كان المسرح، ولايزال إلى اليوم، يشكل إحدى أهم الوسائل التي تعرف بتاريخ الشعوب والدول، وهو الدور الذي لعبه المسرح الجزائري في التعريف بالثورة الجزائرية التي بلغ صداها أصقاع العالم. لكن هل ساهم المسرح الأجنبي في تشكيل هذه الصورة لدى الرأي العام العالمي انطلاقا من نقل حقيقة الثورة التحريرية وإبراز جرائم فرنسا المستعمرة. وفي هذا الإطار اقتربت ”الفجر” من مختصين في الفن الرابع فكانت إجابتهم.. يرى الكاتب مخلوف بوكروح، أن الأعمال المسرحية التي أنتجتها بعض الدول الأجنبية وبالخصوص البلدان الغربية حول الثورة التحريرية تبقى قليلة، وإن كانت فهي غير معروفة لأسباب كثيرة تبقى مجهولة أيضا، بالإضافة إلى عدم وجود أسماء لامعة كتبت عن الجزائر وعن ثورتها الكبيرة في مجال الفن الرابع، مضيفا أنه ”حسب علمي على الصعيد العربي ثمة عمل مسرحي كتبه الفنان المسرحي المصري عبد الرحمان الشرقاوي في ستينيات القرن الماضي احتفاء ببطلات الثورة التحريرية تحت عنوان ”مأساة جميلة” كواحدة ممن صنعن مجد التاريخ الجزائري، وهو العمل الذي عرض بالقاهرة وحول إلى فيلم سينمائي بعدها، كما قدم المسرحي الفرنسي مطلع الستينيات بباريس عملا وسمه ب”الواجهة” فضح فيه ممارسات الجيش الفرنسي في الجزائر والانتهاكات والتجاوزات التي طالت الشعب في مختلف النواحي، حيث تمكن هذا النص المسرحي من إثارة ضجة كبيرة في الوسط الثقافي الفرنسي وكذلك في أوساط الطبقة السياسية الحاكمة، ما أدى بالبعض إلى المطالبة بتوقيف عرضه نهائيا بقاعات العرض، لكن مع تدخل وزير الثقافة الفرنسي السابق أندري مالو لم يتم تطبيق هذا الإجراء بل استمر عرضه”. بالمقابل احتفت بالثورة الجزائرية وأبطالها ثلة من المعاهد والمدارس بمختلف دول العالم، خاصة تلك المساندة للحركات التحررية في النصوص والأعمال التي أنجزتها. المسرح الأجنبي ظلم الثورة ! من جهته يرى المسرحي وكاتب السيناريو، سمير مفتاح، أن الثورة التحريرية الجزائرية لم تنل حقها في المسارح العربية والأجنبية رغم ذيوع صيتها بأنها الثورة التي استطاعت طرد أكبر القوى الاستعمارية في تلك الفترة. ويرجع ذلك إلى للكتابات المسرحية التي قدمت في تلك الفترة كانت ذات بعد محلي وجلها باللهجة العامية، ما جعلها تنحصر في الاستهلاك المحلي، بالإضافة إلى الدور الكبير للإستعمار الفرنسي، وحتى بعد الاستقلال، الذي حاول طمس وغلق الأبواب تجاه الأعمال المسرحية التي كانت تعالج موضوع الثورة. ويضيف مفتاح في هذا الموضوع بالذات ”قد لا نتحدث عن الأعمال وإنما أيضا نتحدث عن الأسماء التي قدمت الكثير للمسرح الجزائري عامة والثورة التحريرية خاصة ككل، من محمد الثوري ومصطفى قزدرلي ومحمد بوديا ومحمد الطاهر فضلاء عبد الحليم رايس، مصطفى كاتب، رشيد قسنطيني، أحمد رضا حوحو، عبد الرحمان الجيلالي، كاتب ياسين، وولد عبد الرحمان كاكي وكذا عدة أسماء أخرى قدمت العديد من الأعمال، التي رغم اختلاف أشكالها الدرامية، إلا أن هدفها كان واحد ويصب في جله في التشبث بالهوية الوطنية ومكافحة الحرب التي كان يشنها الاستعمار الفرنسي ضده فكريا وعقائديا وأخلاقيا”، معتبرا أن هذه الأعمال لم تنل حقها وحتى المؤسسات المسرحية في الجزائر اليوم لم تعتمد على هذا التراث المقدس في الحفاظ على الذاكرة المسرحية بإعادة إنتاج هذه الأعمال. وحسب المتحدث فقد يأتي يوم وتفتح فيه الأبواب لجيل الاستقلال من المبدعين الذين هم أيضا يكتبون عن الثورة بهدف إعادة رسم تاريخنا من خلال المزج بين الذين عايشوا الثورة وكتبوا عنه من صميم الواقع والمعاناة وبين من آمنوا بهذه الثورة وتخيلوها في عدة كتابات لا زالت حبيسة أدراج أصحابها. الدول الاشتراكية أسمعت ثورتنا التحريرية من خلال رحكها يعتقد الكاتب المسرحي، جمال قرمي، أن الحديث عن الثورة التحريرية في المسارح الأجنبية على اختلافها، غربية أوإفريقية أوحتى عربية، يقودنا في البداية إلى الكلام عن جبهة التحرير الوطني التي لعبت دورا كبير في التعريف بالقضية الجزائرية والنضال الثوري في العالم بعديد الطرق سواء السياسية، الثورية أو الدينية، معتبرا المواضيع التي كانت في أجندة الجبهة تعالج في مضمونها هدفا واحدا يتعلق بتحقيق الاستقلال وإبراز جرائم المستعمر الفرنسي الغاشم الذي سلب الحقوق ونهب الثروات الجزائرية، وغيرها من الأفعال الشنيعة التي ارتكبها طيلة سنوات الثورة. وينوه في ذات الصدد أن الجبهة عملت على إسماع صوت الجزائر إلى الخارج من خلال المسرح، حيث تمكنت وفي ظرف وجيز من بلوغ هذا الهدف بالتعاون مع بعض الدول الاشتراكية على غرار الصين وروسيا، أين تم عرض مجموعة من المسرحيات التي تناول جرائم الاستعمار الفرنسي بكل من الصين، وإيطاليا، كوبا، بالإضافة إلى بعض الدول العربية كتونس وغيرها، دون أن ينفي كثرة الأعمال الجزائرية التي كانت تصب في هذا الباب، على غرار مسرحية ”دعم الأحرار” لعبد الحليم رايس، ونصوص مسرحية أخرى منها ”أبناء القصبة” و”أبناء الصحراء”. على صعيد آخر يؤكد قرمي على وجود بعض المهتمين بالثورة التحريرية في أعمالهم من الأجانب، لاسيما الفرنسيين الذين قدموا شهادات مضادة لبلادهم تدعم الثورة وتدعو إلى استقلال الجزائر عبر ثلة من الأعمال التي عرضت بالمسارح الفرنسية، وتتقدمها المسرحية التي كتبها وأخرجها الفرنسي ”جون انوي” والتي تحمل عنوان ”الستائر”، وهو العمل الذي أثار ضجة كبيرة عبر صفحات جريدة ”لوموند” وجدلا واسعا في البرلمان الفرنسي الذي طالب بتوقيف عرضه فوريا آنذاك، لأنه بكل بساطة يصور مشاهد الجريمة والمجازر المرتكبة في حق الشعب الجزائري بصورة تحمل في فحواها من الجانب الأخر كل قيم المساندة والدعم لحرب التحرير قادة وشعبا، إلى جانب مسرحية ”النافذة” التي عرضت بركح وهران الجهوي سنة 2008، لكاتبها روبلاز الذي عاش بنفس المدينة، حيث تحدث عبر أطوارها عن شخصية قدمت يد العون للجزائريين إبان أحداث الثورة مع إبراز صور المعاناة والظلم الذي عانت منه الجزائر. المسرح الغربي زيف الثورة بالمقابل تعتبر المخرجة المسرحية، فضيلة عسوس، أن المسرح الأجنبي، خاصة الغربي والأوروبي، حتى وإن قدم عروضا مسرحية فإنها لن تقوم بنقل الحقيقة كما هي بل يشوبها التزوير والتزييف، على عكس الأعمال الجزائرية التي تعالج الموضوع بشكل جدي ودقيق يبرز المعاناة الحقيقية للجزائريين. وحسب فضيلة هو العمل التي انتهجته الحركة المسرحية الجزائرية بقيادة الراحل كاتب ياسين من خلال تمثيلها للجزائر في مختلف دول العالم عبر جملة من المسرحيات، منها ”عائشة لافريك”،”عائشة الفلسطينية”. وتضيف..”إلى جانب التزييف الذي يعتمده المسرح الغربي تلجأ الحصص التلفزيونية بهذه البلدان إلى طرح نقاش حول القضية الجزائرية بنوع من النفاق والغش، ناهيك عن الاستهتار والمزح مع محاولة جلية لتقليص دور الثورة الجزائرية في إخراج المستعمر وكذا تقزيم حجمها الذي وصل صداه العالمية”.