حرص رئيس الجمهورية على اختيار لجنة خبراء في القانون تضم شخصيات أكاديمية ورجال قانون مشهود لهم بالكفاءة العالية لصياغة مشروع القانون التمهيدي المتضمن تعديل الدستور، وذلك مراعاة للاختصاص والفاعلية في تأدية هذه المهمة والحياد التام عن أي تأثير سياسي. فوفاء لما كان قد تعهد به في خطابه للأمة قبل سنتين، جاء تعيين رئيس الدولة لهيئة تضم أساتذة وخبراء في القانون الدستوري للتكفل بالصياغة القانونية لمشروع تعديل الدستور، ضمانا للحيادية والفاعلية في العمل المتوج لسلسة المشاورات السياسية التي مكنت من جمع مختلف الآراء والاقتراحات التي طرحتها الفعاليات السياسية والمدنية في المجتمع، ليأتي بالتالي عمل هذه اللجنة التقنية، ليستكمل العمل السياسي الذي تكفلت به هيئة المشاورات السياسية التي قادها رئيس مجلس الأمة، السيد عبد القادر بن صالح، وعززتها جلسات التشاور التي عقدها الوزير الأول، السيد عبد المالك سلال، خلال الفترة الأخيرة. فاللجنة التي يقودها الأستاذ عزوز كردون الذي يشغل منصب مسؤول مخبر بحث بكلية الحقوق والعلوم الإدارية بجامعة منتوري بقسنطينة، ستعتمد في تحرير مشروع القانون التمهيدي المتضمن تعديل الدستور على رزم الوثائق المتضمنة للاقتراحات التي قدمتها الأحزاب السياسية والمنظمات المهنية والاجتماعية وكافة الفعاليات الوطنية خلال جلسات المشاورات الوطنية، وهي المنهجية التي اختارتها السلطات العليا في البلاد، في مسعى هذا التعديل الدستوري الذي يراد له أن يكون دستورا توافقيا تشارك فيه كافة الأطياف السياسية والمدنية ويستجيب لتطلعات وآمال الشعب الجزائري. ويتبين من خلال هذه المنهجية التي ينبني عليها مسعى التعديل الدستوري منذ سنتين من انطلاقه، بأن مطلب إشراك الأحزاب السياسية في صياغة الدستور والذي عبرت عنه بعض الأحزاب السياسية في قراءتها لعملية تنصيب لجنة الخبراء تم التكفل به بشكل تام، وأن الضرورة والحرص اللازمين لضمان صياغة موضوعية وحيادية لنص المشروع، تفرضان اختيار كفاءات غير متحزبة وبعيدة عن عالم السياسة ومشهود لمؤهلاتها وخبرتها في الاختصاص لتولي عملية الصياغة القانونية لهذا المشروع الهام. فباستثناء عضو مجلس الأمة بوزيد لزهاري المحسوب على حزب جبهة التحرير الوطني، والمعروف بكفاءته في مجال التشريع، بحيث شغل حاليا عضوية اللجنة الأممية لحقوق الإنسان، لا توجد أي صلة للأعضاء الأربعة الآخرين للجنة مع عالم السياسة والنشاط الحزبي. وفضلا عن السيناتور لزهاري، يعرف عن عضوين آخرين تجربتهما في مجال التشريع وسن القوانين الوطنية من خلال عضويتهم في مجلس الأمة، ويتعلق الأمر بكل من السيدة فوزية بن باديس التي شغلت كأستاذة بجامعة قسنطينة، والسيد غوثي مكامشة وزير العدل الأسبق والعضو الأسبق في المجلس الدستوري، كما يمتلك كل من بوزيد لزهاري وغوثي مكامشة تجربة في صياغة الدستور من خلال مشاركتهما في إعداد نصوص دستور 1996. ومن جهته، شغل عضو لجنة الخبراء عبد الرزاق زوينة بالمجلس الدستوري، وهو أستاذ متخصص في القانون الدولي بجامعة الجزائر، وسبق أن تقلد منصب مسؤول قسم العلوم القانونية بذات الجامعة. وإذا عمد رئيس الجمهورية إلى اختيار الخبراء المذكورين لتولي مهام صياغة النص التمهيدي لمشروع التعديل الدستوري بناء على الخبرة والكفاءة المشهودتان لهم، وتوخيا للفعالية في العمل التشريعي والقانوني المناط بهم، والذي يستوجب الابتعاد عن الانحياز وتبني الموضوعية والدقة في العمل، فإن نتائج عمل هذه اللجنة التي تملك كل الحرية في إثراء المشروع وعرض اقتراحاتها وإضافتها، ستعرض على القاضي الأول في البلاد، بعد استكمالها للنظر والتدقيق فيها وإبداء آرائه حولها، قبل الفصل في آجال عرضها على البرلمان أو على الاستفتاء الشعبي، طبقا لأحكام الدستور الذي ينص في المادة 174 على أنّ"لرئيس الجمهورية حق المبادرة بالتعديل الدستوري...وبعد أن يصوت عليه المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة بنفس الصيغة، حسب الشروط نفسها التي تطبق على نص تشريعي يعرض التعديل على استفتاء الشعب خلال الخمسين (50) يوما الموالية لإقراره.."، في حين تنص المادة 176 على أنه "إذا ارتأى المجلس الدستوري أن مشروع أي تعديل دستوري لا يمس البتة بالمبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري وحقوق الإنسان والمواطن وحرياتهما ولا يمس بأي كيفية التوازنات الأساسية للسلطات والمؤسسات الدستورية، وعلل رأيه، أمكن رئيس الجمهورية أن يصدر القانون الذي يتضمن التعديل الدستوري مباشرة دون أن يعرضه على الاستفتاء الشعبي، متى أحرز ثلاثة أرباع (3/4) أصوات أعضاء غرفتي البرلمان". وتستجيب المنهجية المعتمدة من قبل السلطات العليا في مسعى التعديل الدستوري الذي سيتوج برنامج تعميق الإصلاحات السياسية للحرص المعلن عنه من قبل الرئيس بوتفليقة في خطاب 15 أفريل 2011، والذي أكد فيه بأن نجاح هذا المسعى يقتضي انخراط الأغلبية ومشاركة كافة القوى السياسية والاجتماعية وإسهام الكفاءات الوطنية.