استضافت، نهاية الأسبوع الماضي، جمعية «الجاحظية»، الأستاذ الباحث والشاعر عبد الله حمادي لمحاضرة ألقاها تحت عنوان» الموسيقى الأندلسية من زرياب إلى ابن باجة» والتي أكد فيها أنه توصل نتيجة أبحاث قام بها إلى أن الموسيقى الأندلسية والموشحات نشأتا بعد زرياب على يد ابن باجة. أثار الدكتور عبد الله حمادي في محاضرته التي حضرتها شريحة ثقافية مميزة موضوعا طالما جرى الاعتقاد العلمي فيه أن الموسيقى الأندلسية ترتبط بقدوم زرياب من بغداد إلى الأندلس وهذا غير صحيح، وإنما ذكر هذا حتى يبرز فضل أهل المشرق على المغرب واعتداد المشارقة منذ القديم أنهم أصحاب فضل وسبق على المغاربة مما جعل ابن حزم يقول: «أنا الشمس في جو العلوم منيرة ولكن عيبي أن مطلعي الغرب هنالك تدري أن للوجد قصة و أن كساد العلم آفاته القرب « ويضيف الدكتور عبد الله حمادي «لذلك طغى اسم زرياب إلى درجة أنه كلما ذكرت الموسيقى الاندلسية أسند الفضل لما حمله زرياب وما حفظه عن أستاذه الموصلي وهذا غير صحيح، وهذا ما تؤكده النصوص لأنها هي الفيصل في البحث ونحتكم إليها خصوصا إن كانت الارض التي نشأت فيها هي الاندلس». وأكد الدكتور حمادي أن الموسيقى الاندلسية عمت المغرب واشتهرت في أوربا إلا أن علماء المشرق لا يريدون الاعتراف بالاضافات التي تكون خارج المراكز المهيمنة، وذلك يأتي في إطار الصراع بين المغرب والمشرق. ويوضح أن الموسيقى الاندلسية بإجماع الباحثين امتدت على مدار ثمانية قرون وأعطت البشرية نموذجا فريدا من نوعه رغم الاختلافات العرقية للمجتمع وذلك في ظل العدالة الاجتماعية حيث أتيحت الفرصة لكل فرد لتقديم قدراته. وبين الدكتور حمادي في مداخلته أن اللغة العربية كانت اللغة المشتركة دون تفريق في الجنس والعقيدة والابداع في كلماتها والميول الموسيقية في ظل الحضارة العربية الاسلامية. ويرى الدكتور عبد الله حمادي أن المدارس الموسيقية منذ الفتح الى سقوط الاندلس هي ثلاث مدارس كبرى تتفق معها ثلاث مراحل كبرى عرفتها الاندلس في الحكم حسب المتمعن في تاريخ الاندلس، فالمرحلة الاولى بدأت مع الفتح والإمارات والخلافة حيث ساد هذه المرحلة الحكم العربي ابتداء من عبد العزيز بن موسى بن نصير واستغرقت فترة الأمراء خمسين سنة لتنقل الى مرحلة الخلافة التي شقت فيها عصا الطاعة الخلافة الأموية عن الخلافة العباسية والفاطمية والتي تمتد فترتها الى معركة الزلاقة وطليطلة الطوائف، حيث كانت سببا لدخول البربر إلى الاندلس مع يوسف بن تاشفين سنة 1086 حيث انتصر الاندلسيون بمعية المرابطين وأصبح الحكم للبربر الى غاية دولة الموحدين والمرابطين، وتعد هذه المرحلة الثانية الامازيغية هي أخصب المراحل في الاندلس. ويؤكد الدكتور عبد الله حمادي أن العرب كانوا ضد الموشحات لأنهم يرونها دخيلة ولهذا لم يدونوا في كتبهم الازجال والموشحات لأنها في نظرهم شعبية منحطة، ويضيف حمادي أن المرحلة الثانية رغم أن حكامها امازيغ عرفت ازدهارا في الموشحات والزجل وهو ما عرف بالاعتداء على الفصحى واستبدالها بالعامية، فلم تعد عقدة الفصحى وقداسة العربية تقيد المغنيين والموسيقيين مما أتاح الفرصة لتطور الفلسفة حيث ظهر ابن رشد، الميموني، ابن طفيل والزهراوي، ويرى أن الفترة الممتدة من أواخر القرن الحادي عشر الى الثالث عشر هي الاخصب في تاريخ الاندلس العلمي والادبي. من جهة أخرى، تطرق المحاضر الى إمارة غرناطة التي حكمها المولدون الذين كانوا ثمرة التزاوج بين الفرسان العرب والبرابرة بنساء أندلسيات منهم عائلة بني الاحمر التي استطاعت إمارتها أن تبقى 220 سنة صامدة وحوصرت 10 سنوات حيث سقطت غرناطة بسبب الثلوج التي منعت وصول الامدادات الزراعية فاضطر عبد الله الصغير لتسليم المفاتيح. ويؤكد الدكتور حمادي أن ثلاث مدارس أندلسية للموسيقى، المدرسة الأولى عربية متأثرة بمدرسة مكة والمدينة والتي جاءت مع الفاتحين العرب، والمدرسة الثانية هي مدرسة الدارسين والمدرسين وهي مدرسة بغداد على عهد زرياب والموصليين، والمدرسة الثالثة وهي المدرسة المنهجية المغربية على يد أبي بكر بن الصائغ بن باجة حيث حدثنا المؤرخ الجزائري التفاشي (وهو من سوق أهراس) في كتابه «متعة الأسماء في علم المساء» أن انطلاق المدرسة الاندلسية كان على هذا النسق، المنهجية الصنعة التي اقترنت بالموسيقى التي استحدثها ابن باجة الفيلسوف الاعظم حسب التفاشي ميراث زرياب وموسيقى المسحيين وأدمجهما وابتكر منهما منهجا ثالثا هو الذي عرف بالموسقى الاندلسية مما جعل الناس ينسون موسيقى الاسبان، ثم انتقلت الموسيقى الاندلسية الى المغرب والجزائر وتونس مع الهجرات فجاء هذا الميراث الكبير «الموشحات والازجال» والمزموم، حيث يعود الموشح الى كثرة الجلسات الغنائية. ويشن الدكتور عبد الله حمادي هجوما نقديا لاذعا على ابن خلدون واعتبر أن ليس كل ما يقوله صحيحا، ويذكر قصة أنه عند ذهابه للاندلس التقى بابن الخطيب، ورأى قاضيا حاسر الرأس فحكم على الاندلسيين بأنهم مسخوا تأثرا بالمسيحيين، وهذا غير صحيح لأن الغرناطيين كانوا معممين. ويقول الدكتور عبد الله حمادي أن أول من صنع أوزان الموشحات هو محمود بن حمود القبري الضرير، وأن الغناء كان متفشيا في المشرق إلا أنه لم ينتج فن التوشيح، والموشح يختلف عن الشعر العربي لأنه صنع للغناء، فالموشح له خصوصياته الظاهرة اللغوية وهو ثمرة تقليد اسباني وأوزانه أعجمية تبدأ بالخرجة التي هي آخر بيت، والخلاصة أن فن التوشيح ثقافة العامة ولم تجر العادة في إدراجها في الكتب المخلدة لأن أصلها أعجمي، ومبدع الموسيقى الاندلسية هو ابن باجة الفيلسوف والشاعر الكبير وهو الذي صدرها بواسطة طلبته الى افريقيا فانتشرت في بلاد المغرب.