يتميز المجتمع القبائلي بتنوع عاداته وتقاليده، التي تسعى العائلات إلى إحيائها في كل مناسبة تصادفها بغية ضمان الحفاظ عليها ونقلها إلى الأجيال الناشئة، باعتبارها تمثل جزءا من حياتها وشخصيتها، حيث نجد قرى اث عيسي ببلدية اعكوران الواقعة بدائرة اعزازقة، تحيي عادة خاصة بها كلما حل شهر أفريل، تسمى ب «ازنزي» أو» ثيريري اوزال». على بعد حوالي 50 كلم شرق ولاية تيزي وزو، تقع قرية اث عيسي الجبلية، التي لا يزال سكانها يعيشون على الطريقة التقليدية في كسب قوت عيشهم، حيث يعتمدون على الحيوان في الحرث ونقل الأكل، الأغصان، الماء وغيرها، والذي (الحيوان) يواجه صاحبه بدوره صعوبات في جلب الأكل والمشرب له، لا سيما في فصل الشتاء، غير أن فصل الربيع يسهل عليه الحصول على ما يضمن له العيش ويتم إثر ذلك احتفال سكان القرى بعرس خاص بالحيوان يسمى «ازنزي». تقول «نا فروجة» في هذا الشأن، أن التحضير لإحياء هذه العادة يتطلب وقتا، حيث تتهيأ العائلات كلها لإحياء هذه المناسبة كون سكان قرية اث عيسي يملكون حيوانات من بقر وغنم، كما أنهم يمارسون نشاط تربية الدواجن والأرانب وغيرها، فسكان الريف يحبون الاستمرار في نمط عيش القدماء رغم التطور الذي طرأ على حياتهم، حيث يقومون بممارسة نشاط الزراعة، الحرث، رعي الغنم وغيرها. وتضيف المتحدثة في سياق متصل، أن الاحتفال بهذه العادة يكون خلال الفترة الممتدة بين 17 و23 أفريل، المصادف لفترة ما يسمى «باحقان» حسب الرزنامة الأمازيغية، والتي تعني فترة يكون فيها الشتاء قارسا مقارنة بباقي أيام الشتاء، حيث يتم في هذه الفترة إخراج المواشي والغنم وصغارها في الصباح الباكر قبل طلوع الشمس، ذلك أن العادة تقتضي أن يكون الحيوان بالحقول عندما تطلع الشمس، ويتم مرافقة الرعاة من الأب والجد والعم وغيرهم وأبنائهم، وهذا بغية زرع هذه العادة في نفوسهم وتعلمها كي يضمنوا الاستمرار في إحيائها بعدهم، وتكون ربة البيت من جهتها قد حضرت لهم ما يأكلونه إذا ما انتابهم الجوع خاصة وأنهم يغادرون المنزل قبل طلوع الفجر، ويقتصر الأكل في هذه العادة على «أغروم اقوران وانغمان ما ايغي»، أي الكسرة، التين الجاف واللبن. وبينما يكون الرجال بالحقول يرعون الغنم، تكون ربة البيت قد كلفت البنات الصغار بإحضار مختلف أنواع الأزهار التي تنمو في الربيع، حيث يتوجن جماعات إلى الحقول ويغنين اغاني تمجد الربيع ويجمعن الازهار ويشكلن بها باقات تزين بها أبواب منازل القرية، ما يعطي على العرس أجواء الابتهاج والسعادة، حيث يشارك الكبير والصغير فيها بكل روح تضامنية وأخوية، كما تقوم النساء بتحضر مختلف الأطباق التقليدية التي تعودن على تحضيرها في هذه المناسبة، حيث يقمن قبل حلول العرس ب 3 أيام بطحن القمح والفول بطاحونة القرية وفي صبيحة يوم الاحتفال ب«ازنزي» يحضر طبق مع حليب البقر ليتم تحضيره كلبن وغيره، ليتناول منه كل سكان القرية، كما يتم استخراج الزبدة من الحليب وعجن مختلف الحلويات التقليدية وغيرها من المأكولات، التي تحرص المرأة الريفية باث عيسي على تنويع المائدة بها. وأشارت «نا فروجة» إلى أنه يتم في هذا اليوم تحضير أهم طبق متمثل في «ايوزان» والذي يتم تحضيره باستعمال الزبدة المالحة لدهن الطبق الذي يعتمد في الأساس على القمح والفول المطحون مع تحضير كسكس الشعير بالمرق، اشباظ الذي يحضر بالحليب، بركوكس، ثيغرفين، العسل وغيرها من المنتوجات التقليدية التي ينتجها سكان القرية والتي يستهلكونها لتمدهم بالطاقة ويتمكنون من مواجهة البرد القارس ومختلف الأمراض. كما تقوم النساء يومها بإضرام النار في الكانون، ويتم الاستعانة بما يسمى ب»ثقرسا» توضع قليل من «ايريج» وهو بقايا النار و»ثقرسا» أمام مدخل «ادّينين» أي الاسطبل إلى أن يطفأ لوحده ويترك هناك إلى غاية عودة الحيوان إلى المنزل.وتتواصل أجواء الاحتفال بإحياء هذه العادة، بعادة جميلة تصاحبها متمثلة في تزين طفلة صغيرة بأجمل الألبسة التقليدية القبائلية، على أن يكون شكلها مثل عروس ترتدي ما يسمى ب«اكرزي»، حيث تلبس النساء الطفلة الجبة القبائلية، والحايك ولف رأسها ب«ثيمحرمت لحرير» ليربط ب«قوس» وتوضع على الرأس باقة لحبق كما تتزين بالفضة، ويتم تهيئة شاب الذي يكون زوجها الذي يرتدي اجمل اللباس مع وضع برنوس رمز الرجولة والهمة بمنطقة القبائل، ويتم إعطاء الطفلة وعاء من الفخار به ماء يشرب الزوج من يديها وتشرب هي الأخرى من يدي زوجها، ويتم اقتيادهما إلى غابة وعلى طول الطريق تطلق النساء العنان لحناجرهن بالغناء و«اشويقن» مع الزغاريد المتعالية إلى أن يصلن إلى الغابة، وأثناءها تقوم العازبات بجمع الأزهار، وحسب المعتقدات، يعد فألا لهن لتطليق العزوبية وحصول النصيب، قبل أن يعدن أدراجهن إلى المنزل في جو من الفرح والسعادة. وتضيف «نا فروجة»، أن هذه العادة مهمة جدا بالنسبة للسكان، كونها تزيد أواصر المحبة والترابط فيما بينهم وتقضي على كل الخلافات والنزاعات، ما يجعلهم أسرة واحدة يسودها التعاون والتضامن.