نسمع كثيرا عن المشاكل العائلية بسبب عقم أحد الزوجين، لأسباب كثيرة منها تشوّه في الرحم أو خلل في إفراز الهرمونات أو مشكل الغدد أو الإرهاق وتعب الحالة النفسية، وكلها أسباب تساهم في عدم الإنجاب، هذا ما أكدته الدكتورة حياة بنونة طبيبة أمراض النساء والتوليد، إلا أن النظرة المجتمعية تمقت المرأة العاقر التي يلقَى عليها اللوم في كل مناسبة ولو كان عدم الإنجاب سببه الرجل. من الأسباب التي تقف وراء العقم عدة عوامل، من بينها المشاكل الاجتماعية التي أصبحت تصنَّف كعامل هام في المجتمع الجزائري، تقول الطبيبة حياة بنونة: ”إن الإصابة بأمراض مزمنة على غرار داء السكري قد تتسبب في العقم كذلك، بسبب عملية القذف التي لا تتم بالشكل الصحيح للمصاب بالسكري، كذلك من بين الأسباب المؤدية للإصابة بالعقم، وجود أورام ليفية في رحم المرأة وعلى مستوى المبيض، بالإضافة إلى اختلال في عمل الغدة الدرقية، وانسداد الأنابيب، فضلا عن الإصابة بتعفنات موضعية في المهبل بالنسبة للمرأة والقناة البولية للرجال، ومعاناة الرجل من النكاف، وهو التهاب موضعي على مستوى الغدد اللعابية يعاني منه في الصغر، ما يؤثر على عمل الخصيتين ويؤدي إلى العقم بعد الزواج”.
التلقيح الاصطناعي بديل للبعض.. تسمح عملية التلقيح الاصطناعي بمساعدة الكثير من الأزواج ممن يعانون من مشكل العقم؛ تقول الأخصائية بنونة: ”إذ هناك مراكز طبية في الجزائر تعمل بكفاءة وحرفية تعطي نتائج مرضية. والإقبال عليها كبير في اليوم الواحد بعدما كان غالبا ما يضطر العديد من الأزواج للتنقل إلى المراكز الخاصة الواقعة في تونس أو أوروبا من أجل التخصيب الاصطناعي. وتتم عملية التلقيح بعد الفحص المعمَّق للعاقر لتحديد أسباب هذا العجز ومعالجتها بفضل أدوية وهرمونات تؤخذ باستمرار طيلة فترة العلاج، ثم تتم عملية التلقيح الاصطناعي، ويبقى هذا الحل فعالا في بعض الحالات، إذ تراه فئة من الأزواج الأمل الوحيد للحصول على الأولاد”.
الطلاق خياري أو إجباري؟! نسبة العقم عند الرجال مرتفعة مقارنة بالنساء؛ حيث تمثل نسبة 56 بالمائة مقابل 44 بالمائة على التوالي، إلا أن حالات الطلاق التي يشهدها المجتمع الجزائري يكون فيها الرجل هو المبادر إليها بسبب عقم المرأة، فكثيرا ما يكون الرجل هو المصاب بالعقم إلا أنه يرفض تقبّل الأمر، وبذلك يطلّق. وأكدت السيدة نسيمة صخري أستاذة علم النفس بجامعة بوزريعة، أن العديد من النساء يعانين من حالة خوف وتوتر بسبب ردة فعل أزواجهن حين يعرفون أنهن غير قادرات على الإنجاب؛ وذلك خوفا من الطلاق أو الزواج عليهن، فهذه الفئة تعاني من جهتين؛ سواء في بيوتهن أو وسط المجتمع، حيث يعجز أغلبهن عن القدرة على التأقلم مع أوضاعهن. وتعتقد النساء المصابات بالعقم أن كل من حولهن ظالمون ويحكمون على فعل شاءه الله. تقول المتحدثة: ”يحاول العديد من النساء إرجاع أزواجهن عن قرار التلقيح الاصطناعي؛ من منطلق رفض مطلق لهذه الفكرة لعدة أسباب، على غرار جهلهم بالحكم الديني في هذا الشأن، فتواجه النساء هنا خيار الطلاق، ثم المعاناة من الاضطراب الدائم”. من جهة أخرى، قالت الدكتورة صخري: ”تبقى حالة طلب الزوجة الطلاق بسبب عقم الرجل حالة نادرة جدا، تكون أغلبها بسبب العجز الجنسي للزوج، لأن المرأة بطبعها قادرة على تحمّل هذه الحالة وترفض النظر إلى زوجها بالنقص أو أن تحسسه بأنه سبب عدم الإنجاب، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، بديل المرأة في الطلاق للزواج ثانية ليس مضمونا مائة بالمائة؛ لذلك لا تتخذ هذا القرار فورا وإنما تحاول اللجوء إلى الوسائل الأخرى، على غرار التلقيح الاصطناعي أو كفالة يتيم”. وفي هذا الصدد يقول الأستاذ في علم الاجتماع السيد يسين ماشطة، إنه من المفترض أن يتقاسم الزوجان أمور الحياة بحلوها ومرها، فإذا كان عدم الإنجاب مشكلة أحدهما يجب على الآخر ألا يقنط من رحمة الله، وأن يتحمل ويساعد زوجه في تقبّل الوضع، ويقتنع بأنه قضاء وقدر، لكن هناك أطرافا أخرى في العائلة تتدخل أحيانا لتعكّر حياة الزوجين بكلام عن العقم وإنجاب الأطفال والزواج ثانية وما إلى ذلك. وفي ظل هذا وذاك، يضيف الأستاذ، ”تكون المرأة دائما في مجتمعنا سبب العقم، وتوجَّه إليها أصابع التهم بما أن الطفل هو الرابط الأساسي بين الزوجين، فالمرأة، حسبهم، هي التي تحطم سعادة الرجل الذي يحب الأطفال، وحتى لو كان العقم من الزوج فبعض العائلات التقليدية تعتبر الإقرار بعقم الرجل عيبا”. وأضاف: ”تهدد المرأة بالطلاق أو الزواج عليها إذا لم تنجب، ويُحكم عليها بالمؤبَّد في وسط العائلة. والحمد لله أن ليس كل العائلات تفكر على هذا النحو”، لتبقى فكرة ”كفالة اليتامى” حلا أجره عظيم عند الله، يؤكد الأستاذ، إلا أنها ليست رائجة بشدة في المجتمع بسبب تداخل ثقافة ”التبني والكفالة” لدى المجتمع الجزائري؛ فبالرغم من تحريم التبني شرعا وقانونا إلا أنه تم تسجيل حالات التبني في الجزائر؛ عن طريق إلحاق نسب مولود بأبوين لم يلداه، ليكون ابنا لهما على الأوراق، يحمل اسم العائلة في حياتهما، ويرثهما بعد موتهما، وكل هذا بعد ارتكاب جرائم التزوير في وثائق رسمية دون الوعي بخطورة هذا الوضع، وبالمقابل، هناك آليات للتكفل بالأطفال اليتامى بطرق قانونية تلجأ إليها بعض الأسر كحلّ يرضي الطرفين.