عوامل تكامل استراتيجيات إصلاح المنظومة التربوية والطموحات الأسرية في تربية المراهق، كان موضوع يوم دراسي نظمه مؤخرا مخبر الأسرة والتنمية والوقاية من الانحراف والإجرام بجامعة بوزريعة ”2”، ناقش فيه المشاركون إشكالية الإصلاحات التي أُدخلت على المنظومة التربوية ومدى استجابتها لتطلعات الأسر، تحديدا في تربية المراهق الذي يعيش حالة نفسية مضطربة خلال هذه المرحلة الحساسة من عمره. تحدثت مديرة مخبر الأسرة والتنمية والوقاية من الانحراف والإجرام الدكتورة صباح عياشي ميموني، عن سر اختيار هذا المحور فقالت: ”يعود سبب اختيار موضوع إصلاحات المنظومة التربوية والطموحات الأسرية إلى الارتباط الوثيق بين الأسرة والمؤسسة التعليمية، من أجل هذا ارتأينا تنظيم هذا اليوم لعرض مجموعة من الدراسات العلمية، التي تكشف الدور الحقيقي للأسر، ولتسليط الضوء على أهمية الإصلاحات المبرمجة في خدمة المتمدرس، وتحديدا المراهق الذي يحتاج إلى تفهّم خاص”. من جهته، ثمّن الدكتور صالح خنور رئيس جامعة بوزريعة ”2” الاختيار الموفَّق للموضوع، حيث قال: ”ما أحوجنا إلى التكثيف من هذه الملتقيات العلمية والأيام الدراسية لطرح إشكالات تُعنى بالمجتمع، وتحديدا تلك المتعلقة بالمنظومة التربوية التي تقع في صلب البرنامج التنموي لأي دولة”. وأضاف المتحدث: ”العناية بالمنظومة التعليمية يترجم، بطريقة أو بأخرى، طموحات الأسر، فما نعيشه اليوم من تغيرات وتحديات يدعونا إلى الاهتمام، بشكل أفضل، بالمنظومة التعليمية التي تُعتبر حاضنة للذهنيات والأخلاقيات، وفيها تنشأ تربية الأجيال، وعليه فالعلاقة تكاملية بين الأسرة والمؤسسة التعليمية، الأمر الذي يقودنا إلى وجوب الاهتمام بالتوصيات التي تصاغ في هذا اليوم لتطبيقها على الواقع”. عرض ممثل عن وزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة، المجهودات التي تبذلها الوزارة في سبيل تأمين الحماية للأطفال؛ حيث قال: ”عند الحديث عن دور المؤسسات التعليمية في احتواء الأطفال يقودنا هذا للحديث عن المؤسسات المتخصصة التي وضعتها الوزارة للتكفل بالأطفال الجانحين وعددها 46 مؤسسة وإن كان البعض ينظرون إليها على أنها مؤسسات عقابية، نتحدث كأعضاء بالوزارة عن الدور المهم الذي تلعبه هذه المؤسسات في إعادة تقويم سلوك الجانحين وتسهيل اندماجهم بالمجتمع”. وأشار المتحدث أيضا إلى الدور الذي تلعبه ثلاث مؤسسات منها خصيصا لفائدة الأطفال، و32 مؤسسة تستقبل الأحداث الجانحين، و9 مراكز لاستقبال الأطفال في حال خطر معنوي، وخمسة مراكز أخرى تقدم خدمات متنوعة، ناهيك عن وجود العديد من المصالح التي تنشط على مستوى مديريات النشاط الاجتماعي عبر 48 ولاية. لا يقتصر دور هذه المراكز، حسب ممثل وزارة التضامن الوطني، على حماية الأطفال المراهقين تحديدا، وإنما استفادتهم من العديد من البرامج التعليمية والتثقيفية، التي تمكّنهم من الاندماج الأسري. ويواصل المتحدث قائلا: ”هذا العمل غير كاف؛ إذ لا بد من تضافر جهود كل القطاعات لرسم سياسة واضحة للتكفل بالأطفال عموما، والمراهقين تحديدا؛ على اعتبار أن هذه الفئة تحتاج إلى عناية خاصة، الأمر الذي يقودنا إلى القول إن الاكتفاء بإصلاح المنظومة التربوية يظل غير كاف في ظل ضعف العمل التنسيقي بين كل القطاعات”.من جهتها، استعرضت خيرة مسعودان عميد أول بالمديرية العامة للأمن الوطني، واقع الطفولة الجانحة في الجزائر، وقالت: ”نعيش اليوم أزمة أخلاقية، وما زاد الطينة بلة غياب الحس المدني الذي حلت محله ثقافة )تخطي راسي (، إلا أن ما يبعث على الارتياح مطلع هذه السنة، هو أننا لم نسجل الكثير من حالات جنوح الأطفال؛ حيث سجلنا خلال الأشهر الأربعة الأولى من سنة 2013، ما معدله 2438 حدثا متورطا على المستوى الوطني بمختلف الأفعال، على رأسها السرقة. وبالمقارنة مع السنة الماضية سجلنا تورط 7869 حدثا، منهم 273 فتاة”. وأضافت قائلة: ”تحدث الجرائم الخاصة بجنوح الأطفال عموما بالولايات الكبرى، وتحديدا بالعاصمة ووهران، من أجل هذا وضعت مصالح الأمن الوطني سياسة وقائية شاملة، جسّدتها أعمال الفرق المنتشرة عبر مختلف الولايات، والتي تقدَّر ب 50 فرقة، هدفها مكافحة جنوح الأطفال، الذين باتوا يرتكبون ضد بعضهم البعض بعض الأفعال الإجرامية لأبسط الأمور!”. لا يدعو جنوح الفتيات إلى القلق، حسب مسعودان، التي قالت ”إنه بالنظر إلى الإحصائيات المسجلة في الأشهر الأربعة الأولى من سنة 2013، سجلنا تورط 89 فتاة فقط؛ ما يعني أن الأسر بمجتمعنا لاتزال محافظة. وفيما يخص الأفعال التي ارتكبها الأطفال الجانحون والتي أفضت إلى الوفاة فلم تتعد الحالتين خلال هذه السنة، غير أن ما ينبغي دق ناقوس الخطر بشأنه هو تنامي ظاهرة التعدي على الأصول؛ ما يدعونا إلى القول إننا حقيقة نعيش أزمة أخلاقية إذ سجلنا مطلع هذه السنة 23 حالة تعدٍّ على الأصول، أما فيما يخص تعاطي وترويج المخدرات بالنسبة للأحداث، فقد أحصينا تورط 105 حدث خلال الأشهر الأربعة الأولى من السنة الجارية”.وفي ردها على سؤالنا حول ما إذا كان الأحداث الجانحون متمدرسين، جاء على لسانها أن الإحصائيات أثبتت ارتكاب بعض الأحداث المتمدرسين لبعض الأفعال الإجرامية أو غير الأخلاقية في حق زملائهم أو أصدقائهم، غير أنها مقارنة بالأفعال المرتكبة من الأحداث غير المتمدرسين، تظل قليلة؛ ”الأمر الذي يدعونا إلى المطالبة بإعادة تفعيل دور المؤسسات التربوية”. من جهتها، سلّطت ربيعة خروف أستاذة بعلم النفس، الضوء، في مداخلتها التي جاءت تحت عنوان ”دور الأسرة والمؤسسة التعليمية في تفعيل ممارسة المراهق لحقوقه”، على إشكالية وجوب أن يعي الأطفال ما لهم من حقوق في سن مبكرة، ليتمكنوا من فهمها وتفعيلها في سن المراهقة؛ حيث قالت: ”أحمّل الأسرة؛ كونها الخلية الأولى التي يترعرع فيها الطفل، مسؤولية عدم وعيه بعض حقوقه وعدم معرفته لكيفية ممارستها؛ الأمر الذي يجعل المؤسسة التعليمية غير قادرة على تبليغها له في مرحلة المراهقة؛ حيث يصعب فيها السيطرة على تصرفاته عندما يعيش جملة من التغيرات الفيزيولوجية”. من بين التوصيات التي شدّدت عليها المتدخلة وجوب توعية الأسر الريفية تحديدا بكيفية تلقين الأبناء جملة من الحقوق في سن مبكرة، كالحق في التمدرس والتعبير عن الرأي بكل حرية، ناهيك عن ضرورة تأمين الوسائل للأمهات العاملات، ليتسنى لهن تربية أبنائهن في أجواء مريحة. وفيما يخص الحياة المدرسية، لا بد من إعادة إحيائها بإدراج جملة من الأنشطة الثقافية على غرار المسرح والأنشطة الرياضية التي تحبب الأطفال في مدارسهم، أو من خلال خلق جمعيات، يكون فيها للمتمدرس دور فعال يتعلم فيها معنى الواجب والحق وكيفية ممارسة هذا وذاك.