تأكد الرئيس الفرنسي أن الحسابات التي وضعها بخصوص التدخل العسكري في مالي تستدعي إعادة نظر جذرية جعلته يعمد إلى قرار مفاجئ لإرسال 2500 عسكري لإنجاح عملية "سيرفال" التي اعتقد في البداية أنها ظرفية وحسمها لن يدوم سوى أيام معدودة. وقد اضطر الرئيس فرانسوا هولاند ووزير دفاعه جون ايف لو دريان بمجرد تأكدهما أن إخراج مقاتلي التنظيمات الإرهابية من مدينة كونا لن يكون بالضرورة نهاية عملية وإنما فتيلا لمواجهات أخرى تخرج عن إطار الحرب الكلاسيكية إلى حرب عصابات العارف بتضاريس الأرض سيكون المتحكم في زمامها. ويبدو أن التنظيمات الإرهابية تكيفت مع المستجدات المفروضة عليها بعد النكسة التي تعرضت لها في مدينة غاو بمقتل ستين من مقاتليها بفعل عنصر المفاجأة وراحت توزع وحداتها في مجموعات محدودة العدد وبكيفية يصعب معها تحديد مواقعها. وهو الأمر الذي جعل باريس تتأكد أن الوحدة الطلائعية الأولى التي أرسلتها ليلة الجمعة إلى السبت الماضيين لن تكون كافية لصد أية عمليات عسكرية ضدها، مما استدعى تعزيزها في مرحلة أولى ب 700 عسكري على أن يتم رفع ذلك التعداد إلى 2500 عسكري وربما إلى أكثر من ذلك على اعتبار أن ذلك يبقى رهين المستجدات التي يفرضها واقع عملية التدخل وأهدافها. وحدد الرئيس الفرنسي، أمس، هذه الأهداف في ثلاثة عناصر هي وقف الاعتداء الإرهابي، تأمين العاصمة باماكو وضمان وحدة التراب المالي. وهي كلها أهداف تجعل تحديد مدة التدخل صعبا وقد كانت سيطرة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي على مدينة ديابالي على الحدود الموريتانية، أول أمس، بمثابة إنذار لفرنسا التي رأت أنها تقوض كل حظ لنجاح عملية "سيرفال" التي أرادها الرئيس هولاند أن تكون بداية لاستعادة المجد العسكري الفرنسي في الخارج تماما كما فعل سابقه نيكولا ساركوزي في ليبيا. وإلى حد الآن لم تتضح حقيقة الموقف العسكري في هذه المدينة وما إذا تمكنت القوات الفرنسية من إرغام مقاتلي التنظيم الإرهابي على الانسحاب منها أم أنها مازالت تحت قبضتها. وهي المعطيات التي جعلت فرنسا تصاب بخيبة أمل حادة بعد ان وجدت نفسها وحيدة في مواجهة عدو مشترك لكل أوروبا وفي وقت تقاطعت فيه مواقف مختلف الدول الأوروبية بالقول إنها ستكتفي بتقديم دعم لوجيستي وطبي للقوات الفرنسية. ولم يستطع آلان فيداليس وزير العلاقات مع البرلمان الفرنسي كتم غيضه وانتقد ما أسماه "التجند المحدود" والغياب المؤسف له لأوروبا في مالي دون أن يخفي أمله في أن تتغير المواقف لاحقا. ورهنت الالتزامات التي أبدتها العواصم الأوروبية أية مفاجأة قد يخرج بها اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الذي سبق لوزيرة خارجية الاتحاد، كاترين اشتون، وأن أكدت على عقده هذا الأسبوع للخروج بموقف موحد تجاه ما يجري في مالي. وهي خيبة مزدوجة لفرنسا لقناعتها المسبقة بأن القوات الإفريقية التي وعدت دول غرب إفريقيا بإرسالها خلال الساعات القادمة غير مؤهلة للاضطلاع بمهمة خوض حرب مفتوحة وهي التي اعتادت فقط على القيام بعمليات حفظ سلام في مختلف الدول الإفريقية التي عرفت أزمات سياسية وتوترات متلاحقة بينما المعركة في مالي هي أقرب منها إلى حرب عصابات، عنصر الحسم فيها يبقى السرعة ودقة التنفيذ وعنصر المفاجأة والخديعة الحربية. ولأن القوات الإفريقية تفتقد لمثل هذه التدريبات فإن فرنسا تخشى أن تتحول هذه القوات إلى عبء إضافي عليها بدلا من أن تكون سندا لها في حرب انعكاساتها السلبية ستضعها أمام فوهة بركان حقيقي بمجاهل كثيرة. وقد تابعت باريس عن كثب مجريات الاجتماع الطارئ لقادة هيئات أركان جيوش الدول الخمسة عشر لمنظمة "الإيكواس" المجتمعين منذ أمس بالعاصمة باماكو للبت في خطة التدخل والجهد العسكري الذي يتعين على كل دولة المساهمة به "لتحرير شمال مالي" رغم الاتفاق المبدئي بينها والقاضي بإرسال 3300 عسكري إلى هذه الدولة. وهو ما يؤكد أن هذه الدول حتى وإن التزمت بإرسال وحدات عنها إلى مالي فإنها لا تعرف ما تخفيه الأيام القادمة لها تماما كما هو الحال بالنسبة لدول مجلس الأمن الدولي الأربعة عشر التي أيدت وعبرت عن دعمها لفرنسا، لكنها لا تدري ما يجب القيام به في موقف غامض لخصه الأمين العام الأممي بان كي مون بإصدار دعوة للإبقاء على الحوار السياسي قائما. وهي دعوة أصبحت في حكم الماضي ولم تعد صالحة منذ الجمعة الأخير بمجرد إطلاق أول رصاصة في تدخل لا يبدو أنه سينتهي إلى طاولة المفاوضات تماما كما هو الأمر بالنسبة لدعوة منظمة التعاون الإسلامي التي طالبت بوقف فوري للاقتتال والعودة إلى المفاوضات بين باماكو وأنصار الدين.