شهدت بعض أحياء العاصمة في الآونة الأخيرة، انتشار نوع جديد من الأنشطة التجارية، والمتمثل في تجارة الشاي التي أصبح لها، أخيرا، محلات خاصة بها تؤمن لمحبي هذا المشروب التمتع بطعم الشاي السحري مرفوقا بالمكسرات ومختلف أنواع الحلويات، والملفت للانتباه أن المشرفين على إدارة هذه المحلات شباب من الجنوب الجزائري، قرروا الاستثمار في هذا النشاط بعد وقوفهم على الإقبال الكبير عليه من قبل كل فئات المجتمع. بدأت ”المساء” جولتها الاستطلاعية لبحث الأسباب والدوافع التي غدت هذا النشاط التجاري، بعدما ألف المواطنون شرب الشاي في المقاهي والمطاعم أو من أيدي الباعة المتجولين الذين تراجع عددهم في الآونة الأخيرة، بسبب صعوبة ممارسة هذا النشاط خلال الجو البارد والممطر. وكانت البداية مع محل شاي الرمال الذهبية بنواحي بوزريعة، عندما دخلنا المحل، تبادر إلى أذهاننا للوهلة الأولى أننا في خيمة، لأن صاحب المحل أبدع في تجميل محله ببعض المشغولات التقليدية التي تعكس تراث المنطقة التي ينتمي إليها، كان المحل يبدو ضيقا، إلا أنه يحوي بداخله كل ما يخطر على بال الراغب في شرب الشاي وما يرافقه، حيث صفت أباريق الشاي إلى بعضها البعض لتؤمن للزبون التمتع بشرب كوب دافء، وإلى جوارها عُبّئت رفوف المحل بكل أنواع الشاي التي تباع في الأسواق، أما واجهة المحل، فتزينت بمختلف أنواع الحلويات التي توافق الشاي، على غرار قلب اللوز، القريوش، الصامصة وبعض الحلويات التركية والشامية والمكسرات بمختلف أنواعها. اقتربنا من صاحب المحل، مصطفى لحسن، القادم من تيميمون، الذي كان منهمكا في تقديم الشاي على الطريقة التيميمونية للزبائن، وحدثنا عن نشاطه قائلا: ”في الحقيقة، أنا شاب بطال لم تتح لي فرصة العمل في مجال تخصصي بالإعلام الآلي، وحدث أن زرت ابن عمي بضواحي اسطاوالي، الذي كان يملك محلا لبيع الشاي، وبعد وقوفي على الإقبال الكبير للمواطنين على الشاي طيلة اليوم، سرعان ما تبادر إلى ذهني القيام بمشروع مماثل، خاصة وأنني بارع في تحضيره، ومن هنا كانت الانطلاقة، حيث أشركت أخي في المشروع وتحولت من شاب بطال إلى صاحب محل يلقى إقبالا كبيرا منذ الدقائق الأولى من فتح المحل وإلى غاية غلقه. وحول الإطالة المميزة لمحله، قال؛ ”ابن مدينة تيميمون رغبت في الترويج لتراث منطقتي، فزينت محلي ببعض الزرابي التي تعكس بعض الحرف التقليدية المنتشرة في منطقتنا، حتى يشعر الزبون أنه في قلب الجنوب الجزائري عند تناوله للشاي. لم يحصر مصطفى نشاطه في بيع الشاي والحلويات فقط، بل أمن للزبون أيضا إمكانية شراء أي نوع من الشاي، حيث قال؛ ”يطلب مني بعض الزبائن عند تذوق الشاي معرفة النوع الذي أحضّره، لهذا قررت بيع علب الشاي”، والحقيقة يضيف ”أعتقد أن السر لا يكمن في الشاي بحد ذاته، وإنما في طريقة تحضيره المميزة التي يبرع فيها كل سكان الجنوب”. وعن رأيه بالباعة المتجولين، قال؛ ”لم أفكر مطلقا في بيع الشاي عن طريق التجول بالشارع لأنه عمل شاق، ويفتقر لأدنى شروط النظافة، ومن ثمة أعتقد أنه ليس هناك ما هو أحسن من الاستقرار بمكان معين وتقديم خدمة محترمة لمحبي الشاي، هذا من جهة، ومن ناحية أخرى، بيع الشاي في محل يؤمن للزبائن الحصول عليه متى أرادوا، خاصة وأنه مطلوب على طول السنة، على خلاف باعة الشاي المتجولين الذين عادة ما ينشطون في فترات العطل، وعلى مستوى الشواطئ تحديدا. توجهنا نحو محل آخر غير بعيد، قيل لنا إن صاحبه من تمنراست، اقتربنا من المحل الذي انبعثت منه رائحة قوية للشاي بالنعناع، ووجدنا شابين يرتشفانه ببعض الحلويات، بدا المحل فارغا، به إبريق شاي كبير على النار، وبواجهته بعض الحلويات والمكسرات، في حديثنا إلى صاحبه مصطفى محمد عن فكرة التخصص، قال: ”أنا من سكان ولاية تيارت، جمعتني علاقة صداقة مع شاب من ولاية تمنراست امتهن بيع الشاي، ولأكون صريحا، فكرت في فتح محل لبيع الشاي وما يرافقه، وراودتني بعد أن تعذر علي إيجاد عمل، ولأنني على علم بأن هذا المشروب يحبه الصغير قبل الكبير، قررت دخول هذا المشروع، وما شجعني أكثر، وجود شريك لي من تمنراست، فلا يخفى عليكم أنه لا يوجد أحسن ولا أطيب من الشاي الذي يصنعه سكان الجنوب. وأردف قائلا: ”أعتقد أنه ليس هناك أفضل من تنظيم مهنة الشاي، على الأقل حتى لا يظل باعة الشاي يجوبون الطرقات، هذا من ناحية، ومن جهة أخرى، أضن أن هذا النوع من الأنشطة من شأنه أن يمتص نوعا ما البطالة، كما أنه يؤمن لصاحبه هامشا محترما من الربح”. وحول ما إذا كان يملك سجلا تجاريا ويمارس النشاط بصورة قانونية، جاء على لسان المتحدث أنه يوم اتصل بمركز السجل التجاري لطلبه، قيل له إنه واحد من الممتهنين لنشاط جديد، بدأ الناس يكتشفونه ويقبلون عليه بكثرة، وأنه يعمل بطريقة قانونية ومرتاح في عمله.