اعتبر السيد عبد العزيز بلخادم تنحيته من على رأس حزب "جبهة التحرير الوطني" عن طريق الصندوق، انتصارا له لأنه استطاع أن يكرس الممارسة الديمقراطية داخل الحزب، وأكد في تصريحه عقب انتهاء أشغال الجلسة الأولى للدورة السادسة للجنة المركزية للحزب التي أفضت إلى إعلان سحب الثقة منه كأمين عام للحزب ب 160 صوتا مقابل 156 صوتا، بأنه يخرج من مهامه "مرفوع الرأس، لأن الأفلان حقق في عهدي العديد من الانتصارات ومنها الانتصار في الانتخابات التشريعية والمحلية الأخيرة". وبدا السيد بلخادم مصمما على مواصلة مهمته كمسؤول أول عن الحزب إلى غاية تسليم الأمانة العامة إلى خليفته، عندما عاد في الجلسة المسائية التي أعقبت عملية سحب الثقة منه بفندق الرياض (سيدي فرج)، مقررا مواصلة أشغال الدورة طبقا لجدول الأعمال الذي كان قد ضبطه لهذه الدورة، والذي كان يقتضي في حال سحب الثقة من الأمين العام الإعلان عن شغور هذا المنصب من قبل المحضر القضائي، ثم فتح باب الترشيحات والقيام بانتخاب الأمين العام الجديد الذي يحق له بعدها التصرف في تسيير فعاليات الدورة أو تأجيلها، غير أن بلخادم اصطدم بمعارضة شديدة من قبل خصومه الذين اعترضوا على مقترحه معتبرين أن بلخادم لم تعد له أية كلمة لفرض سير أعمال الدورة بعد أن تم سحب الثقة منه، متمسكين -من جهتهم- بقرار الإبقاء على الدورة السادسة للجنة المركزية مفتوحة إلى حين جمع الترشيحات لمنصب الأمين العام من قبل المكتب المؤقت لإدارة الدورة المفتوحة والذي يعود له قرار تحديد تاريخ استئناف الأشغال. وقد استمرت حالة التوتر بين معارضي بلخادم ومؤيديه الذين أصروا على مواصلة أشغال الدورة أمس دون تسجيل تنازل من أي طرف، لا سيما بعد أن أبان الصندوق بأن الفارق بين الطرفين لم يتحدد سوى بأربعة أصوات فقط، "الأمر الذي يعطي الحق للجميع، حسب بعض مؤيدي السيد بلخادم، للتدخل لإنهاء هذه المرحلة المصيرية التي يمر بها الحزب". وقد أحيطت أشغال الدورة السادسة للجنة المركزية للأفلان بإجراءات أمنية مشددة، قادتها مصالح الدرك الوطني التي نشرت وحدات التدخل السريع بمحيط فندق الرياض بالعاصمة، رافضة الترخيص لأي كان بالدخول إلى الفندق دون حمل شارة المشاركة في هذه الدورة، فيما تكفل أفراد متخصصون في الأمن بضمان السير العادي وتنظيم أشغال الدورة داخل الفندق، مع التدخل من الحين لآخر لفرض النظام العام ومنع حدوث أي مشادات بين المؤيدين والمعارضين لبلخادم. هذا الأخير الذي وصل إلى فندق الرياض على الساعة التاسعة والنصف صباحا ودخل إلى القاعة في منتصف النهار، بقي جالسا على كرسيه فوق المنصة لأكثر من أربع ساعات قضتها عملية التصويت وإعلان النتائج، ولم يتحرك سوى لأداء حقه في التصويت وقد كان أول واحد يفتتح العملية التي تمت بإشراف مكتب تسيير العملية مكون من السادة الطاهر خاوة، أحمد بوحنوفة، أحمد شاكر ومصطفى بوعلاق، وبمعاينة مباشرة من محضرين قضائيين. وعلى الساعة الثالثة والنصف تم إعلان نهاية التصويت الذي تضمن وضع علامة على إحدى الخانتين المحددة لرغبة المصوت في تجديد الثقة في الأمين العام أو سحب الثقة منه، وثبتت المحضرة القضائية في البداية عدد المصوتين الذي قدر ب 323 مصوتا من أصل 330 عضوا في اللجنة المركزية، فيما انتهت عملية الفرز عن تأكيد تصويت 160 عضوا لقرار سحب الثقة من السيد بلخادم مقابل 156 عضوا أيدوا بقاءه باختيار قرار تجديد الثقة، في حين تم إلغاء 7 أوراق تضمنت أخطاء تنظيمية. ووسط التصفيقات والهتافات التي صاحبت إعلان سحب الثقة من الأمين العام، تدخل هذا الأخير وبلغة المنهزم الصامد ليعلن مباركته لحزب جبهة التحرير الوطني على تكريسه للديمقراطية، قائلا "لقد انتصر حزب جبهة التحرير الوطني بالديمقراطية، وأنا أوافق هذه الديمقراطية التي ينبغي أن نرسخها في تعاملاتنا داخل الحزب، وأتمنى أن يكون الذي يخلفني أفضل مني"، واعتبر السيد بلخادم في تصريح للصحافة خارج القاعة بأنه باختيار الفصل بالصندوق، فهو يخرج من قيادة الأفلان مرفوع الرأس، مؤكدا أن الحزب حقق في عهده العديد من الانتصارات ومنها الانتخابات التشريعية والانتخابات المحلية التي جرت في 2012.
إجماع على انتصار الديمقراطية واختلاف حول استمرار تسيير الدورة ساهم الإحكام في التنظيم الأمني لسير أشغال الدورة السادسة للجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني بشكل كبير في التقليل من حدة الصراع بين أعضاء هذه الهيئة من مؤيدي ومعارضي الأمين العام المسحوبة منه الثقة، حيث مرت أطوار الجلسة الرئيسية من الدورة دون تسجيل أحداث عنيفة على شاكلة تلك التي شهدتها دورة جوان الماضي بنفس المكان، وبخلاف الأربعة أصوات التي صنعت الفارق وحسمت مصير بلخادم على رأس الحزب وما صاحبها من زغاريد وتصفيقات وهتافات، ومعها رفع بعض المناضلين يدي عبد الرزاق بوحارة في إشارة إلى ترشيحه لاعتلاء المنصب بعد بلخادم، فقد التقت غالبية التصريحات التي أعقبت عملية سحب الثقة من بلخادم، عند تثمين العملية الديمقراطية التي تمت خلال الدورة وقبول جميع الأطراف بنتائجها، معتبرين أن المهمة التي ينبغي على الحزب القيام بها الآن هي إعادة جمع شمل أعضائه. ففي هذا الإطار، أكد عضو اللجنة المركزية ووزير العلاقات بين الحكومة والبرلمان السيد محمود خذري أن عملية التصويت التي جرت في أجواء هادئة وبروح مسؤولية عالية، كرست بأسلوب رفيع الممارسة الديمقراطية، مذكرا بأنه مهما كانت الآراء المعبر عنها أثناء عملية التصويت سواء بتجديد الثقة أو بسحبها، فهي تبقى في النهاية أصوات مناضلي الحزب الواحد الذي ينبغي إعادة جمع شمله بعد التمزق والانقسام الذي كان داخل صفوفه. أما السيد موسى بن حمادي، وزير البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال، فقد اعتبر النتيجة التى خرجت بها عملية التصويت مثالا حيا عن الديمقراطية التي تمارس داخل الأفلان، والتي يمكن -حسبه- لكل التشكيلات السياسية أن تستفيد منها، ودعا -بالمناسبة- إلى التركيز على إعادة لم شمل كل مناضلي الحزب والسهر على اختيار رجل الإجماع، فيما أكد السيد عبد القادر مساهل عضو اللجنة المركزية والوزير المنتدب المكلف بالشؤون المغاربية والإفريقية أن عملية التصويت ميزتها ممارسة الديمقراطية حقيقية، مشيرا إلى أن هذه العملية ستسمح للحزب بالانتقال إلى مراحل جديدة تشمل تقوية وحدة صفوفه. من جانبه، أعرب السيناتور صالح قوجيل، الذي كان أحد أبرز من قادوا الحركة التقويمية ضد بلخادم، عن شعوره بالاعتزاز والفخر للظروف الديمقراطية التي عمت عملية التصويت، ودعا مناضلي الأفلان إلى العمل من أجل تحقيق المصالحة بين أبناء الحزب ولم شمل صفوفه مؤكدا أن الأفلان هو ملك لكل مناضليه. وإذا كانت الطريقة الديمقراطية التي أطيح بها بلخادم من على رأس الأمانة العامة للحزب قد أقنعت الجميع بما فيهم بلخادم نفسه الذي اختار هذه الطريقة، لإنهاء الصراع الداخلي الذي طال أمده في حزب الأفلان، فإن مرحلة ما بعد الإطاحة بالأمين العام بدت أكثر تعقيدا من عملية الإطاحة به، حيث لم يتوصل المتخاصمون أمس إلى اتفاق حول طريقة تسيير ما تبقى من أشغال الدورة السادسة، وانتخاب خليفة بلخادم، وذلك بسبب تشبث كل طرف برأيه في المسألة. ففي الوقت الذي طلب فيه بلخادم مواصلة أشغال الدورة طبقا لما هو محدد في جدول الأعمال المبدئي للدورة، مقترحا تخصيص يوم أمس لانتخاب أمين عام جديد أو تشكيل لجنة ترشيحات تكون مكونة من 12 عضوا 6 أعضاء مؤيدون له و6 معارضون، فضل معارضوه التوقف عند مرحلة سحب الثقة، وترك الدورة مفتوحة تتيح المجال لإجراء المشاورات اللازمة من أجل الاتفاق على الأسماء المرشحة لتولي منصب الأمين العام، مع إعلانهم تنصيبهم مكتبا مؤقتا يضم 8 أعضاء يتولى تحضير عملية جمع الترشيحات وضبط تاريخ إجراء انتخاب الأمين العام. ورفض معارضوا بلخادم، أمس، الدخول إلى القاعة في الجلسة الصباحية وقرروا الاجتماع بعد صلاة الجمعة للفصل في مسألة حضور أو مقاطعة الجلسة المسائية للدورة، وكان السيد عبد الكريم عبادة، منسق الحركة التقويمية قد أشار قبل ذلك إلى أنه بعد إسقاط بلخادم من على رأس الحزب فإن الجلسات تصبح مرفوعة والدورة تبقى مفتوحة، لتمكين أعضاء اللجنة المركزية من انتخاب أمين عام جديد في جو يسوده الهدوء والاستقرار وبعد استشارة جميع الأطراف، نافيا أن يكون للجناح المعارض لبلخادم في الوقت الحالي أي اسم مرشح للأمانة العامة للحزب.
بلخادم يعتبر أنه من حق كل عضو في اللجنة المركزية الترشح وفي خضم اشتداد الخلاف بينه وبين معارضيه، أكد بلخادم الذي أصر على استئناف أشغال الدورة، مساء أمس، أن كل عضو في اللجنة المركزية له الحق في الترشح للأمانة العامة للحزب، مشيرا في تصريح للصحافة إلى أنه لم يعلن بعد عن شيء فيما يخص ترشحه أو عدم ترشحه للأمانة العامة وأنه يرفض ترك الحزب في أزمة على بياض. واعتبر المتحدث ما يجمع خصومه في الحزب "هو ذهاب بلخادم والإطاحة به فقط، ولا شيء بعد ذلك"، مؤكدا في سياق متصل أنه "في المسؤوليات هناك من يصعد وينزل ثم يصعد مجددا" في إشارة إلى إمكانية عودته من جديد لرئاسة الحزب.