خوفاً على صحة أبنائها. وتشير وزارة التجارة في دليل «المستهلك الجزائري» إلى أنه «عندما تكون المنتجات منتهية الصلاحية أو فاسدة أو تحتوي على مكونات ضارة، عندما تكون الرزم غير ملائمة أو سلسلة التبريد غير محترمة، فإنه يمكن أن تكون النتائج أليمة، خاصة في بلدنا الذي يتميز بالمناخ الحار، حيث تفسد المواد الغذائية بسرعة». وفي هذا السياق فإن ما ينص عليه القانون الجزائري هو ضرورة فرض التزامات صارمة جداً تتعلق بالنظافة الصحية وسلامة المنتجات على كل المهنيين المشاركين في عرض المنتجات الغذائية للاستهلاك والذين لايحق لهم أن يعرضوا صحة المستهلك للخطر. كما تنصح الوزارة المستهلكين بالتحقق من البيانات المكتوبة على الملصقات (الوسم) خاصة منها تاريخ إنتاج وانتهاء الاستهلاك أو الاستعمال، وتشير إلى أن هناك منتجات صالحة من حيث تاريخ الاستهلاك لكنها مضرة بالصحة لأسباب عديدة منها عدم احترام الحفظ، ويمكن التأكد من خطرها على الصحة بالنظر إلى شكلها وتعبئتها. ويعرف ذات المصدر التاريخ الأقصى للاستهلاك أو التاريخ الأقصى للاستعمال ب«التاريخ المقدر لنهاية الأجل الذي تصبح المادة بعده، وفي ظروف التخزين الخاصة بها، لاتتوفر على الأرجح على الجودة التي يطلبها المستهلك. بعد هذا التاريخ لا تعتبر هذه المادة قابلة للبيع». وإثراءاً للموضوع اتصلنا بالسيد مصطفى زبدي رئيس جمعية حماية وتوجيه المستهلك وبيئته بالجزائر العاصمة، فأشار إلى أن الكثير من المنتجات الغذائية يجب أن تحمل في وسمها تاريخ نهاية الصلاحية عكس مواد أخرى مثل الخبز، وبالتالي فإن أي مادة تخلو من هذه المعلومة فهي غير صالحة للاستهلاك إلى أن يثبت العكس. ويقول محدثنا «يجب أن يكون هذا بمثابة قاعدة يعمل بها كل المستهلكين، فتاريخ الصلاحية الخاص بأي منتج يتم وضعه تبعاً لعدد من المقاييس والمعايير من بينها الحفظ الجيد للمنتج والتخزين المناسب له وكيفية عرض المنتج وسلسلة التبريد...إلخ». ويعطي عدة أمثلة، إذ يشير إلى أن المياه المعدنية أو المشروبات الغازية لاتحتاج إلى وضعها في ثلاجة، لكن هذا لايعني أنه من المسموح عرضها تحت أشعة الشمس كما هو معمول به للأسف، لأن لذلك أضرار بعيدة المدى على المستهلك. وبالتالي فإنه يؤكد «أن تاريخ الصلاحية أمر مهم، لكنه في كثير من الأحيان لا يكون عاكساً لنوعية المنتج الحقيقية بفعل عدم احترام المقاييس التي اعتمد عليها تحديد تاريخ انتهاء الصلاحية وهي كما قلت سابقاً الحفظ والتبريد والنقل والتخزين». ويلفت محدثنا النظر إلى أن التخفيضات التي تمس المواد التي تقترب من نهاية الصلاحية «ليست رمزية يقدمها التاجر للزبون، لأنه يريد في حقيقة الأمر التخلص من هذه المنتجات التي لن تجد مكاناً لها إلا القمامة»، موضحاً بأن الأمر يختلف في هذا المجال بين بضاعة وأخرى، فهناك سلع سريعة التلف وتتأثر كثيراً بعدم احترام شروط الحفظ كالبسكويت والشوكولاطة بالنظر إلى مكوناتها، ولذا فإنها قد تشكل خطراً صحياً على المستهلك، ولهذا السبب دعا إلى عدم تقديمها للأطفال أو المرضى. كما يتحدث عن اللحوم المجمدة التي تحدد مدة صلاحيتها عموماً ب18 شهراً، إذ يتساءل» هل عندما نقتني هذه اللحوم تكون شروط حفظها مستوفاة؟ أقول عموماً لا لأن شرط حفظها هو وجودها في درجة حرارة تقل عن 18 تحت الصفر بين تاريخ الإنتاج وتاريخ انتهاء الصلاحية، وفي ظل عدم احترام سلسلة التبريد فإن هذه اللحوم قد تشكل خطراً حقيقياً». لذا فإن السيد زبدي يرى أن تاريخ الصلاحية ليس معياراً كافياً للاطمئنان لنوعية المنتج وسلامته من الناحية الصحية، وهنا تقع على التاجر مسؤولية ضمان سلامتها لأنه الأدرى بذلك وهو الواجب عليه تطبيق إجراءات السلامة على المنتجات التي يبيعها. ويعتبر أن المواد التي تعرض بأسعار منخفضة قبيل انتهاء تاريخ صلاحيتها، قانوناً مازالت صالحة، ولكن على المستهلك أن يتوخى الحذر بملاحظة مدى احترام التاجر لإجراءات الحفظ والتبريد وكذا ملاحظة المنتج بدقة فأي تغييرات على شكله أو لونه أو رائحته يمكن أن تبين نوعيته.