نجح فنانون شباب في وضع بصمتهم العصرية على أغان ثورية، من خلال الأداء والموسيقى، لتكون هذه الخطوة بمثابة تخليد منهم لهذا التراث العريق، وهو ما ظهر جليا في تقديمهم لبعضها بمناسبة يوم الشهيد في حفل أقامته وزارة الثقافة أول أمس بالمسرح الوطني الجزائري. اهتزت أبدان الحاضرين وتباطأت دقات قلوبهم وارتكزت أنظارهم على أداء أكثر من جميل لفنانين شباب (امرأتين وأربعة رجال)، وهم يتداولون على مقدمة منصة المسرح الوطني لتقديم أغان ثورية ببصمة شبابية محضة وبإبداع متميّز حقا. والبداية كانت مع أيوب مجاهد الذي قدم أغنية “جزائرنا” تلته كوثر ميزيتي مع اغنية “لدزاير تحيا” (باللغة الأمازيغية)، ومن ثم ليندة مريم مجوبة بأغنية: “من جبالنا”، أما صادق بوزينو فقد أبدع بأدائه لأغنية “موطني” إلى درجة كبيرة، في حين قدم نور الدين براح أغنية “عليك مني السلام” معتمدا على نغمات فن الريغي الآتي من جمايكا، حتى منظره الخارجي كان يوحي وكأنه قدم مباشرة من بلد بوب مارلي. أيوب وكوثر وليندة وصادق ونور الدين، هم أعضاء فرقة “نشيد الحرية” التي أسستها القناة الإذاعية الثالثة والديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، وتضم أيضا العازف على آلة القيتار نور الدين براح والمدير الفني آيت حمادوش يزيد، قدموا حفلهم الأول يوم الثالث من جويلية من السنة الفارطة بقاعة الأطلس في إطار الاحتفال بخمسينية الاستقلال . من جهة أخرى، قدّم البالي الوطني الجزائري بهذه المناسبة، أجمل الرقصات الشعبية التي تعبرّ عن التنوع الثقافي للجزائر والبداية برقصة تلمسان أو ما يسمى برقصة حضرية تؤديها المرأة التلمسانية، حيث ارتدت الراقصات بهذه المناسبة لباسا تقليديا تلمسانيا جميلا ومزينا بالأطقم النفيسة ورقصن على انغام اغنية “سيدي بومدين”، تلتها رقصة “الفنتازيا” التي قدمها ثمانية راقصين، وهي لعب جماعي بالخيول يقام في المناسبات الجزائرية، وأدى الراقصون هذه الرقصة التي تعبر عن فرسان في تسابق المحاربين، بطريقة معبرة وهم يتصايحون وكأنهم حقا فوق الخيول في تسابق يبرز من هو الأفضل فيهم ويظهر أيضا نخوتهم وقدرتهم على ركوب الخيل. وأعقب هذه الرقصات، عزف على الطبول أمتع الحضور الذين كاد البعض منهم أن يرقص، لتتوالى الرقصات من رقصة العلاوي التي لقيت تجاوبا كبيرا من الجمهور الحاضر، خاصة مع صياح الراقصين وتحركاتهم السريعة، وهذه الرقصة هي رقصة ذات طابع رجولي تعرف أكثر في الغرب الجزائري وتعتمد على الأكتاف وضرب الأرجل على الأرض، تعبيرا عن القوة والصبر على الصعاب. رقصة أخرى وهي رقصة القبائل أدتها راقصات يرتدين اللباس التقليدي القبائلي الأبيض والبرتقالي، وطبعا التجاوب كان أيضا كبيرا مع الرقصات السريعة ودقات الطبل القوية، أما رقصة البرنوس فكانت هي أيضا في القمة، خاصة بارتداء الرجال لبرانيس حمراء يحركونها حسب دقات الطبل ونوتات الناي، وتعبر عن الأصالة والرجولة في المجتمع الجزائري، أبعد من ذلك فقد غنى الراقصون أغنية تراثية تناسبت مع حركاتهم الجميلة والرجولية. وجاءت رقصة أخرى تحت عنوان رقصة “الرقيبات” وهي رقصة من منطقة تندوف، حيث تحرك الراقصات أجسادهن وأياديهن حسب إيقاع الطبل وتتزايد إلى درجة الوصول إلى حالة من لإحساس بالانفصال عن الواقع، تلتها رقصة الطوارق التي قدمها الراقصون في صورة حكاية بدأت بصراع بين رجلين من الطوارق ينتميان إلى قبيلتين مختلفتين، ويشارك في هذا الصراع طوارق آخرون وتتدخل امرأتان من القبيلتين تحاولان فك الصراع ولكن هيهات فقد أطلقت شرارة الحرب ولا احد قادر على إطفائها، هل هذا صحيح؟ لا، لأن الأخوة فوق كل شيء فتتحد القبيلتان تحت رقصات سريعة من الجميع إعلانا عن الوحدة والتآخي... وكانت خاتمة العرض برقصة عاصمية أداها راقصو وراقصات البالي، فكانت الراقصات يرتدين الكاراكو الخلاب، وفي وسط القاعة راقصة عروس بكاراكو أبيض، وترافق الرقصة موسيقى مستوحاة من تراثنا الشعبي وتتميز برقتها وعذوبتها، ومن ثم تدعو النساء الرجال إلى مشاركتهن الرقصة تحت أنغام أغنية “فرحة وزهوة”. في هذا السياق لم تتمالك وزيرة الثقافة، السيدة خليدة تومي، نفسها فصعدت إلى المنصة وشاركت الراقصين فرحتهم، أكثر من ذلك فقد طلبت من السيدة مارتين اوبري، عمدة بلدية ليل الفرنسية والرئيسة السابقة للحزب الاشتراكي، أن تشاركها فرحتها وهو ما حدث فعلا. في إطار آخر، قدمت وزيرة الثقافة، السيدة خليدة تومي، تصريحا مقتضبا للصحافة قالت فيه، أن الوزارة التي تديرها تحتفل بدورها باليوم الوطني للشهيد، الذي يتزامن هذه السنة مع الاحتفال بالعيد الخمسين للاستقلال. مضيفة أنه تم إعطاء الفرصة للشباب لكي يقدموا عملا فنيا وهو ما كان، ونوهت بأداء فرقة “نشيد الحرية”. مضيفة أنها تفتخر بشبابنا وبأعضاء فرقة البالي الوطني، هذا الأخير الذي تكوّن على يدي الراحل مصطفى كاتب، لتختم قولها بأن كاتب أسس البالي ببنات وأبناء الشهداء.