اقترح الاتحاد الأوروبي، أمس، تنظيم ندوة دولية حول مالي في الخامس من الشهر القادم لبحث الأوضاع العسكرية هناك في محاولة منه لدعم فرنسا في مغامرتها العسكرية في هذا البلد. ويشارك في هذه الندوة إضافة إلى الاتحاد الأوروبي كل من الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي ومنظمة دول غرب إفريقيا “إيكواس”. وقال ميكائيل مان الناطق باسم وزيرة الخارجية الأوروبية كاترين اشتون في العاصمة البلجيكية، أمس، إن الاجتماع الوزاري الخاص بمجموعة الدعم الدولي لمالي مهمته متابعة تطورات الأوضاع في هذا البلد والتحرك للحصول على دعم إضافي لعملية التدخل العسكري الفرنسي في مالي. ويبدو أن الدول الأوروبية أرادت من خلال الدعوة إلى عقد هذه الندوة أن تكفر عن ذنبها بعدم قيامها بالجهد اللازم الذي كانت تنتظره فرنسا منها بعد أن التزمت فقط بإرسال مدربين عسكريين إلى مالي ضمن خطة لتأهيل قوات الجيش المالي تمهيدا لتمكينها من استعادة السيطرة على شمال البلاد التي وقعت بين أيدي التنظيمات الإرهابية منذ مارس العام الماضي. يذكر أن باريس خاب ظنها في حلفائها الأوروبيين الذين التزموا فقط بتقديم دعم لوجيستي لها في عملية التدخل العسكري رغم إلحاحها ومحاولاتها إقناعهم بالوقوف إلى جانبها بقوات برية. وقد اقتنعت أحزاب المعارضة الفرنسية أن مثل هذه المواقف أدت إلى تكريس عزلة فرنسا دوليا مما جعلها لا تخفي قلقها من هذه الوضعية التي إن هي طالت ستؤدي إلى زعزعة الإجماع “الفرنسي-الفرنسي” في الوقت الراهن حول قرار التدخل العسكري في مالي الذي دخل يومه الحادي عشر. وقال جون فرانسوا كوبي، رئيس حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية أحد أكبر أحزاب المعارضة اليمينية أن عزلة فرنسا على الساحة الدولية أصبحت تشكل معضلة كبرى وقضية مركزية يجب التعاطي معها. وأعاب كوبي الذي خلف نيكولا ساركوزي على رأس هذا الحزب تسرع الرئيس فرانسوا هولاند في اتخاذ قراره وكان يتعين تنظيم ندوة دولية أو القيام بجولة عالمية لشرح الموقف الفرنسي قبل اتخاذ قرار بأهمية التدخل في مالي. وذهب كوبي إلى أبعد من ذلك عندما شكك في حقيقة التدخل وقال متسائلا “هل فعلا أن الهدف النهائي منه يبقى محاربة الإرهاب الدولي، وهل ضمن هولاند حظوظ نجاح مهمة القوات الفرنسية في توحيد دولة مالي”. وهي القناعة التي دافع عنها هيرفي موران، وزير الدفاع في عهد الرئيس ساركوزي، الذي تأسف -من جهته- لعدم قيام الرئيس هولاند بجولة أوروبية أو إفريقية والتي كان بإمكانها أن تعطي للعملية العسكرية الفرنسية بعدا ودعما دوليا أكبر. وأكد ألان جوبي، وزير الخارجية الفرنسي الأسبق، على هشاشة العملية العسكرية وخطرها الكبير على سلامة القوات الفرنسية التي تم إقحامها هناك. ويبدو أن الإجماع الذي حظيت به عملية “سيرفال” الفرنسية في مالي بدأ يتزعزع بعد أن أكدت كل المعطيات أن فرنسا لم تستعد جيدا لعملية بهذا الحجم والخطورة وأنها ربما تكون قد تسرعت في اتخاذ قرار بمثل هذه الأهمية وهو ما يجعلها تقع في مأزق أمني يصعب عليها الخروج منه وتجارب دول كبرى مثلها مازالت ماثلة للعيان. وإذا كانت مسألة الدعم الأوروبي والأمريكي ممكنا للجهد العسكري الفرنسي فإن الدول الإفريقية ليس لها ما تقدمه ماعدا قوات عسكرية غير قادرة على إتمام مهمة صعبة وخطيرة نظرا لعدم جاهزيتها وقدرتها على مضاهاة مقاتلي تنظيمات متمرسة على حرب العصابات وتدرك جيدا أهدافها. والأكثر من ذلك فإن الدول الإفريقية التي راهنت عليها فرنسا لتخفيف العبء عليها راحت هي نفسها تطالب بدعم مالي لا يقل عن 500 مليون دولار، مما يعني أن المبلغ مرشح للارتفاع إذا أخذنا بمضمون تصريحات رئيس لجنة “الإيكواس” قادري ويدراغو، الذي قال إن المبلغ قد يتغير منحاه نحو الأعلى وفق الحاجيات التي تمليها معطيات المواجهة العسكرية المفتوحة بعد أن كان قد حدد المبلغ بحوالي 267 مليون دولار. وفي انتظار حصول الدول الإفريقية على هذا المبلغ الضخم، تمكنت القوات الفرنسية، أمس، من بسط سيطرتها على مدينة ديابالي (400 كلم شمال-شرق العاصمة باماكو) خمسة أيام منذ استيلاء عناصر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عليها. وتضاف هذه المدينة إلى مدن نيونو وسيفاري وماكالا التي أمنتها القوات الفرنسية في طريق تقدمها نحو ولايات الشمال التي قصفتها، أول أمس، ضمن عمليات استباقية لزعزعة مقاتلي التنظيمات الإرهابية وتشتيت قواتها قبل معركة الحسم القادمة.