جددت الجزائر موقفها الرافض لخيار التدخل العسكري في شمال مالي، مؤكدة أن المضي في هذا المخطط سيكون خطأ كارثيا، وحذرت من العواقب غير المحسوبة لهذه الخطوة على مالي والمنطقة برمتها، يأتي هذا التصريح في الوقت الذي قررت فيه مجموعة دول غرب إفريقيا “إيكواس” نشر قوة إفريقية قوامها 3300 جندي في شمال مالي عقب قمة أبوجا (نيجيريا) المنعقدة أول أمس. جاء ذلك على لسان الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية، السيد عمار بلاني، الذي صرح أمس لموقع “كل شيء عن الجزائر”، حيث أشار إلى أن “الجزائر اختارت طريق الحوار بين الحكومة المالية والمتمردين في الشمال لحل هذه الأزمة”. وذكر الناطق باسم الخارجية باللائحة الأممية رقم 2017، التي تعد الأساس القانوني الوحيد الذي يستند إليه المجتمع الدولي، إذ تدعو السلطات المالية والجماعات المتمردة إلى البدء في مسار تفاوضي ذي مصداقية من أجل حل سياسي قابل للتطبيق في إطار احترام السيادة والوحدة الترابية لمالي. وكان السيد عبد القادر مساهل، الوزير المنتدب المكلف بالشؤون المغاربية والإفريقية، قد شارك في قمة أبوجا لدول غرب إفريقيا، حيث مثل رئيس الجمهورية، وسلم رسالة خطية من الرئيس بوتفليقة إلى رئيس كوت ديفوار والرئيس الحالي للإيكواس الحسن واتارا، وأخرى إلى رئيس نيجيريا جوناثان غودلاك، كما أجرى محادثات مع عدة مسؤولين حضروا القمة لشرح الموقف الجزائري. وتتحفظ الجزائر منذ بداية الأزمة على التدخل العسكري، داعية إلى فسح المجال للتفاوض بين حكومة باماكو وحركات متمردة في الشمال تتبنى مبدأ نبذ التطرف والإرهاب، في وقت أكدت فيه أنها لا تمانع استعمال القوة في مكافحة الإرهاب بكافة أشكاله. وعرفت الجزائر خلال الأشهر الأخيرة حركية دبلوماسية مكثفة من خلال زيارات لمسؤولين غربيين لها، من بينهم كاتبة الدولة الأمريكية للشؤون الخارجية، السيدة هيلاري كلينتون، ومفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، السيدة كاترين أشتون، إلى جانب المبعوث الأممي إلى الساحل السيد رومانو برودي. ورغم أن الحديث عن الخيار العسكري أصبح يفرض نفسه بتشجيع من فرنساوالولاياتالمتحدةالأمريكية، إلا أن دول المنطقة ترى في موقف الجزائر الكثير من الاتزان نظرا للعواقب التي قد يفرزها هذا القرار استنادا لتجارب الدول الأخرى التي لم تستطع الخروج من مستنقع فرض عليها عنوة. ونجد في الموقفين الموريتاني والتونسي تطابقا في وجهات النظر الجزائرية بخصوص التعاطي مع هذه الأزمة، في حين أن الموقفين البوركينابي والإيفواري يفضلان الحلين السياسي والعسكري معا، و هو الموقف الذي أعلن عنه مسؤول الأممالمتحدة لغرب إفريقيا السيد سعيد جنيت، الذي أعلن أن الحوار سيتواصل مع بعض المجموعات المسلحة التي تحتل القسم الأكبر من أراضي مالي خلال التحضير لانتشار عسكري في هذا البلد. مشيرا إلى أنه تم الاتفاق في إطار مجلس الأمن على مقاربة شاملة تتضمن في آن واحد الحوار والاستعداد العسكري، كما اقترحتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا. أما رئيس النيجر محمادو ايسوفو فقد برر التدخل العسكري في مالي بالقول إنه جاء لوقف نشاط “الجهاديين” الذين لن يكتفوا باستهداف غرب إفريقيا وإنما أوروبا أيضا مستقبلا. وجاء تصريح الرئيس النيجري في حوار لجريدة “لوفيغارو” الفرنسية، أمس، بمناسبة زيارته لباريس، حيث ينتظر أن يستقبله اليوم، الرئيس فرانسوا هولاند، والذي حذر من عدم التدخل العسكري بالقول إن الأمور ستتعقد أكثر وأنه (التدخل) ضروري لحماية أوروبا. يأتي ذلك في الوقت الذي يجمع فيه خبراء على خطورة الخيار العسكري، فحتى الماليون أنفسهم الذين يدركون عواقبه على المدى الطويل، مثلما أشار إلى ذلك رئيس خارجية مالي السابق سومايلو مايغا، الذي قال إنه لا يجب استبعاد الحلول الأخرى . كما سبق للمستشار برئاسة الجمهورية، السيد كمال رزاق بارة، أن أشار إلى أن التدخل العسكري في مالي ‘'لا فائدة منه في الأوضاع الحالية التي لا تستلزم قوة عسكرية'' وأن تدويل القضية عن طريق التدخل العسكري سيزيد فقط من تعقيدها''، مشددا على ضرورة ‘'مساعدة هذا البلد على وضع خطة طريق يتفق حولها جميع الفاعلين في باماكو للخروج من الأزمة السياسية''. من جانبه، كان الخبير الأمريكي الشهير في قضايا شمال إفريقيا، السيد جيوف بورتير، قد أشاد بموقف الجزائر من الأزمة في مالي، مؤكدا في تحليل نشرته اليومية الإلكترونية الأمريكية (هوفينغتون بوست) أن المسعى الذي اعتمدته الجزائر تجاه هذه الأزمة تمليه براغماتيتها ومبادئها في الوقت الذي قد تأمل فيه الولايات المتّحدة جعل الجزائر تلعب (دورا إقليميا كبير) في هذا الميدان.