تخوض كرة القدم في الجزائر، موسمها الثالث في عالم الاحتراف، بعد أن تبنت الدولة هذه الفكرة، وأكدت على أن تلتزم كل الأندية ببعض الشروط، التي تمكنها من التحول من أندية هاوية إلى أندية محترفة، غير أنه ظهرت بعض المعوقات والمشاكل، التي أثرت بطريقة مباشرة على هذا المشروع، أهمهما وأبرزها نقص مصادر التمويل ، من خلال عزوف أصحاب المال عن الاستثمار في هذه الأندية لأسباب متباينة، جعلتنا نطرح هذا التساؤل، لماذا لم ينجح هذا المشروع الاحترافي في الجزائر بعد ؟، ومتى سيتخطى معوقات بدايته؟، نقلنا انشغالنا إلى بعض الفاعلين في مجال كرة القدم الجزائرية الذين وبصراحة سلطوا الضوء على بعض الأمور، التي تكتشفونها معنا. دخول الاحتراف، كان حتمية بالنسبة للدولة الجزائرية، فرضها الإتحاد الدولي لكرة القدم، ومن خلال الفاف، أرادت السلطات أن ترفع من مستوى كرة القدم في الجزائر، فالاحتراف لا يختلف من دولة إلى أخرى، والهدف منه واحد وشعاره واحد وهو الزيادة في المهارات الفنية والأخلاقية لدى اللاعب وكسب عائدات مالية، إلا أنه وبعد مرور سنتين عن هذا المشروع، لم تظهر هذه الأهداف على أرض الواقع، بل أن كل الأندية تشكو من الإفلاس، ولم تتطور إمكانيات اللاعبين كثيرا، كما أنه لم يتحكم بعد في ظاهرة العنف في الملاعب، فقوانين الاحتراف واضحة وهي: التزام النادي بعقد اللاعب المحترف والتزام اللاعب بعقد الاحتراف، ليساهم الاحتراف بذلك في كرة القدم في بناء مؤسسات عصرية، كما أنه من الممكن كذلك أن يؤدي إلى انتشار أكبر للفوضى. نقص الموارد المالية وعزوف المستثمرين عن شراء أسهم النوادي من الأسباب الكبيرة التي تعيق السير الحسن لهذا المشروع، هو نقص الموارد المالية، فما عدا فريق اتحاد العاصمة، الذي وجد مستثمرا لشراء الأسهم، يتمثل في صاحب مجمع حداد للأشغال العمومية، تعاني جل الأندية الأخرى من رفض المستثمرين المغامرة بأموالهم فيها، وهذا لعدم توفر الضمانات من جهة، إلى جانب خوفهم من انقلاب رؤساء هذه الأندية في حد ذاتها عليهم من جهة أخرى، وأكبر دليل على ذلك ما يحدث في فريق أولمبي الشلف، الذي جاء بالمستثمر بن طيب، إلا أن الرئيس السابق عبد الكريم مدوار، منعه من ممارسة صلاحياته، حيث يريد أن يبقى الآمر والناهي في الفريق، رغم أن القانون لا يسمح له بذلك، بحكم أنه أصبح نائبا في البرلمان، هذه الأمثلة وأخرى، هي من بين المعوقات الكبيرة، التي تجعل أصحاب المال في الجزائر غير متحمسين كثيرا لشراء أسهم الأندية واستثمار أموالهم فيها، وقد نلاحظ ذلك من خلال ما حدث مع فريق شبيبة القبائل، أين رفض رجل الأعمال يسعد ربراب، شراء أسهمه رغم مطالبة الأنصار بذلك، وهذا لأنه يخشى ألا يمارس صلاحياته كاملة في تسيير النادي في وقت يرفض فيه الرئيس الحالي محند شريف حناشي التنازل عن الرئاسة. عدم توفر الهياكل وعدم حصول الأندية على الأراضي الموعود بها من جهة أخرى، يطالب رؤساء هذه الأندية أن تلتزم الدولة، بدفتر الشروط الذي أعدته من قبل، ومنح كل ما تناوله من مواد، فإلى حد الآن، لم يستفد العديد منها من قطع الأراضي التي وعدت بها، لبناء الملاعب ومراكز التكوين، هذه الهياكل التي تعد حلقة أخرى في المشاكل التي تعترض نجاح مشروع الاحتراف في الجزائر، فأندية كبيرة كمولودية الجزائر وشباب بلوزداد ونصر حسين داي مثلا، لا تملك حتى ملاعب خاصة بها تتدرب عليها وتستقبل فيها منافسيها، فهذا الانشغال كان من بين الأمور التي أثيرت في العديد من المرات للنقاش، خاصة مع الوزارة الوصية، التي أعلنت في سنة 2010 عن طريق الوزير السابق الهاشمي جيار، عن تغيير الوضع، إلا أنه يكون قد أخطأ في الطريقة واستعمل الوسائل السهلة، حيث اكتفى بالقول بأنه سيعطي المال ويساعد النوادي، التي تفضل الاحتراف، وهي أسهل الطرق، في حين أن كرة القدم الجزائرية تحتاج إلى دواء آخر، يتمثل في إقامة قواعد شفافة تحترمها كل الأطراف، بمن فيها الوزير، وهذا ما يعمل عليه الوزير الجديد محمد تهمي، الذي أخذ على محمل الجد ملف الاحتراف في كرة القدم في الجزائر. إهمال الجانب الاجتماعي للاعبين والمدربين ويعد إهمال الجانب الاجتماعي للاعبين وخاصة المدربين المحليين، من بين المعوقات الكبيرة، التي تؤدي إلى فشل العملية الاحترافية في الجزائر، يضاف إلى هذا غياب العوامل الاقتصادية المشار إليها من قبل، ولهذا يطالب رؤساء أندية الدولة بتخفيف الضرائب المترتبة عن أجور اللاعبين، التي بلغت أرقاما خيالية، وينتظر هؤلاء الرؤساء من وزير الشباب والرياضة الجديد حلولا سريعة، من أجل الحصول على كل ما وعدوا به من قبل الدولة، فاستثمار الشركة البترولية العمومية، سوناطراك في أربعة أندية فقط، دون البقية أحدث فتنة بين رؤساء الأندية، الذين يرون بأنه هناك كيل بمكيالين في التعامل، وأن عودة هذه المؤسسة العملاقة للاستثمار في كرة القدم سيكون من بين الأسباب التي من شأها أن ترمي بمشروع الاحتراف إلى الهاوية. ورغم كل هذا، تبقى الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، متمسكة بالذهاب بمشروعها إلى بر الأمان، مؤكدة على لسان رئيسها محمد روراوة، بأن نجاحه سيتحقق بعد أربع أو خمس سنوات، وفي انتظار 2014 أو 2015، تبقى كرة القدم في الجزائر تعاني.