تمر اليوم عشر سنوات على سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين على أيدي القوات الأمريكية، ولا شيء تحقق من الوعود التي سوقتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق، جورج بوش، بجعل العراق نموذجا للديمقراطية يقتدى به في كل منطقة الشرق الأوسط. والمفارقة، أن الاجتياح العسكري والإطاحة بنظام "الديكتاتور" لم يزد العراق إلا عنفا وخرابا وحالة لااستقرار أمني وسياسي، يخشى أن يؤدي في حال استمراره إلى تفكيك وحدة هذا البلد على خلفية طائفية وعرقية. ولم تكن الأزمة والحراك الشعبي الذي بدأ يتفاعل على نار هادئة في مختلف المحافظات العراقية منذ ثلاثة أشهر، إلا نتيجة للسياسة الأمريكية في هذا البلد واعتماد منطق المحاصصة الطائفية في توزيع المناصب والريوع، مما أدى إلى تهميش مفضوح للطائفة السنية لصالح الشيعة الذين وقعت مختلف الهيئات الرسمية العليا تحت سلطة شخصيات تنحدر منها. وإذا سُئل العراقيون في هذا اليوم وخاصة أولئك الذين عايشوا إزالة تمثال الرئيس صدام حسين من ساحة الفردوس في قلب العاصمة بغداد، لقالوا إن درجة حسرتهم اليوم تعادل درجة الابتهاج التي انتابتهم، وهم يرون تمثال من كانوا يعتقدون أنه ديكتاتور يتهاوى قد رحل إلى الأبد، وأنّ أفاقا جديدة قد فتحت أمامهم بفعل الاحتلال ليستفيقوا من نشوة حلم ما لبث أن زال ليصطدموا بمابوس وبواقع أكثر مرارة. ولم يكن العراقيون الأكثر ولاء للرئيس صدام حسين، خاصة وحزب البعث عامة يدركون أن أمور بلدهم ستنقلب رأسا على عقب، وأنّ عهدا قد جاء بعد أن شاهدوا بأم أعينهم الحاكم الأمريكي بول بريمر وهو يتولى مقاليد إدارة شؤون بلادهم في ثوب الرجل المنقذ، وليتأكدوا أياما بعد ذلك أنه رمز احتلال من نوع جديد. وقد تأكد لهم تغير الحال من حال إلى حال، عندما اتخذ قرار حل حزب البعث وتطهير دواليب الإدارة العراقية وهيئات السلطة من مسؤوليه، وقد ازدادت دهشتهم بإقدامه على حل الجيش النظامي، بحجة الخوف من قيام ضباطه بانقلاب وإفساد العرس الذي كان الرئيس الأمريكي جورج بوش يريد إقامته، احتفاء بدخوله العراق وكأنه فاتح جديد، واعدا الشعب العراقي بنقل تباشير الحرية والديمقراطية عبر نسمات نهر دجلة، لشعب حرم منها طيلة عقود. ولكن ذلك لم يكن سوى تصريح مفرط في التفاؤل لرئيس كان رمز النظرية المسيحية الصهيونية الجديدة، وبدلا من أن تحل الديمقراطية مكان التسلط والديكتاتورية، حلّت الفوضى والاقتتال الدامي. ومنذ ذلك الحين، دخل العراق متاهة حرب كانت في البداية ضد المحتل الأمريكي والقوات العراقية التي تشكلت لإسناده إلى حرب طائفية بين السنة والشيعة، وتيقن حينها بول بريمر أنه أخطأ التقدير وأنّ حساباته ذهبت في سيل الدماء التي بدأ الجيش الأمريكي يدفعها في كل يوم وليلة، وهو الذي كان يعتقد أن مهمة هذه الوحدات لن تدوم إلا لأشهر وتسلم السلطة لأهلها المنتخبين ديمقراطيا. وكان من نتائج تلك الوعود الوردية، أن وجد العراقيون أنفسهم مرغمين على الدخول في حرب طائفية مازالت تبعاتها قائمة إلى اليوم ولا شيء يوحي أنها ستخمد في قريب الآجال، في ظل مؤشرات أكثر تشاؤما باحتمال تقسيم هذا البلد إلى دويلات كردية وأخرى شيعية وأخرى سنية. ويكون هذا هو الهدف الذي وضعه الأمريكيون لبوابة العالم العربي الشرقية، ضمن ما اصطلح عليه حينها بخارطة الشرق الأوسط الكبير التي صاغتها المخابر الأمريكية والإسرائيلية لتفتيت الجهد العربي، ضمن خطة محكمة لحماية الأمن الإسرائيلي ومعه الأمريكي من أية هزات قد تخلط عليهما حساباتهما. وكان احتلال العراق هو الحلقة الأولى في تجسيد هذه الإستراتيجية، بينما جاءت فكرة الربيع العربي كمرحلة ثانية ضمن هذا المخطط الذي خدم إسرائيل، دون أن تفقد جنديا أو تطلق رصاصة، وهي الآن تراقب الوضع عن كثب وتضع الخطط لفرض سيطرتها الأمنية على كل المنطقة ولم يبق لها سوى التخلص من الشبح الإيراني. ولا يستبعد أن تكون إيران ضمن المرحلة الثالثة والنهائية لعملية إحكام القبضة على منطقة الشرق الأوسط واحتوائها من كل الجهات. وتكون الفوضى التي تعيشها هذه المنطقة منذ عدة سنوات أمرا مقصودا يهيئ لإسرائيل والولايات المتحدة الأرضية لإحكام هذه القبضة، بما سيكسب إسرائيل الطمأنينة الأمنية التي تجعلها القوة الكبرى التي تفرض منطقها على الجميع.