كشف مصدر طبي مطلع من مستشفى الأمراض العقلية دريد حسين بالعاصمة، ل ”المساء”، أن المستشفى يستقبل سنويا حوالي 754 مريضا عقليا، فيما يبقى أكثر من 150 ألف يجوبون الشوارع، وهو ما دق بخصوصه المختصون ناقوس الخطر. وحاولت ”المساء” خلال تجوالها بشوارع العاصمة، جمع بعض آراء المواطنين الذين يتحاشون الاحتكاك بالمختلين عقليا، على خلاف الأطفال الذين يقومون بدافع الشغب، بإثارة غضب هؤلاء الذين يهمون بالضرب والشتم، وحتى خلع ملابسهم أمام أعين المارة، ومثلما يظهر من خلال رأي العديد من المواطنين، فإن هذه الفئة تبقى مصدر قلق أو ”خطر متنقل”. ويرى آخرون أنهم بمثابة ضحايا، يستوجب أخذ العبرة من حالتهم والنظر إليهم بعين العطف، ويبقى الخوف مشتركا، خاصة بين النساء. ويتسبب هؤلاء المختلون في العديد من الحوادث الأليمة، سرد لنا جانبا منها المصدر الطبي من مستشفى دريد حسين، حيث قال : ”الحادثة المحزنة راحت ضحيتها الشابة ”ح. و« في العشرينات من العمر سنة 2010، فيوم الواقعة كانت الضحية بحي من أحياء القبة متجهة إلى مقر عملها في الصباح الباكر، ليصادفها مختل، ويفاجئها بحجر على مستوى الرأس، الضحية سقطت مغشيا عليها، ليتم نقلها إلى مستشفى مصطفى باشا وتدخل العناية المركزة نظرا لإصابتها البليغة”. ولا تقل الحكايات الطريفة التي يكون بطلها مختل عقليا، فمنهم من يتخذ من الأماكن العمومية مسرحا للغناء والرقص وسرد القصص، وهناك من يستمتع بسرقة دنانير المتسولين أو الفاكهة من الباعة والهروب، أو خلع الثياب والتجول مكشوف الجسد. وعن أسباب ارتفاع عددهم، حدثتنا الدكتورة جميلة مزياني، أخصائية نفسانية فقالت: ”إن أي سلوك استفزازي بسيط في حق هؤلاء قد يجعلهم يقومون بأعمال مؤذية، كالشتم، الضرب وكسر واجهات المحلات أو السيارات، أو ينقضون على ضحاياهم بطريقة بشعة دون وعي”. وأرجعت المتحدثة سبب ارتفاع عددهم بالدرجة الأولى، إلى الإدمان على المخدرات والأقراص المهلوسة، حيث قالت: ”بالإضافة إلى الانهيارات العصبية بسبب المشاكل التي يواجهها الفرد داخل بيئته، أو نتيجة ضغوطات الحياة الاجتماعية بصفة عامة، فإن التزايد غير المسبوق راجع إلى تقليص مدة علاج هذه الفئة، بسبب عدم قدرة المستشفيات على استيعاب عددهم الهائل، إلى جانب محدودية الطاقم الطبي المتكفل بهذه الحالات، وهذا راجع إلى رفض الممرضين التأهيل والتخصص في مجال الأمراض العصبية، بسبب عدم وجود منحة الخطر، مما جعل عدد هذه الفئة يزداد بالشوارع”. وترى الدكتورة أن الانتشار الرهيب لهذه الفئة في الآونة الأخيرة، يقتضي توسيع دائرة اهتمام السلطات المعنية بها، لما تشكله من خطر على سلامة المجتمع. وبحكم تجربتها الطويلة مع هذه الشريحة، قالت: ”هؤلاء المرضى يتحسسون من أبسط الأفعال، وبسبب الجهل بخطورتهم، لا يتورع الناس عن المرور بقربهم والاحتكاك بهم أو النظر إليهم، هذه السلوكات وغيرها تثير المرضى عقليا، فيهاجمون المواطنين ويتصيدون غالبا الخائفين منهم كرد فعل لا إرادي”، وأضافت: ”الجزائر تعاني من عجز في الإمكانيات لتحقيق الرعاية الشاملة لفئة المرضى عقليا، موازاة مع غياب التكفل العائلي، مما جعل هذه الفئة هائمة في الطرقات، خاصة مع وجود 16 مستشفى فقط متخصصا في الامراض العقلية عبر الوطن، لذا على الدولة أن تعجل بإنجاز المشاريع المبرمجة في هذا الشأن، لتحقيق تكفل أحسن”.