تشكل مسرحية “أبناء القصبة” للراحل عبد الحليم رايس، عملا إبداعيا متفردا، ووسم كاتبه بصاحب النظرية الواقعية الثورية في النصوص المسرحية، وهو أسلوب غير وارد في كل مسارح العالم، حتى وان كتب رايس المسرحية في ظروف استعجالية سنة 1958 وجسدها ممثلون من الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني. في إطار الاحتفال بالذكرى الخمسين لتأميم المسرح الوطني الجزائري، شرع فضاء “صدى الأقلام” في تنظيم لقاءات لقراءة نصوص مسرحية جزائرية معروفة، وقد استهل أول أمس بمسرحية “أبناء القصبة”، فباشر في قراءتها كل من الممثل كمال رويني والناقد إبراهيم نوال، والمسرحية التي عرضت لأول مرة في الجزائر المستقلة سنة 1963 بالمسرح الوطني الجزائري، أدت دورا حيويا في التعريف بالقضية الجزائرية، بالنظر إلى الوظائف التي اعتمد عليها الكاتب، الذي كان يدعونه بوعلام رايس، فقد اعتمد في نصه، الذي يروي قصة أسرة تختلف فيها المواقف والأدوار تجاه الثورة التحريرية، على الوظيفة المرجعية في إبراز أصل وثقافة الشعب الجزائري على أنه مسلم وواع ويعيش تحت وطأة الاحتلال الظالم، من خلال شخصية الأب حمدان والحوار الذي جمع بين الشخصيات، حسب ما كشفه إبراهيم نوال. وأضاف المتحدث أنه بالإضافة إلى الوظيفة المرجعية، اعتمد رايس على الوظيفة الاتصالية في رصد استعمال عائلة حمدان لوسائل الاتصال على غرار الجريدة والكتاب والراديو. وأشار نوال إلى وظيفة أخرى لا تقل أهمية عن الوظيفتين السابقتين وهي الوظيفة المعرفية، التي تمثلت في الكم الهائل من المعلومات وتسليط الضوء على الظروف السياسية والتاريخية التي عرفتها الثورة التحريرية، لاسيما على الصعيد الدولي. وفي هذا الشأن، أكد إبراهيم نوال أن الروسيين لم يصدقوا أن يكون مثل هذا النص المسرحي القوي لجزائري كتبها في تلك الظروف، وقال أن رايس بنفسه قد اعترف أنه كتبها في ظرف استعجالي، لكن هذه المفارقة شكلت صدمة للمشاهدين الروس الذين أعجبوا بالمسرحية، وقد بلغ عدد مشاهديها حوالي أربعة ملايين، على حد قول نوال، ومن خلال المسرحية تعرفوا على القضية الجزائرية عن كثب، وقد حملت المسرحية رسالة تضامن للشعوب المضطهدة والمتعاطفة مع القضايا العادلة. وأضاف المصدر أن عبد الحليم رايس يتسم بمرجعية جمالية في كتاباته وليس إيديولوجية فقط، وبأسلوب خاص به، وضع خطابا مسرحيا بأدوات شاعرية ودرامية انطلاقا من جزائريته. من جهته، قال الممثل كمال رويني بعد أن قرأ بعضا من مشاهد المسرحية على الحضور، أن المسرحية تتناول مواقف قد يقوم به أي جزائري وجزائرية تجاه الثورة التحريرية، وأن هذه المواقف والأدوار التي تتباين بين الإخوة رغم اختلافها وتناقضها، فإنها في الأخير تتفق على مبدأ مقاومة الاحتلال وضرورة دحضه بمختلف الوسائل.