أكد السيد مصطفى فاروق قسنطيني رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لحماية وترقية حقوق الإنسان أن المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان تعتبر "واجهة مميزة" و«مراقبا حتميا" للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وأنها تغذي من خلال آرائها وتوصياتها أو تدخلاتها في الميدان مجالات الحياة المختلفة لبلد ما. ودافع السيد قسنطيني في مداخلته، أول أمس، خلال أشغال اللقاء السابع لحوار حقوق الإنسان العربي الأوروبي الذي يختتم اليوم، عن دور هذه المؤسسات لما لها من مزايا تنعكس على المجتمع رغم محاولات البعض توجيه الاتهام لها بشأن النقائص التي قد تعتريها من حيث الفعالية الظرفية في تنوير الرأي وتوجيه الذين يسنون القوانين ويقررون. ويشكل هذا التصريح للأستاذ قسنطيني بمثابة رد على المنظمات الدولية التي تركز في تقاريرها على الجانب السلبي للأوضاع الداخلية للدول، دون الاعتماد على معطيات المؤسسات الوطنية، وهو ما سبق للجنة الوطنية الاستشارية لحماية حقوق الإنسان أن أثارته على ضوء التقارير الصادرة من منظمات دولية والتي كثيرا ما تضفي على بعض قضايا حقوق الإنسان في الجزائر وضعا مأساويا. وكان السيد قسنطيني قد أشار الى هذا اللغط المثار بهذا الخصوص على هامش أشغال اليوم الأول، عندما أكد انه لا توجد هناك إرادة مقصودة من الحكومة للمساس بحقوق الإنسان، مضيفا أن الأمر يتعلق بسوء تصرف من أشخاص لديهم قدرة على المتابعة القضائية وليست سياسة منتهجة من الحكومة لمضايقة مناضلي حقوق الإنسان. وباعتبار أن المؤسسة التي يشرف عليها تعد إحدى المرايا التي تعكس وضع حقوق الإنسان في البلاد، فقد تطرق لمسألة إضفاء الطابع الدستوري للمؤسسة التي يشرف عليها، معربا عن أمله في أن تتجسد هذه العريضة لصالح الجميع. فذلك يعني بالنسبة للسيد قسنطيني بمثابة "نهاية للاتهامات التي تزعم خطأ أن اللجنة موالية إلى حزب ما وبرهان إضافي على أنها ملك للشعب الجزائري، مشيرا الى أن اللجنة ترمي أولا إلى ترقية ثقافة حقوق الإنسان في الجزائر وهو ما اعتبره "دورا أساسيا". وقال إن هناك في العالم لجانا مماثلة عديدة كتلك التي يرأسها وأنها تعمل كلها على أساس المبادئ الأساسية التي يقوم عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومبادئ باريس 1993، مضيفا في هذا الصدد أن لجان حقوق الإنسان "مؤسسات ذات نفوذ تحاول ترقية حقوق الإنسان في البلدان التي نشأت فيها" وهذه مهمة وصفها "بالعمل الطويل النفس". من جهة أخرى، وردا على سؤال حول محكمة الجنايات الإفريقية، أوضح السيد قسنطيني "أن الجزائر التي وافقت على مبدأ إنشاء هذه المؤسسة" ينبغي أن تصدق على البروتوكول الخاص بها لتنضم إليها كعضو حتى يتمكن الجزائريون من اللجوء إلى المفوضية الإفريقية في حالة نزاع مع الدولة". وكان ممثلو الهيئات الوطنية لحقوق الإنسان المشاركون في اللقاء، قد اتفقوا على أهمية إشراك المواطن العربي في القرارات السياسية في بلاده لا سيما في بعض الدول التي تعرف تحولات جذرية على حد تعبير بعض المتدخلين. وأشار العديد من المتدخلين في هذا اللقاء إلى أن إشراك المواطنين في اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية المختلفة لبلدانهم هو حق من حقوق الإنسان، من شأنه أن يسمح لهم الإحساس بالمسؤولية في بناء دولة القانون والديمقراطية. وفي هذا الصدد قالت نائب المدير التنفيذي ومديرة الدائرة الدولية في المعهد الدانماركي لحقوق الإنسان، الذي يرأس حاليا اللجنة التوجيهية للحوار العربي الأوروبي حول حقوق الإنسان السيدة شارلوت فلنت بيدرسن، إن المشاركة الشعبية بحد ذاتها حق وأداء لتحقيق سائر حقوق الإنسان بما فيها حرية التعبير والتجمع وتنقل الأشخاص والمعلومات وأنها "تدفع بالمواطنين إلى السعي الى انتزاع حقوقهم". وأشارت إلى أن الميثاق الإفريقي والعربي لحقوق الإنسان وكذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان "كرس مبدأ المشاركة الشعبية" قبل أن تضيف بأن للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان "دور محوري في تحسيس المواطنين بحقوقهم وفي تشجيع الحكومات على بلورة قنوات حقيقية للمشاركة الشعبية في صنع القرار". أما رئيس لجنة التنسيق للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والمفوض العام للمركز الوطني الأردني لحقوق الإنسان السيد موسى بريزات، فيعتقد أن الدول العربية "أنهكتها الحروب الطائفية والأنظمة الشمولية بعد الاحتلال الغربي" وأنه من "الضروري بحث كيفية إحداث تغيير سلمي بها". وحسب المتدخل فإن المعايير الدولية لتطبيق حقوق الإنسان "ليست بالضرورة هي الأنسب للدول العربية"، متسائلا عن الحدود التي يمكن وضعها لحرية التعبير وانتقاد الغير. وأضاف المتدخل الأردني أنه في بعض الدول العربية "تتم الإساءة الى حقوق الإنسان باسم الحرية"، متسائلا عن «ما هو الضامن بأن من يتكلم باسم حرية التعبير لا يستعملها لخلق الفوضى والإساءة". وبدورها، أكدت نائب رئيس مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان لجنيف (سويسرا) السيدة أفرين شهيد زادة، أن المشاركة الشعبية "وسيلة سلمية للتعبير على الآراء"، مضيفة انه على المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان أن تشارك في "مجهود تشجيع الدول بل فرض الدول على احترام الحقوق". إن هذه المؤسسات في رأيها "يجب أن تعمل مع المجتمع المدني وتباشر أنشطة مع البرلمانات والحكومات في أمور تتعلق بحقوق الإنسان" وأن تتأكد بان مؤسسات الدولة تتقيد بالقوانين المتعلقة بهذا الموضوع. كما على الهيئات الوطنية لحقوق الإنسان أن تقوم بحملات توعية لفائدة المواطن لتعريفه بحقوقه، مؤكدة ان لكل فرد في المجتمع الحق في المشاركة في قيادة الشؤون العامة مباشرة من خلال اختيار ممثلين له. وللإشارة، يشارك في لقاء الحوار الذي يختتم اليوم تسع دول هي الجزائر والمغرب ومصر والأردن وفلسطين وموريتانيا وكذا اليونان والدانمارك وألمانيا والنرويج. ويعد هذا اللقاء السابع من نوعه الذي يحمل عنوان "المشاركة الشعبية ودور المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان" بعد لقاءات مماثلة نظمت في كل من الأردن وكوبنهاغن والمغرب وهولندا وقطر وألمانيا منذ سنة 2007. ومن المنتظر أن يتطرق المشاركون في الملتقى اليوم الى موضوع تأثير وسائل الإعلام الحديثة والإنترنت على الشعبية والدور الذي يمكن أن تلعبه المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان من حيث الاستفادة من الإمكانيات ومجابهة التهديدات.