أجمع الوزيران الأولان الجزائري عبد المالك سلال والتركي رجب طيب أردوغان، على أن المرحلة القادمة للعلاقات الاقتصادية الثنائية ستكون "مثمرة". وأكدا إرادتهما المشتركة لدعم التعاون ورفع حجم المبادلات التجارية بين البلدين. وفيما تحدث سلال عن "بناء شراكة نموذجية تخدم مصالح البلدين"، توقع أردوغان أن يتضاعف حجم المبادلات لينتقل من 5 ملايير دولار إلى 10 ملايير دولار في السنوات القادمة. أمام حوالي 700 رجل أعمال من الجزائر وتركيا تحدث، مساء أمس، الوزير الأول السيد عبد المالك سلال ونظيره التركي السيد رجب طيب أردوغان عما يجمع البلدين من تاريخ مشترك وكذا مشاريع اقتصادية بعضها تجسد وبعضها الآخر يسعى الطرفان إلى تجسيده في الأيام القادمة. سلال الذي وصف نظيره التركي ب”الطيب"، اعتبر أن الوفد الاقتصادي الهام الذي رافقه في زيارته للجزائر دليل على الإرادة المشتركة في دعم التعاون الثنائي وإعطائه نفسا جديدا، دون أن ينسى التذكير بأن ما تم إلى غاية الآن في حد ذاته هام، مشيرا إلى تضاعف حجم المبادلات والارتفاع المحسوس في حجم الاستثمارات التركية بالجزائر في إطار الشراكة مع المؤسسات الجزائرية. وأحصى سلال المزايا الكثيرة التي يتيحها الاقتصاد الجزائري في الوقت الراهن بعد السنوات العجاف التي عاشها خلال التسعينيات والتي تم تجاوزها لتظهر اليوم الجزائر "بوجه جديد" بدأت ملامحه منذ "1999 تاريخ انتخاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة". وقال الوزير الاول إن الجزائر تعيش اليوم مرحلة انتقالية من الناحية الاقتصادية تسعى خلالها إلى تنويع الاقتصاد وبعث ديناميكية جديدة لرفع حجم الاستثمارات التي تخلق الثروة ومناصب العمل وتحسين نوعية المنتجات والخدمات وتعزيز اقتصادها في إطار متطلبات العولمة. واعتبر أن دور المؤسسات هام في هذه المرحلة، مشيرا إلى أن الجزائر تمتلك الإمكانيات المالية والبشرية ومزايا أخرى عديدة كالأمن والاستقرار السياسي وأنها تنتظر من الجانب التركي أن يكون "أداة لمرافقة الاقتصاد الجزائري لاسيما في إطار الاستثمارات المباشرة والشراكة والمرافقة التقنية وتقديم الخبرة". بالمقابل، اعترف سلال بوجود عوائق عندما أشار إلى أن الجزائر تسعى إلى وضع منظومة تشريعية تتميز بديمومتها. وأكد أن المستثمرين الأتراك سيجدون فرصا كثيرة وكذا تسهيلات من أجل المساهمة في تنويع الاقتصاد الجزائري. وأحصى عددا من القطاعات التي يمكن للأتراك اقتحامها لاسيما الفلاحة والسياحة وتكنولوجيات الاتصال والصناعة والصحة والطاقة. من جانبه، دعا الوزير الأول التركي إلى تطوير العلاقات بين البلدين، معتبرا أنهما يمران بمرحلة جديدة في خضم التغيرات التي يعرفها العالم والتي تفرض الرقي بمستوى المجتمعات إلى مستويات أفضل. وقال أردوغان الذي استقبل بتصفيقات حارة وبعبارات ترحيبية من رجال أعمال بلده -منها تلك التي علقت في مدخل فندق الاوراسي، حيث عقد المنتدى والتي كتب عليها "مرحبا بك يا سيد الرجال"- أن وجود هذا العدد من رجال أعمال البلدين "مؤشر على أن المرحلة القادمة ستكون مثمرة". ملمحا إلى عدم رضاه عما تم تحقيقه منذ زيارته الاخيرة إلى الجزائر، إذ قال "لقد وقعنا اتفاقية للشراكة الاستراتيجية وكان ضمنها إنجاز 51 مشروعا، لكن لم يتجسد منها إلا 31 مشروعا". وهو ماجعله يشدد على ضرورة الارتقاء بالعلاقات مع الجزائر إلى مستويات أفضل لاسيما عبر التعاون بين مؤسسات القطاع الخاص. وأكد حرص الجانبين الجزائري والتركي على "توفير الارضية المناسبة" لتحقيق ذلك، مشيرا بالخصوص إلى قرار الوزيرين الاولين بالشروع في مباحثات حول إنشاء منطقة تبادل حر بين البلدين، إضافة إلى الاتفاق على بعث مفاوضات لرفع عدد رحلات شركة الطيران التركية الى ثلاث يوميا، انطلاقا من مطارات العاصمة ووهران وقسنطينة. وتحدث عن اتفاقات أخرى ستعقد قريبا دون أن يحددها. ودعا السلطات الجزائرية إلى تمكين شركات البناء التركية من المساهمة أكثر في برنامج إنجاز السكنات. ودعا رجال الأعمال الأتراك إلى تجسيد مشاريع أخرى على غرار ذلك الذي يزوره اليوم بوهران، مشيدا بأداء الشركات التركية في مجال البنى التحتية عبر مشاريعها في الجزائر. من جانب آخر، تطرق اردوغان إلى قطاع السياحة، مشيرا إلى أن عدد السياح الجزائريين الذين زاروا تركيا بلغ 300 ألف السنة الماضية، آملا في أن يزور نفس العدد من الاتراك الجزائر، وهو ماصفق له الحضور كثيرا كتعبير عن موافقتهم على هذه الرغبة. وكان وزير الاقتصاد التركي قد دعا في كلمة ألقاها في أشغال المنتدى السلطات الجزائرية إلى "إزالة العراقيل البيروقراطية" التي تكبح الاستثمارات التركية بالجزائر. وطالب كذلك بتوفير المنظومة التشريعية المناسبة لتمكين رجال الأعمال الأتراك من ولوج السوق الجزائرية، مشيرا إلى أنه تم تقديم مسودة لاتفاقية ثنائية لتسهيل الاستثمارات. وذكر وزير الصناعة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وترقية الاستثمار، السيد شريف رحماني، من جانبه، بأن الجزائر هي أول شريك لتركيا في إفريقيا، وأنه منذ زيارة أردوغان للجزائر في 2006 تضاعف حجم الاستثمار بمرتين، معبرا عن تفاؤله بأن يتصاعد منحنى التبادلات بين البلدين، لاسيما عبر توقيع عدد من الاتفاقات في الأيام المقبلة في قطاعات البنى التحتية والصناعة البرتوكيماوية والنسيج. وحسب بوعلام مراكش، رئيس الكنفدرالية الجزائرية لارباب العمل، التي أشرفت على تنظيم منتدى رجال أعمال البلدين بالتعاون مع جمعية الصناعيين ورجال الأعمال المستقلين التركية، فقد تم الانتهاء من تحضير 10 مشاريع شراكة بين البلدين يرتقب التوقيع عليها قريبا، تخص قطاعات البنى التحتية والصحة والصناعة. وقال المصدر إن المؤسسات الجزائرية تبحث من خلال هذه المشاريع عن "إقامة شراكة حقيقية تقوم على أساس الربح المتبادل مع ضمان تحويل التكنولوجيا والخبرة والتكوين" وهي العناصر التي تحتاج إليها حاليا المؤسسات الجزائرية لعصرنتها وارتقائها إلى المعايير العالمية. ونفى أن يكون لقاعدة 49/51 أي تأثير أو أن تشكل عائقا أمام الاستثمارات الأجنبية بالجزائر، باعتبار أن الشريك يبحث عن "الربح" وهو متاح في السوق الجزائرية. أما عن إمكانية استثمار رجال أعمال جزائريين بتركيا، فأشار إلى أن الأمر حاليا غير مطروح لغياب إطار قانوني يسمح بذلك. ويرغب الجانب التركي من خلال استثماراته في الجزائر ليس فقط في اقتحام السوق الجزائرية وإنما كذلك في دخول أسواق عربية وإفريقية وحتى أوروبية أخرى، بالنظر إلى توفر الامكانية لذلك بفضل اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الاوروبي وكذا اتفاقية التبادل الحر مع البلدان العربية. وهو ماشدد عليه رئيس منتدى رؤساء المؤسسات، رضا حمياني، الذي قال إن العلاقات الثنائية بين الجزائر وتركيا توجد في أحسن حالاتها وهو ماتدل عليه الارقام التي تشير إلى تطور حجم المبادلات ب10 بالمائة سنويا وتواجد 575 شركة تركية بالجزائر. وعبر حمياني عن الرغبة في استقبال استثمارات تركية أخرى لاسيما خارج قطاع المحروقات، وذلك عبر الشراكة التي تفتح المجال أمام تصدير المنتجات إلى بلدان أخرى باستغلال "الشبكات القوية للتصدير" التي تمتلكها المؤسسات التركية. وأكد حاجة الجزائريين إلى خبرة الاتراك وتجربتهم في تطوير القدرات الانتاجية وإدماج وتنويع الاقتصاد الوطني وكذا إنشاء صناعة تنافسية تنتج بالمعايير الدولية، معتبرا أن اختيار الاتراك كشركاء لم يأت من فراغ. كما لم ينس التذكير بأن جاذبية الاقتصاد الجزائري لاشك فيها بالنظر إلى عدة عوامل. من جانبه، قال رئيس جمعية الصناعيين ورجال الاعمال المستقلين أن مستوى التعاون الراهن بين البلدين غير كاف، وأن هناك رغبة في دعم التعاون الثنائي ومد جسور لتحقيق المصالح المشتركة.