الحمّام الشعبي، طاجين الحلو، البوقالة والبابي فوت يوميات عنابية ماتزال تقاليد العائلات العنابية في رمضان حاضرة بقوة رغم غياب بعض الطقوس التي كان لها وقع خاص على النفوس والأجيال، منها إقامة السهرات والقعدات مع أبناء الجيران بعد الإفطار، وإقامة الخيم الرمضانية، ليتم فيها تنظيم فعاليات ثقافية وأخرى اجتماعية، حيث تنطلق التحضيرات أسبوعا قبل حلول الشهر الفضيل، منها إعادة طلاء المنازل، وتنظيف الغرف إلى جانب ذهاب النسوة إلى الأسواق الشعبية لاقتناء الأواني الجديدة كفأل خير للعائلة. تُعتبر شوربة الفريك سيدة المائدة الرمضانية العنابية، وتُعرف بالجاري. وتحضّر السيدات الفريك بطريقة تقليدية، حيث يتم جلبه من المزارع، وهو عبارة عن قمح طري مشبع بالرطوبة يتم تحميصه وغربلته، ثم درسه بواسطة الطاحونة التقليدية، ويُحفظ في أوان فخارية. كما تفضل أغلب العائلات شراء كبش أو عجل لذبحه احتفالا بالشهر الكريم، حيث يجتمع أهل الحي لاقتسام الأضحية وتوزيعها على المشاركين بالعدل، ويطلق على العملية اسم “النفقة”. ويتم في أغلب الأحيان توزيع جزء منها على الفقراء والمساكين.
الحمّامات الشعبية قبلة السكان يوماً قبل رمضان تعرف الحمّامات الشعبية بعنابة إقبالا واسعا من طرف العائلات لاستقبال الشهر الكريم؛ تحضيرا للصيام والقيام بالشعائر الدينية، حيث يعرف حمّام العقبة وسط المدينة العتيقة، توافدا قويا للسكان؛ باعتباره الحمّام الوحيد الذي يتوفر على أهم الطقوس والعادات العنابية، منها حرص صاحبه على تطهير المكان من خلال وضع البخور والطيب. وتجتهد العائلات ليلة رمضان في توفير مستحضرات خاصة منها العطور، كما تضع المسنات والأطفال الصغار الحنة، وذلك لجلب الخير والرزق إلى المنطقة.
مآذن تصدح بالقرآن وأطفال يصومون لأول مرة إن زائر بونة هذه الأيام سيلاحظ أن أغلب المساجد زُينت بالفوانيس والأضواء وأعيد ترتيبها الداخلي، حتى الواجهات التابعة لها والمطلة على البحر، تم طلاؤها من طرف مصالح بلدية عنابة، والتي خصصت نحو 300 مليار سنتيم من أجل تهيئة 24 مسجدا وترميمها وفتحها للصلاة والذكر وتلاوة القرآن الكريم، فأغلب المساجد تصدح مآذنها بالقرآن الكريم. وخلال جولتنا بالمدينة اتجهنا نحو جامع أبومروان الشريف، فوجدنا شيخه قد حضّر قاعة خاصة للذكر وتعلم القرآن. وقد تم تسجيل نحو 800 طفل لتعلّم القرآن وتلاوته، وذلك تحضيرا للمسابقة الرمضانية التي ستقام بباحة الجامع ليلة ال27. وحسب الشيخ فإنه تم اختيار مسجد أبومروان الشريف؛ لأنه أقدم جامع بمدينة عنابة ويحمل فسيفساء إسلامية، حيث يشعر الزائر بأنه تائه بين تاريخ يحكي عن قيمة هذه المنشأة الدينية، والتي مازالت لحد الآن قبلة للعلماء والدعاة من كل بقاع العالم، خاصة أن بونة ستعرف، لأول مرة، مهرجانا خاصا بتعليم القرآن الكريم. من جهتها، مديرية الشؤون الدينية استقدمت أئمة من منطقة الجنوب، لإنجاح فعاليات الشهر الكريم وأداء صلاة التراويح وتنظيم حلقات الذكر والاستماع للدروس والمحاضرات الدينية، التي عادة ما تدور حول أفضال الشهر الكريم وآداب الصوم. وتستغل العائلات هذا الشهر الفضيل لتدريب أطفالها على الصيام لأول مرة، وذلك من خلال اصطحاب الآباء إلى المساجد وأداء صلاة التراويح لأول يوم من رمضان والصيام في نفس الوقت. وتقدَّم الهدايا للصغار، وذلك للتعبير عن فرحة الآباء بقوّتهم وتشبّثهم بالدين الإسلامي ومحبة نبينا محمد صلوات الله عليه، وتُخضب في نفس الوقت يد الفتاة التي تصوم لأول مرة بالحناء. تتمسك العائلات العنابية في أول يوم من رمضان، بطاجين الحلو، والذي يُعتبر أهم طبق بعد الشوربة. وحسب لطيفة معلمة في الابتدائي، فإن طاجين الحلو ضروري في اليوم الأول لتكون كل أيام رمضان حلوة، والذي يتكون من البرقوق والمشمش والزبيب، مضيفة أن الطاجين الحلو قد يكون “شباح السفرة”، المصنوعة أساسا من اللوز، أو طاجين “حاجب وعوينة”، وهو خليط بين المشمش المجفف والبرقوق. تنوع المائدة الرمضانية بين الحلو والمالح ميزة المدينة العتيقة، حيث يكون البوراك العنابي المعروف بنكهته الخاصة، والذي لا تتقن صنعه سوى المرأة العنابية؛ نظرا للوصفة السحرية الخاصة في تحضيره التي ورثتها عن الأجداد. عند الإفطار توضع مائدة كبيرة في صحن البيت، وتجتمع عليها العائلة بعد أن تفرش الباحة بالزرابي. ويجلس سيد المنزل عند رأس المائدة لتفقّد أبنائه ساعة قبل صلاة المغرب بعد أن تقوم الفتيات بتحضيرها على الطريقة التقليدية. كما تحضر طول الشهر كسرة الرخسيس أو خبز الدار المشبّع بماء الزهر، بالإضافة إلى أطباق السلطة والحميس.
البابي فوت والمحشاشة والبوقالة ملجأ الشباب بعد الإفطار تستمر السهرات الرمضانية ببونة العتيقة حتى بعد السحور، حيث تتنوع جلسات العائلات، فالرجال يتجهون إلى المساجد لتأدية صلاة التراويح، أما الشباب فوجهتهم المفضلة هي المقاهي وواجهات البحر والشواطئ لتناول المثلجات والاستمتاع بالجولات البحرية في القوارب، فيما يفضّل آخرون المكوث بها وهي راسية في عرض البحر. آما العائلات فتفضل الجلوس أمام الشاطئ والتمتع بنسمات البحر لكسر الرتابة والهروب من لسعات الناموس. ويجتهد بعض البطالين خلال شهر الصيام، في نصب المحشاشات، وهو المكان الذي يقضي فيه شباب الأحياء ليالي رمضان بلعب “البابي فوت والدومينو والكارطة”، وهي الوسيلة التي ابتكرها البطالون لتوفير مصروف الجيب. النساء بالأحياء الشعبية يفضّلن البقاء في الحوش؛ حيث توضع مائدة كبيرة وعليها صينية الشاي والمكسرات والمشروبات الغازية وأطباق خاصة بالزلابية وحلوى الشامية، تجتمع عليها الجارات وتتقدمهن امرة مسنة تدعى لالة، وتفضل الفتيات الجلوس مع العجوز ليتعلمن منها الحكمة وكيفية العيش في هذه الحياة المليئة بالمفاجآت، حيث يكون إناء النحاسي حاضرا، وفيه يوضع ماء الورد والحنة والبخور، وفي هذه الأثناء تطلق لالة فأل الخير، وكل فتاة تعقد منديلها أو طرف فستانها، وتنتظر أي كلمة تطلقها أفواه المارة، ومنها تعرف العزباوات مصيرهن في الزواج.
فتح مطاعم الرحمة والتضامن تم هذه السنة فتح نحو 20 مطعما للرحمة، موزعة على مستوى البلديات الكبرى، منها عنابة والبوني والحجار، وفيها تتنوع الأطباق التقليدية وتقدم للفقراء والمحتاجين، إضافة إلى الإفطار الخيري الذي تقدّمه الجمعيات والمتطوعون، فالكل بعنابة يجتهد في فعل الخير والتصدق على العائلات البسيطة. كما يتم فتح دار الإنسانية لجمع المتشردات، اللواتي يعشن في شوارع المدينة. وتجتهد رئيسة الدار في توفير مختلف الأطباق العنابية لخلق جو عائلي لنزلاء هذه الدار، كما يتم خلال هذا الشهر ختان أبناء الفقراء في ليلة النصف والاحتفال بليلة القدر.