أكّد مختصون ومتتبعون لملف مجازر الاستعمار الفرنسي المرتكبة في حق الجزائريين، أن التفجيرات النووية التي نفذتها الإدارة الفرنسية الاستعمارية بمنطقة رقان بأدرار، تبقى جريمة دولة بكافة المقاييس القانونية المعمول بها، حيث تستدعي تحرّك كافة المؤسسات الرسمية بالدولة لتعزيز مطلب إرغام فرنسا على الاعتراف بها وتعويض الأبرياء الذين تضرّروا من انعكاساتها. وأوضحت رئيسة الهيئة الجزائرية لمناهضة الفكر الاستعماري، المحامية فاطمة الزهراء بن براهم، في ندوة تاريخية نظمت أمس بمنتدى جريدة "الشعب" بالتنسيق مع جمعية مشعل الشهيد، أن هذه الجرائم الشنيعة تعكس بحق الجريمة ضد الدولة الجزائرية لكونها اعتداء على مقومات السيادة الوطنية بما فيها العنصر البشري والاقليم. وقالت السيدة بن براهم في إطار هذه الندوة التي تناولت موضوع "الأشعة النووية وانعكاساتها على الإنسان والمحيط" بمناسبة الذكرى ال53 لهذه التفجيرات، أن "السلطات الفرنسية إلى جانب الرأي العام الفرنسي باتا يعترفان بجريمة استخدام الجزائريين كعينات تجارب خلال هذه الأعمال الرهيبة التي أجراها الجيش الفرنسي بمنطقة رقان بالجنوب الكبير يوم 31 فيفري 1960 .."، الأمر الذي يعكس حسبها جسامة الجرم المرتكب ضد الجزائريين والدولة الجزائرية بصفة عامة. كما اعتبرت أنه من بين المعوقات التي تواجه هذا الملف الحساس غياب الأرشيف الصحي المتعلق بضحايا اشعاعات هذه التجارب وهو ما صعّب نوعا ما تحديد الأمراض الواجب تصنيفها وتعويض ضحاياها بشكل استعجالي. وأضافت المحامية موضحة أن ملف المتابعة الخاصة بهذه الجرائم المخزية عرف في الآونة الأخيرة تقدما كبيرا بفضل الجهود الجبارة للجنة المختصة المتابعة للملف الى جانب المتعاطفين الأجانب مع مطلب حتمية الاعتراف وتعويض الضحايا. ودعت المتحدثة في السياق، الى وجوب تشديد الضغط على الادارة الفرنسية بهدف استعادة وثائق الأرشيف الخاص بالملفات الطبية للجزائريين الذي تعرّضوا لاشعاعات هذه التفجيرات والشروع فيما بعد في المتابعة القضائية بشكل يسمح بتحديد قائمة الأمراض المرشحة للتعويض. كما عبّرت عن استغرابها من تغييب الجزائريين من إجراءات التعويض في مختلف التقارير الفرنسية الصادرة في هذا الشأن، مشيرة الى استهداف هذه التقارير الضباط الفرنسيين الذين زاولوا مهامهم العسكرية في منطقة رقان، إضافة إلى نكران وجود أي إشارة تدل على حياة بشرية أو حيوانية بالمنطقة. وبدوره، تطرّق الخبير والباحث في التطبيقات النووية السيد عمار منصوري في تدخل له الى الانعكاسات الخطيرة للتفجيرات النووية الفرنسية التي أجريت بصحراء رقان على الحياة العامة بالمنطقة، موضحا أنها استهدفت أكثر من 40 ألف شخص ضمن جرائم الدولة التي تستدعي محاكم خاصة للنظر فيها بالنظر لخصوصيتها. واعتبر أن انعكاسات هذه التجارب التي مسّت الإنسان والحيوان والمحيط البيئي بمنطقة رقان مرشحة للاستمرار لثلاثة أجيال متعاقبة، حسبما قدّره المختصون في حال عدم التدخل الصحي العاجل لتدارك الوضع قبل فوات الأوان. وقال في هذا الشأن أن سكان رقان وعين أكر تعرّضوا لأبشع أنواع التعذيب على ضوء هذه التفجيرات التي كانت تعبّر عن الحقد الاستعماري تجاه الجزائريين، مشددا في ذلك على وجوب اعتراف فرنسا بالخدمة التي قدمها جلادوها لمنفذي هذه الأعمال المنافية للقوانين والأعراف الدولية. ومن جهتهم، قدّم بعض ضحايا التفجيرات شهادات حيّة عن الجحيم الذي عاشوه منذ عدة سنوات بسبب تعرضهم للاشعاعات النووية جراء الوسائل والعتاد الذي تركه الجيش الفرنسي في منطقة رقان. ويذكر أن لجنة تقييم ملف تجريم الاستعمار فصلت منذ عام تقريبا في تعويض 4 ملفات لضحايا فرنسيين دون الجزائريين، علما أن هذه اللجنة استقبلت 636 ملفا لضحايا جزائريين منهم 407 ملفات تعتبر كاملة من حيث الوثائق و225 ملفا يبقى قيد الدراسة. كما يرى الخبراء أن فرنسا تواجه اليوم تهمة التجارب البيولوجية لاسهدافها الحياة الإنسانية والحيوانية وهو ما يسمى ب«الجرائم ضد الانسانية" على ضوء ما نصت عليه اتفاقية روما. وجاء تنظيم هذه الندوة إحياء لليوم الوطني للشهيد في إطار الأسبوع الثقافي التاريخي الثالث عشر تحت شعار وقفة عرفان لشهداء الثورة التحريرية.