استعرض الخبير الدولي الدكتور يحيى بكلي مؤخرا، بالمركز الثقافي الإسلامي، مدى أهمية تأهيل المجتمع؛ أفرادا ومجموعات، للتكيف مع عصر المعلوماتية. تَقدّم مدير المركز الإسلامي الدكتور عمر ابراهيم باقولولو، مرحّبا بالضيف ومشيدا بمساره الأكاديمي خاصة على المستوى الدولي، مشيرا إلى أنه متخصص في علم المكتبات وخبير ذو تخصصات متعددة. استهل الضيف محاضرته باستعراض أهمية المعلومات؛ باعتبارها العمود الفقري لأي مجتمع؛ فهي محور كل التعاملات، لذلك أصبح العالم اليوم يُعرف بمجتمعاته المعلوماتية، ودخلت بعض الدول هذا المجال منذ سنوات طويلة منها الولاياتالمتحدة، وهناك دول أخرى دخلت حديثا كالجزائر، لكن ما يهم هو أن كل العالم اليوم مدمج في عهد المعلوماتية ولكن بدرجات (بعد المجتمعات الزراعية، ثم الصناعية). وتعمل الدول اليوم للسيطرة على المعلومة، وبالتالي استغلالها في التنمية أو في استراتيجية ما، وهذا أمر يتطلب الجاهزية والتوظيف اللازم. تطرق المحاضر لموضوع «تهيئة المجتمع لاستيعاب المعلومة»، وهذا ينعكس علميا على فكرة مدى جاهزية المجتمع لاستيعاب المعلومة، ويسمى أيضا بمحو الأمية المعلوماتية. واستعمل المحاضر منهجية «كيبلينغ» (ماذا؟ من؟ لماذا؟ متى؟ وكيف؟)، فمثلا سؤال ماذا؟ قصد به المصطلح؛ أي المعلومات، وهي الوعي المعلوماتي أو الثقافة والمهارة المعلوماتية. من جهة أخرى، أكد أن محو تكنولوجيا المعلومات (خاصة تقنيا) هو جزء من عملية محو أمية المعلومات عموما. كما استعرض المحاضر تجربة بلدان شمال أوربا، التي لم لم يعد الآن هاجسها أمية المعلومات، بل تعمل على تدريب الناس على الشبكات الاجتماعية (الفايسبوك مثلا) وعدم خلطها، مثلا، بعقلية النت أو الشات. أكد الدكتور بكلي أن تعريفا قدمته جمعية المكتبات الأمريكية، أصبح هو المعتمد، جاء فيه أن المقصود بمحو أمية المعلومات هو القدرة على تحديد الاحتياجات المعلوماتية، وهي: مكان المعلومة، غربلة مصادر المعلومات، معرفة توظيفها في الحياة؛ أي في الأداء اليومي، ما عدا ذلك فإن لا شيء يتغير إذا لم يعرف الشخص كيف يوظّف المعلومة. كما يجب أن تكون للفرد أدنى ثقافة في الجوانب التكنولوجية والقانونية والاقتصادية، مما يجعل الفرد مواطنا متحضرا وصالحا، علما أن هذا الأخير هو ذلك الشخص الذي ينتج المعلومات المفيدة. من جهة أخرى، أشار المحاضر إلى أن عهدي الزراعة والصناعة همّشا بعض الفئات الاجتماعية، لكن عهد المعلوماتية أعاد لها دورها الفعال، خاصة بالنسبة للمرأة والمعوّق؛ إذ باستطاعتهما تطوير برامج ذكية تُكسبهما أموالا كثيرة دون أن يغادرا البيت، وهو ما يحدث اليوم في الدول الكبرى خاصة بالولاياتالمتحدة، مؤكدا في هذا السياق أن الجزائر ستحذو نفس الحذو؛ فليس لها خيار آخر، فهي في طريقها إلى تحقيق مجتمع المعلوماتية، وذلك يكون وفقا للجهود المبذولة وكذا توظيف المعلومات. في سياق محاضرته، أكد الدكتور بكلي أن توظيف المعلومات دعا إليه أمرسون بالولاياتالمتحدة في 1840، حيث اقترح على المعلمين جمع المعلومات في المدارس وتعليم الناس كيفية الحصول على المعلومة واستخدامها وإيصالها للآخرين. وبعدها بقرن من الزمن، جاء بول زيركوفسكي سنة 1974، بمصطلح «محو الأمية المعلوماتية» (الولاياتالمتحدة)، وكان ذلك ضمن اقتراح للجنة الوطنية الأمريكية للمكتبات والمعلومات. واعتبر هذا العالم الأمريكي أن من عنده المعلومات والمهارات قادر على خلق الثروة وتحقيق التنمية. فكرة أخرى استعرضها المحاضر خاصة بتمكين الناس من مواجهة «الانفجار المعلوماتي»، فمثلا متخصص في الطب يبحث عن معلومة في القرحة المعدية، يكتشف على محرك البحث 100 ألف مقال طبي عن القرحة، يتطلب فحصها 13 سنة؛ بمعدل 11 ساعة يوميا، كذلك الأمر بالنسبة للبحث عن وصفة واحدة للأكل، تعطيك ملايين الوصفات لطبخة واحدة، وهكذا، وهذا يتطلب حلولا فنية؛ تجنبا للضياع، وهناك أيضا فكرة ردم الفجوة بين أغنياء وفقراء المعلومات، وهو مبدأ تبنّته اليونسكو. أما فيما يتعلق بالتعلم الذاتي (عصامية التعليم)، فقد عاد إلى الواجهة، وحققت فيه بعض الدول كسنغافورة، نتائج مذهلة فاقت نتائج الولاياتالمتحدة، كما أن التعلم الذاتي أُدرج في المنظومات التربوية المتطورة، لإعطاء فسحة للطلاب وقدرة على التقاط وتوظيف المعلومة وغربلتها. بالنسبة للجزائر، أشار المحاضر إلى أن مقاهي الأنترنت ومنذ 2005، كان لها دورها في استقطاب الجمهور ومحو أميته المعلوماتية. وبحسب رسالة دكتوراه أنجزها في هذا الموضوع، تَبين له أن الجمهور يعرف مقاهي الأنترنت ويجهل المكتبات العامة، فالجميع حتى المتقدمين في السن، يتوجهون فقط إلى هذه المقاهي للحصول على المعلومات خاصة بعدما فتحت هذه المقاهي فترات تدريبية مقابل أموال لتكوين الجمهور. وبسبب إقبال الجمهور على مقاهي الإنترنت، كما وضحه المحاضر، فرضت نفسها كحل لمشكلات الناس، ودخلت مباشرة في منظومة المجتمع، ومع ذلك، حسب المحاضر دائما، تبقى مقاهي الأنترنت ذات طابع تجاري ربحي، أما التكوين والتوجيه فهو من مهام المكتبات العامة. في الجزائر الكثير من أخصائيي المكتبات والمعلمين والشركات، لكن هل كل هؤلاء واعون بضرورة صناعة جيل في المعلوماتية؟ المحاضر ذكر بعض الأمثلة التي عاشها في الجزائر عندما كان أستاذا بجامعة الجزائر، وكيف كان يوجه طلبته إلى مصادر المعلومات الموثوقة بدل اعتمادهم على مصادر سهلة وسطحية، كذلك احتكاكه ببعض الجمعيات التي تستشيره، منها جمعية بتيزي وزو أرادت مكافحة الفقر والتسول، وأخرى مساعدة المرضى لكنها كانت تفتقر للمعلومات، مما أعاق مهمتها، كذلك جمعية أرادت استقبال معلّمات القرآن ولم تعرف كيفية اللجوء إلى البحث، وهكذا. كما نوّه المحاضر بدور الصحافة والإعلام في نشر المعلومة وكذا إدارة العلاقات العامة في المؤسسات.