نظمت جمعية الثامن ماي 1945 التاريخية بالتنسيق مع جامعة الجزائر "2" ببوزريعة ملتقى وطنيا يوم أمس حول "إبادة 8 ماي 1945" بحضور مؤرخين ومن شاركوا في المظاهرات ناقشوا فيه المجازر المرتكبة من قبل الاحتلال الفرنسي من خلال شريط وثائقي وشهادة حية عن الأحداث وكذا محاضرات حول هذه المجازر الرهيبة التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في حق الشعب الجزائري الأعزل فأباد أكثر من 45 ألفا خرجوا في مظاهرات سلمية بمناسبة انتهاء الحرب العالمية الثانية. استهل الملتقى رئيس جامعة الجزائر 2 ببوزريعة حيث ذكر الحاضرين بأهمية التاريخ وأن الشعوب تذل وتهان بفقد ذاكرتها التاريخية، والجزائر مملوءة بالأمجاد والثامن ماي دليل على ذلك. من جانبه أكد الدكتور محمد القورصو أن اشكالية التاريخ تنطلق من مشكلة إصطلاحية، والثامن ماي استعصى على المؤرخين تسميته بالإبادة خصوصا وأن هذه الإبادات تعد مرحلة مفصلية لأنها مرحلة تعد نقطة انطلاق لثورة أول نوفمبر 1954م. كما نبه الأستاذ القورصو المؤرخين إلى أن هذه الإبادة بقيت حكرا على الفرنسيين الذين احتكروا الوثائق التي زودتهم بها مؤسسات الأرشيف بينما بقيت الجامعة الجزائرية خارجة عن هذه الدراسة البحثية النقدية الموضوعية باستثناء جمعية الثامن ماي 1945. وبعد مداخلة القورصو تم عرض شريط وثائقي أعده علي فاتح عيادي سجل فيه شهادات الذين عايشوا الحدث في الأربعينيات ثم حملوا راية الجهاد والفداء في ثورة نوفمبر 1954 بمدينة سطيف وما جاورها. كما ألقى الأستاذ أحمد بجاوي محاضرة تناول فيها دور السينما وتغطيتها لمرحلة الأربعينيات من القرن الماضي في تاريخ الجزائر المعاصر وقارن السيد بجاوي بين الفيلم الوثائقي والفيلم الخيالي، فهناك فيلم وثائقي اعتمد على الوثيقة من خلال تحقيق صحفي أمريكي وصل إلى نتيجة أن عدد قتلى مجازر 8 ماي 1945 بلغ 17 ألف شهيد، وتتهم الوثائق الزعيم الفرنسي ديغول ورئيس ديوانه دوبري ولم يكن لهذا الفيلم صدى مثل الفيلم الذي كان خياليا وهو: "الخارجون عن القانون" حيث لقى احتجاجا كبيرا من قبل المسؤولين الفرنسيين. كما انتقد السيد بجاوي في مداخلته قلة المحاولات لتسجيل هذه المجازر ففي الوقت الذي خصصت فيه مزانية بمناسبة خمسينية الاستقلال ل 40 فيلما ليس هناك فيلما واحدا عن مجازر الثامن ماي 1945. أما الأستاذ أحمد عبيد من جامعة وهران فتطرق إلى المظاهرات التي وقعت في الوسط والغرب الجزائري، حيث كانت هناك مظاهرات من بداية أول ماي تمثلت في مسيرات في كل من وهران، مستغانم، سيدي بلعباس بهتافات مختلفة، وأن مظاهرات وهران قابلها عنف ومشادات بين المتظاهرين وقوات القمع الاستعمارية حيث حوصرت الأحياء الشعبية بالدبابات، وهذا ما جعل بلدية وهران لا تشارك في المظاهرات نظرا للقمع الذي واجهته في بداية ماي. كما سجلت مظاهرات في سعيدة وفي تيارت وتلمسان ومستغانم. وتدخل بعد ذلك السيد عبد الحميد رئيس جمعية الثامن ماي واستعرض تاريخ مقاومة الشعب الجزائري منذ الأمير إلى المقاومات الشعبية الأخرى. وذكر رئيس جمعية الثامن ماي أنه تم الاعداد للمظاهرة السلمية وكان القصد منها المشاركة في الاحتفالات ومطالبه فرنسا والحلفاء، بالوفاء بالعهود التي وعدوا بها الجزائريين في تقرير مصيرهم، ولهذا كانت المسيرات منظمة وسلمية، بل كانت هناك لافتات وأعلام جزائرية وأعلام الحلفاء والمطالبة باطلاق سراح المساجين وعلى رأسهم مصالي الحاج، إلا أن المظاهرات السلمية قوبلت باطلاق النار وقتل الجزائريين من قبل البوليس والجيش ومليشيات المعمرين فكان إبادة وكانت جريمة، ونحن نطالب بحق تجريم الاستعمار في الجزائر. أما السيد محمد الهادي الشريف فأدلى بشهادته وركز على التعذيب الذي تعرض له الجزائريون والقتل الجماعي والإلقاء بالمواطنين العزل من الجسور ومن الأماكن المرتفعة وتفريغهم بالشاحنات العسكرية ثم رميهم بالرصاص، وقد استمرت عمليات الإبادة مدة شهر ماي وجوان في كل من سطيف، جيجل، بجاية، بني عزيز، القبائل الصغرى. وأما السيد العربي دمدوم الذي جاء من سطيف فحدد يوم الثامن ماي من حيث اليوم والساعة والمسالك التي سلكتها المظاهرات، أما في بني عزيز فقد وصلت أخبار المجزرة في ليلة التاسع ماي حيث خرج الناس ينادون بالجهاد في سبيل الله وكل من يملك بندقية، سكين، عصا حمله، وقد قتل أحد المعمرين يدعى "بازيز" يوم الأربعاء التاسع ماي 1945 مما جعل قوات الاحتلال يطلقون النار ثم لحقت تعزيزات وبدأ الجنود في عملية الإبادة واستمرت عملية التقتيل إلى شهر جويلية. أما الشيخ علي خدة من سعيدة الذي شارك في المظاهرات وأدلى بشهادته في حرق بلدية سعيدة والتعذيب الذي تعرض له المناضلون حيث نقلوا إلى الثكنات ثم السجن المدني بوهران. هكذا أكدت الشهادات أن المجازر لم تكن مقصورة على منطقة الشرق الجزائري، بل عمت القطر كله والمظاهرات سبقت أيضا في قصر البخاري أين كان مصالي الحاج معتقلا ومن ثم نفي إلى برازافيل، وأن الجرائم ارتكبت في كل مكان ولابد من المطالبة بتجريم الاستعمار منذ دخوله الجزائر إلى غاية اخراجه منها.