لم ينجح الرئيس المصري محمد مرسي في نزع فتيل أزمة سياسية ما انفكت تشتد من حوله في أول أزمة يواجهها منذ اعتلائه كرسي الرئاسة شهر جوان الماضي. وتدفع تطورات اليومين الأخيرين إلى التساؤل حول النهاية التي يمكن أن تعرفها هذه الأزمة التي تحولت فعلا إلى مأزق حقيقي بين مقاربتين متعارضتين حد التنافر حول ماهية النظام السياسي الذي يجب أن يقام في مصر ما بعد مبارك. فلا الرئيس مرسي قبل التراجع عن مسعاه ليبسط سلطانه ولا أحزاب المعارضة المنضوية تحت جبهة الانقاذ الوطني قبلت التراجع عن مطالبها بإلغاء الإعلان الدستوري ووثيقة مشروع الدستور أو تأجيل الاستفتاء عليه الأسبوع القادم. ويبقى مستقبل مصر غامضا إلى حد الآن وخاصة وأن الخطاب الذي ألقاه الرئيس المصري ليلة الخميس إلى الجمعة لم يؤد في النهاية إلى انفراج في الوضع رغم التنازلات التي قدمها لخصومه بعد أن دعا إلى حوار مباشر مع منتقديه اليوم السبت في محاولة منه لنزع صاعق القنبلة الموقوتة التي تقف عليها مصر وتوشك أن تدفع بها إلى حافة المواجهة المفتوحة بين تيارين متصارعين لم يشأ أيا منهما التنازل قيد أنملة عن مواقفه. وهو الاحتقان المرشح لان يعرف ذروته بداية من اليوم بعد أن رفضت المعارضة المناوئة له قبول دعوته إلى حوار مفتوح لمناقشة كل المواد التي ترى فيها أنها تقيد الحريات أو تعطل العمل السياسي الديمقراطي أو حرية الإعلام والصحافة. ولم تنتظر مختلف أحزاب المعارضة إلا ساعات وقررت الخروج في مليونية أخرى لإنقاذ الثورة من هيمنة رئيس وصفته بالفرعون الجديد والوجه الأخر لمبارك. وهو الموقف الذي زاد من مخاوف عامة المصريين من انزلاق جديد في المواجهة وخاصة وأن آلاف المتظاهرين يريدون السير إلى قصر الرئاسة للتعبير عن تذمرهم من رئيس خيب آمالهم في تحقيق مكاسب ثورة قالوا إنها كانت ضد طغيان نظام متعفن ولكنها وقعت بين أيدي حزب لا يختلف عنه كثيرا وجعلهم يسمونه بجمعة البطاقة الحمراء في تلميح إلى أن نهاية مرسي لن تكون مغايرة لتلك التي عرفها مبارك قبله. وقد كان سقوط سبعة قتلى في مواجهات ليلة الأربعاء والخميس بمثابة نذير شؤم على مستقبل مصر التي لم تستطع بعد قرابة العامين منذ الإطاحة بنظام الرئيس حسني مبارك الخروج من دوامة اللاستقرار الذي يكاد يدخلها في متاهة الفوضى العارمة. وأكدت جبهة الإنقاذ الوطني التي ضمت مختلف الفعاليات السياسية المصرية بقيادة المدير العام السابق لوكالة الطاقة الذرية محمد البرادعي أنها ترفض المشاركة في أي حوار مع الرئيس مرسي وأنها اختارت الساحات العمومية لتبليغ رسالة الرفض بدلا من قاعات الحوار المفتوح وبمبرر أن عرض مرسي لا يستند إلى أسس حوار حقيقي وجاد. وطالبت قبل ذلك بإلغاء مواد الإعلان الدستوري الذي استأثر لنفسه بفضله بصلاحيات واسعة وكانت بمثابة الفتيل الذي أشعل ثورة الشارع المصري من جديد وكذا الاستفتاء الذي يريد تنظيمه منتصف الشهر الجاري. وهي كلها مواقف ذهبت من النقيض إلى النقيض وجعلت الأزهر الشريف يخرج عن صمته وطالب الجميع إلى التعقل وحث الرئيس على إلغاء مذكرة الإعلان الدستوري بعد أن تأكد من خطورة الوضع واحتمالات متزايدة لوقوع انزلاق عام. وهو الغد الغامض الذي جعل الرئيس مرسي يضطر إلى إخراج الجيش إلى محيط القصر الرئاسي لمنع وقوع ما لا تحمد عقباه في مشهد مصري أصبح الشارع أهم بارومتر في المنحى الذي يأخذه.