يحتضن مركز التسلية العلمية معرضا خاصا ب”فن الاسترجاع”، قدم فيه فنانون من أجيال مختلفة تجاربهم الفنية ورؤاهم وتصوراتهم لبعض قضايا الراهن... يحمل هذا المعرض الجماعي عنوان “ريكوب آر 2” ويطرح أهمية استرجاع المواد الصناعية خاصة قصد إنجاز لوحات فنية وأدوات رائجة ومتداولة في الثقافة الإفريقية وفي الفن المعاصر. ترجع أصول هذا الفن الذي انتشر بسرعة في العالم، إلى القارة الإفريقية، إذ دفعت الحاجة وقلة الوسائل الى استغلال بقايا أغراض مستعملة، هذا الأسلوب الذي ألهم فنانين مثل الإسباني بابلو بيكاسو الذي يعد أحد المبادرين بهذه التقنية في الفن المعاصر. إن اللجوء الى هذا الأسلوب الفني المعاصر ساهم في التحسيس بقضايا المجتمع والإنسانية. يشارك في هذا المعرض الذي تدوم فعالياته الى غاية 7 فيفري الجاري، كل من بوزيدي عمر، بديدي بدر الدين، مزاحم محمد، كوردوغلي أحلام، قمرود مجيد، ماسان محمد، بايو فايزة، حموش ليليا، أجيري يزيد، شافع فاطمة ونور الدين شقران. يتضمن المعرض ثلاثة أساليب فنية إذ توجد به “اللوحات” و"المنحوتات” و«التركيب”، كما يضم المعرض أجيالا مختلفة ابتداء من الفنانين شقران وماسان من جيل،الستينيات. للإشارة، فإن المعرض الأول “ريكوب آر 1” نظم سنة 2011 ولقي إقبالا من الجمهور. في حديثه ل ”المساء”، أشار الفنان مجيد قمرود الى أن هذا الفن يعني إعادة استعمال أدوات المدينة (كراسي، اسلاك كهربائية، بارابول، وأوان...)، أي كل ما ترميه المدينة يتم استغلاله فنيا، علما أن بعض الفنانين اختصوا في هذا المجال، أما آخرون فقد قدموا مساهماتهم فيه فقط من أجل المشاركة في المعرض. من جهة أخرى، أكد قمرود على ضرورة أن يكون الفنان في القرن ال 21 فنانا شاملا يتعاطى كل الأساليب والمدارس الفنية، من رسم تشكيلي الى التصوير (فيديو، صور) إلى التركيب وغيرها. أما المضمون فلكل حريته وهدفه، علما أن لكل فنان شخصيته وانتماءه وأسلوبه الفني الذي يظهر أكثر في التركيب الجمالي من أبعاد وألوان ومساحات. يسمح هذا المعرض للجمهور باكتشاف عالم فن الاسترجاع، كما يتيح المعرض للجمهور حرية قراءة ما يقدم من أعمال ويثير عنده التساؤل أكثر من العاطفة، إذ أن الفن الكلاسيكي التشكيلي غالبا ما كان يثير العاطفة أكثر من التفكير والتساؤل، كما حرص الفنانون على تقديم أعمالهم بدون عناوين للسماح للجمهور بقراءة أعمالهم دون توجيه مسبق. من بين ما تم عرضه لوحة للفنان بوزيدي أنجزها من أوراق أشجار بعثرت فجمعها وانجز بها لوحة تنبض بالحياة، إذ قدم الأوراق في أسلوب جمالي راق ورسم فوقها مدينة القصبة. الفنانة بايو استغلت صورا أرشيفية وأعادت تركيبها وأعطتها لمسة فنية متميزة،. أما الفنانان مزاحم وبديدي فاهتما بالحيوانات والمنتجات الصناعية وقدماهما في قالب تجريدي وأحيانا تصويري. بالنسبة لاجري وقمرود، اعتمدا على النحت على شكل بناء ينطلق من الأساس نحو الأعلى وهو بمثابة رؤية فلسفية عن هذا الإنجاز، يقول قمرود “في هذا الإنجاز لا مجال للصدفة والارتجال فكل شيء مدروس وينطلق ب3 أبعاد، فمثلا عند تصور هذا المجسم فوتوغرافيا يظهر وكأنه لوحة فنية قائمة بحد ذاتها”. في سياق حديثه عن المعرض، توقف الفنان قمرود عند التحديات والرهانات التي تواجه الفنان الجزائري، مؤكدا على ضرورة أن يكون الفنان الجزائري في المستوى وقادرا على مجاراة هذه التحولات الكبرى سواء الفنية او الاجتماعية، مشيرا الى ان التمسك بالشخصية الثقافية الجزائرية هو المانع الأول من أي غزو فكري او ثقافي، وبها نواجه أعتى فطاحلة الفن في العالم، إذ أن كل بلد انطلق في نهضته الثقافية من هويته الوطنية. قمرود متفائل بمستقبل هذا الفن في بلادنا ويحث الفنانين، خاصة الشباب منهم، على المثابرة وتجنب التسرع للوصول الى الشهرة أو الربح، فحتى الأجانب -كما يضيف- لا يصلون بسرعة ويقضون سنوات لإثبات وجودهم، كما أن الجزائر ربما فاقت دولا عديدة منها المتقدمة في تشجيع الشباب وفتح فضاءات العرض لهم. واستغل قمرود المعرض ليتحدث عن أهمية الثقافة الجوارية التي تجسدها مؤسسة فنون وثقافة قدر المستطاع، فمن خلال هذه الثقافة ينتشر الفن ويقترب أكثر من الجمهور وتتم مناقشة مختلف قضايا الثقافة والمجتمع، فمثلا -كما يشير الفنان- هذا المعرض يناقش ظاهرة التلوث والنفايات الصناعية، التي يجب إعادة استغلالها فنيا وصناعيا. وتمنى قمرود أن يعزز هذا المعرض، خاصة من حيث التقنيات، كالإضاءة مثلا، إذ لها أهمية كبرى في عرض المنحوتات، لكن الأمر يتطلب إمكانيات ربما توفر مستقبلا.