أحيت جمعية مشعل الشهيد، أمس، بمقر جريدة "المجاهد"، الذكرى الثانية لرحيل المجاهد الشيخ، عبد الرحمن شيبان، حضر الذكرى جمع غفير من رفقاء الراحل ومن الأساتذة وكذا أفراد أسرة شيبان، الذين قدم بعضهم شهادات حية عن مسيرة هذا العلامة الجليل. افتتح اللقاء السيد محمد عباد، رئيس جمعية مشعل الشهيد، الذي أكد في كلمة ألقاها بالمناسبة، أن اللقاء يندرج ضمن الاحتفالات بالذكرى ال50 للاستقلال، وهو اعتراف برموز ورجال الدولة الجزائرية، علما أن الجمعية حرصت ضمن "منتدى الذاكرة" على استحضار ذكرى المجاهد شيبان رفقة مجموعة من رفقائه وعائلته ليطلب من الحضور قراءة الفاتحة على روحه الطاهرة. أول المتدخلين كان الشيخ الطاهر آيت علجت الذي أشار إلى أن شيبان غني عن أي تعريف، إنه صاحب المواقف العظيمة، مستحضرا منها موقفه اتجاه الشيخ الابراهيمي في الستينيات حينما قال "إن الإساءة إليه تعني الإساءة للشعب كله" إضافة إلى موقفه من المعلمين الأحرار الذين أنصفهم ورد إليهم حقوقهم وغيرها من المواقف. الراحل -حسب الشيخ آيت علجت- يتمتع بصفات طيبة منها "الأريحية" (من الراحة) التي يوفرها لمن حوله فهو لا يصدر منه إلا الإحسان حتى حين يعاقب فهو يعاقب بالمدح ورفع مكانة المعتدي ليجعله يحس بخطئه دون عنف وقد كان يقول رحمه الله "أنا أمضغ ولا أبلع". أما الأستاذ جدواني فأكد أن علاقته بالراحل شيبان تمتد إلى 60 سنة خلت بدأت حينما كان طالبا بمعهد الإمام ابن باديس بقسنطينة، افترقا عن بعضهما عند اندلاع الثورة التحريرية ليلتقيها مجددا مع الاستقلال بوزارة التعليم ثم بالمكتبة الوطنية، حيث عملا على تحضير ملتقيات الفكر الاسلامي التي اشتهرت بها الجزائر في أرجاء العالم الاسلامي لاستضافتها لأكبر العلماء وبمواضيع راقية كان يختار أكثرها الشيخ شيبان، وبعد تقاعد جدواني استدعاه شيبان للعمل معه في جمعية العلماء المسلمين. أشار المتحدث إلى أنه كان دوما متابعا وقارئا جيدا لما كتبه شيبان خاصة في جريدة "البصائر" التي جعل منها منبرا للدفاع عن الهوية والوطنية الجزائرية، هكذا عمل الأستاذ جدواني على جمع ما كتبه الراحل في 6 كتب وهي "حقائق وأباطيل" بها مقالات شيبان منذ أن كان طالبا في الزيتونة في الأربعينات وكتاب "الأسرة المسلمة وتحديات العصر" و«من هدي الاسلام" الذي كتب مقدمته أحد أعمدة جمعية العلماء وهو الهادي الحسني القاسمي وكتاب "الجزائر وفلسطين بين قوة الحق وحق القوة" الذي كتبه رئيس الجمعية الحالي الدكتور عبد الرزاق ڤسوم وكتاب "في موكب الثورة" الذي كتب مقدمته الأستاذ محمد الصديق وكتاب "سوانح في الفكر والأدب والسياسة" وهو آخر إصدار كتب مقدمته جدواني كما أكد المتحدث أن العديد من كتابات الشيخ لا تزال موزعة في المكتبات سيعمل على جمعها مستقبلا منها مقالاته في جريدة "المقاومة" بتونس. وبالمناسبة، أهدى المتحدث هذه الكتب لجريدة "المجاهد". فتح بعدها باب الشهادات وكانت الأولى لشقيق الراحل الدكتور السعيد شيبان الذي استعرض ذكريات المسيرة العلمية للشيخ منذ الطفولة بقرية الشرفة (العش بقمة الجبل بواد الساحل) أين كان يسير هذا الطفل وشقيقه مدة ساعة للوصول إلى المسجد العتيق بالشرفة، علما أنه كانت بالمنطقة مدرسة ابتدائية فرنسية لكن بها معلم وصف واحد وعبر 35 سنة لم ينجح فيها أحد، ليخصص الطفل شيبان وقته وجهده (من مواليد 1919) لحفظ كتاب الله، في سنة 1931 انتقلت الأسرة إلى منطقة رافور بمشدالة فالتحق هو وشقيقه بمدرسة فرنسية (اولاد ابراهيم) لكن عبد الرحمن شيبان ظل بها سنة واحدة فقط ثم رجع إلى المسجد ثم التحق بزاوية سحنون (أو سحنونن) تدرس بها إطارات متخرجة من الزيتونة. في 1938 انتقل شيبان للدراسة بالزيتونة لكن ظروف الحرب العالمية الثانية أعاقته وجند سنة 1939 لكنه أعفي لضعف بصره وعانى بعد غلق الحدود مع الجزائر نتيجة الحرب لينتقل إلى القيروان ليرجع للوطن سنة 1945 ومكث به سنة مريضا ليستأنف دراسته بالزيتونة في 19477 ويحصل على الشهادة سنة 1948 ليستدعيه البشير الابراهيمي ليدرس بمعهد ابن باديس. أشار الدكتور السعيد شيبان إلى أن الراحل كان يأتي للقرية في عطلة الصيف محملا بالكتب النفيسة من تونس كانت حينها محظورة في الجزائر وتعلم منها الجميع. خلص المتدخل إلى أن مسيرة الراحل العلمية اكتملت بعد الاستقلال ليختار الرجوع لقطاع التعليم ثم يختاره السيد خير الدين من مجلس الثورة حينها للدخول في المجلس التأسيسي الأول. من مآثر الشيخ ما كتبه في البصائر مخاطبا فرنسا "أصبح للجزائر قوة عسكرية ووعي ونهضة". تدخل الأستاذ محمد الصغير بلعلام وأشار في شهادته إلى أن الراحل كان من أعمدة جمعية العلماء خاصة في المجال التعليمي علما أن الجمعية ربت النشء على العلم وعلى الوطنية ودفعت بقوافل من المجاهدين والشهداء للثورة منهم القائد شعباني (كان زميل المتدخل) والعموري والعربي التبسي ورضا حوحو وغيرهم وإطارات بنوا الدولة الجزائرية بعد الاستقلال. يشير المتدخل إلى أن رضا حوحو وصف شيبان قائلا "هو ديموقراطي الفكر، ارستقراطي السلوك"، كان الراحل -حسب المتدخل- عالم دين وشخصية أديب ونموذجا لطلبته في بسطة العلم والجسم صديقا للطلبة، دروسه مفتوحة للنقاش والرأي والمعارضة لذلك كان الجميع يتلهف لحضورها.