الفنان هو المتحرك الذي يرفض السكون، فيقرن فنه بالإبداع ويبتكر ألف تحفة وتحفة، ليمتع العقل بالجديد ويمنح القلب السرور ويترك بصمة في تاريخ الفن، وهكذا قام الفنان عبد الرزاق حفيان برسم وعزف والباس الصحراء في معرض “ديوان 2” المقام حاليا برواق “عايدة”، ولم يختلف الفنان نور الدين حموش في هذه الغاية، فقدم طقوس الديوان في حلة جديدة مزجت بين التقليد والمعاصر. ”ديوان2” يقام برواق “عايدة” (دالي إبراهيم) إلى غاية 25 من الشهر الجاري، تؤثثه أعمال الفنانيّن عبد الرزاق حفيان ونور الدين حموش، الذي نظم العام الماضي وبنفس الرواق معرضا حمل عنوان “ديوان” ليعود هذه المرة مع “ديوان 2” رفقة فنان آخر يحمل التراث في قلبه ويعبر عنه بنظرة إبداعية كبيرة، بالإضافة إلى تكريمه للمرأة في أعماله الفنية. وبهذه المناسبة، قال الفنان العصامي نور الدين حموش ل«المساء”، أنّه مولع بالتراث الأمازيغي إلى درجة جعلته يرسم الرموز والدلالات المعبرّة عنه بشكل مستمر. مضيفا أنّ من واجب كل فنان تقديم بصمته الخاصة حفاظا على التراث، خاصة غير المادي منه، ليقوم باختيار تراث “الديوان” ويعبرّ عن ملامحه. وصمّم نور الدين لوحة قماشية على شكل زربية بمربعات تحمل أسماء تردد في قعدات الديوان مثل “سردوك”، “سحور”، “سخون”، “فسوخ”، “مسكون”، “ثقاف”، “عتروس كحل”، “مضروب”، “قناوة”، “مخطي” وغيرها، ووضع فوقها شموعا، وفي هذا يقول “يعتبر الديوان وجها من أوجه التراث غير المادي وكنت أرافق والدتي في طفولتي إلى حلقات الديوان التي كانت تقام بالقصبة وتعتمد على طقوس معينة تعود إلى عادات أسلافنا، كما كانت تتم بعفوية في فضاء يلتقي فيه الأشخاص ويرقصون ويصرخون ويغمى على البعض منهم، وهكذا أردت أن أعيد نفس المبدأ لكن بطريقة معاصرة وفرحة”. أما عن ولعه بالرموز والعلامات الأمازيغية، فكان ذلك منذ طفولته أيضا وشيئا فشيئا زاد تعلقه بها، خاصة حينما كان يزور أهله في المنطقة التي ينحدر منها “أزفون”، ويرى جمالها وهي تزيّن الأواني وأثاث البيت ليتغلغل أكثر في الثقافة الأمازيغية إلى درجة إصداره كتابا يضم خمسين رمزا أمازيغيا قام بوضع تعريفات شعرية لها. وفي هذا السياق، قال الفنان ل«المساء”، أنّه ممتن للمرأة التي حافظت على الرمز، وكذا على سريته، حيث عبرّت المرأة الأمازيغية عما يحيط بها برموز، ونفس الشيء عن حياتها الخاصة، ولهذا فالرمز يمكن أن تكون له دلالته الخاصة كما يمكن أن يحمل في طياته الكثير من السرية والغموض”، وهكذا رسم نور الدين الرمز وزاد عليه الألوان الساخنة والنقاط وبعض الملصقات مثل الخيشة ومرايا صغيرة رمز للمرأة، كما رسم في اللوحات الكثير من الأبواب التي قال عنها أنها فاتحة خير وان لكل ديوان باب يدخل منه محبوه، لتكون أعمال نور الدين مليئة بالرموز والألوان، التي يقول عنها أنها تمثل الحياة بكل جوانبها. ويعتمد نور الدين أيضا على المواد المسترجعة لصنع أعماله مثل لوحة غسيل الصابون، التي حوّلها إلى تحفة مزينة بالرموز البربرية ويطغى عليها اللون الأخضر، علاوة على وضع حلي قبائلية عليها، أما الخشبة التي توضع عليها الثلاجة فتحولت بدورها إلى تحفة فنية، كل خشبة فيها بلون مختلف ورموز معينة أيضا وجاء في آخرها حبل يمكن أن نضع عليه حاملة المفاتيح، بالإضافة إلى تحف أخرى متمثلة في الأحذية والصناديق وآلات موسيقية وكل ما يراه الفنان مناسبا لتحويله إلى عمل فني. غير بعيد عن لوحات نور الدين، تصل إلينا نغمات موسيقية من التراث الصحراوي الأصيل، “فيا ترى هل استضاف رواق عايدة فرقا موسيقية صحراوية تزيد من رونق الفضاء وتمزج بين الفن التشكيلي والموسيقى؟”، لا ليس الأمر كذلك، بل تنبثق هذه النغمات من بعض أعمال الفنان عبد الحق حفيان وعلى سبيل المثال، رسمة لعضوين من فرقة بوعلي من تيارت على بندير، وفي داخل البندير وضع جهازا الكترونيا يطلق مقطوعات موسيقية للفرقة، وهكذا حدث التزاوج بين الموسيقى والرسم. وفي هذا السياق، أشار عبد الرزاق ل«المساء”، إلى أنّ لكلّ عمل فني موسيقاه الخاصة. مضيفا أنّ الفن التشكيلي فن بصري صامت، أما الموسيقى فهي فن مسموع وغير مرئي، فأراد أن يجمع بين الفنين لتقوية الإحساس والخيال، أما عن انطلاقة هذه الفكرة فكانت في معرض بمرسيليا، حيث رسم الفنان بورتري لنساء منطقة القبائل وأولاد نايل على البندير ليواصل المسيرة في هذا المعرض عبد قيامه بأكثر من تجربة في هذا السياق حيث جرّب في بداية الامر جهاز “أم بي 3” في البندير إلا أن الصوت كان ضعيفا وبعد البحث توصل إلى تقنية جديدة تتمثل في نظام الكتروني يعمل ببطاقة ذاكرة وبطارية يمكن شحنها. وقال عبد الرزاق انه في العادة يختار موضوع الرسم قبل الموسيقى المصاحبة له، إلا انه يفكر في الإقدام على عكس هذه الخطوة وان يطور من تقنيته، كما عبر الفنان عن حبه للصحراء وبالضبط لمنطقة أسكرام من خلال عمل يضم رسم وجه امرأة ترقية على بندير قام بتغطيته ب«شاش ازرق” (لحاف يغطي الرأس) وفي جانبه وضع منحوتة لقافلة جمال، أما في عمل آخر فوضع لوحة بأسلوب يمزج بين التصويري والتجريدي وفي أسفلها الصق منحوتة خشبية تعبر عن رقصة الحرب للتوارق. وجاءت معظم أعمال عبد الرزاق مزيجا من عدة فنون وكلها تصب في موضوع الصحراء مسقط رأسه وإن جاءت بأساليب مختلفة، وفي هذا يقول “استعمل مواد عديدة في أعمالي كما اهتم بتكسير كل ما هو كلاسيكي واتباع ريتم جديد، أما عن حبي للصحراء فأنا من منطقة وادي سوف ومنبهر بكل ما هو جميل وبسيط أي بما تتميز به الصحراء”. كما كرّم الفنان من خلال معرضه، المرأة التي رسمها في أكثر من عمل واهتم أيضا بالحفاظ على التراث المحلي حيث وضع جزءا من ناي حقيقي ملتصق ببندير مرسوم عليه عازف الناي، كما وضع في عمل آخر قرقابو حقيقي، وفي هذا يقول “أنا أؤمن بمقولة مالك بن نبي الذي يقول لا بد على كل إنسان أن يحافظ على خصوصياته ويشارك عالمية الآخرين “ونحن في عام 2012 يجب أن نهتم بتراثنا ونتفتح على العالم في آن واحد”.