ها هي خمسون سنة تمر، وهي بحجم ثمراتها وعثراتها، وما قدم فيها وأخّر، خمسون سنة تمر، ونقول فيها؛ «إن دولتنا أرست معالم كبرى في التربية والتعليم، وعملت على إقامة المؤسسات التربوية، وسعت إلى محو تركة الاستعمار بالفعل والقوة وهي خطوات جبارة، فلا يمكن أن ننكر تلك الجهود التي تصرف على الوزارات المعنية، وقد ظلت السياسة التربوية على مدى خمسين سنة تعمل على تجاوز الصعوبات والأزمات، وتقترح الحلول النوعية، رغم كثرة الإكراهات والمضايقات، ومع ذلك بني بلدنا محطات مضيئة في مسار التربية والتعليم. تلك وخزات ضميرية لمن يرومون التقليص في وقت لسنا بحاجة إلى تقليص، بل نحن في حاجة إلى تدعيم. أولادنا بحاجة إلى التعليم في كثير من الأحوال، بحاجة إلى تكثيف الجهود وتنويعها، بحاجة إلى حملات متتالية في كل الأوقات لاستدراك التأخير، بحاجة إلى تهيئة المدارس أن تشتغل في الحر، في البرد وفي الليل، وعلى صاحب القرار أن يوجد الأرضية لذلك، وما ذلك بعزيز على دولتنا، دولة الخيرات. 3 /13 تكرار إعادة السنوات: تلعب الإصلاحات على أن التلميذ عليه أن يقرأ وجاز له أن يعيد السنة لأكثر من مرة، والمهم أن يبقى التلميذ الفاشل/ الراسب في المدرسة عله ينجح أو ينتقل، دون التفكير في التوجيه الصحيح في مبدأ الأمر، أو توجيهه إلى المهن أو إلى الحياة المدنية أو إلى قطاعات أخرى. فمن المهازل الكبيرة أن نجد في بعض الثانويات أساتذة بعمر يقرب إلى عمر الطلاب، لأن قانون الثانوية يسمح للتلميذ بتكرار الإعادات حتى إذا بلغ به العمر عتيا، وهذا غير طائل في المنظومات التربوية العالمية. جميل أن نعطي الفرص لأولادنا في تكرار السنة مرة واحدة لبعض الذين عثروا، أما أن تكون قانونا مكتسبا، فهذا مخل بأداء عمليات التربية والتعليم. تعليق: صحيح لا يمكن أن نعلق كل هذا الفشل أو هذه المشاكل على المدرسة وحدها، ولكن تتحمل المدرسة الجزء الكبير منها، فهي العلامة البارزة على النجاح أو الفشل مثلما يوجد لدى الأسيويين الناجحين، إلا أن مسؤولية الفشل تساهم فيها سلسلة من القطاعات، بشكل من الأشكال، وهكذا يتطلب الإصلاح تفعيل الوزارات والقطاعات، وضرورة تدخل القطاع الخاص في التمويل وإنقاص التكلفة عن كاهل الدولة مع ضمان تشغيل متخرجين بدون تأهيل، وضرورة انخراط الآباء والمسؤولين والأئمة ومختلف الشرائح في تفعيل حراك المدرسة. ومن هنا نقر بأن المدرسة الجزائرية ليست على ما يرام، ومؤشرات المشهد التعليمي تشير إلى أن أوضاع المدرسة ليست في مستوى التطلعات، وإن الإصلاح التربوي من رهانات العصر، ولا بد أن يكون، ولا بد من تغيير نمط النظر إلى منطق المادة الدراسية وإلى تدبير الكفايات المرتبطة بالمادة الدراسية في العمق والشمول والتوازن، ولابد من المسالمة عند الضعف والمسابقة عند القوة، وليس حكم المسابقة ناسخا لحكم المسالمة، بل كل منهما يجب امتثاله في مكانه وفي سياقه، يعني لابد من الحزم والصرامة. وفي هذا المجال، أضيف بندا يتعلق بضعف النظام التربوي من داخله، حيث نجد الكثير من المعلمين المتقاعدين يتوجهون بعد تقاعدهم إلى أعمال تجارية أو رعوية لا ترتبط بتاتا بما له علاقة بالتعليم، مثل التدريس في المدارس الخاصة/ التعاقد مع الشؤون الدينية/ فتح مكتبة/ قرطاسية/ التفرغ للبحث وإنتاج المعارف التربوية... وجدت أنهم يحملون أفكارا غير تلك التي كانوا يعلمون أثناء العمل، فليس همه البحث أو الاستمرار في التخصص وإنتاج المعرفة في الميدان الذي قضوا فيه اثنين وثلاثين (32) عاما يلبسون المئزر الأبيض، ويدعون إلى التحلي بصفات النبل، وعدم الوقوع في تفاهات المال، والمثالية في الإنضباط، وكثرة العزف على خدمة الوطن... معلمون في حالة يرثى لها، تراهم في ترهل كأنهم عجزة غابرون مكتهلون في شبابهم، لايهمهم إلا العطل والحساب للوقت الذي يدخل فيه الراتب، فلا يهمهم أمر التلميذ بتاتا، والحمد لله فهم ليسوا كُثرا، ولكنهم مؤثرون في المحيط التربوي، بل يعملون على إسباغ الرداءة على القطاع التربوي. وهذا كله تترجمه الحمولة الثقافية التي كانت المدرسة تعطيها له، وهو متعلم ومعلم، فقناعاتهم الحالية غير قناعاتهم الماضية، والغريب أن متقاعدين في الوزارات الأخرى يورّثون أماكنهم لأبنائهم حبا فيها وفي مهنتهم، وإن عملوا بالساعات الإضافية، فإنهم يعملون في نفس القطاع الذي تقاعدوا منه، وهذا كله يعني أن الإصلاح لم يساهم في غرس حب المهنة، وحب تقديس العلم ومهنة المعلم، ومداد العلماء الذي يقاس بدم الشهيد، وأين: قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا أرأيت أشرف وأجل من الذي يبني أنفسا وعقولا؟ وأرى هذا القول ما هو إلا شعار، فإن أصحابه يرددونه ويعزفون عليه، ويطبقون شيئا آخر، فمن مطبات المناهج الدراسية المعاصرة أنها لم تنشغل بعمق المسائل الروحية، بل بقيت تعمل على الترقيع في هامش الأمور وتنظر للعلوم فقط بصورة براقة على أنها كل شيء، وبذلك كانت تقدم حلولا عجفاء في ظل غياب إستراتيجية صحيحة تربط بين المادة والروح. وأمام هذا الأمر الجلل، فالمدرسة الجزائرية بهذه الوضعية في خطر، فالحق أقول: إن المستوى اللغوي الذي كانت عليه في السبعينيات أفضل بكثير مما هي عليه الآن، فهل يدري المسؤولون أننا نكوّن أميين في كل اللغات، وهل يعلم من يهمه الأمر أن التدهور يزداد سنويا، وهل نعلم بأن أبناءنا يتخرجون من الثانويات فلا يعرفون كتابة رسالة أو ملء صك بريدي، وهل ندري أننا ندري بهذه النقائص، وندري أننا على شفا جرف هاو، ونحن لم نعمل على إنقاذ المدرسة التي هي وجه البلد، وهل وهل وهل... فهل من حلول تنقذ المدرسة الجزائرية من الخطر؟ ذلك ما بصُرت به من خلال إنتاجي لبعض الأفكار الاستعجالية أو الحلول الإجرائية التي أراها صالحة لوقف تدهور الوضع إلى ما هو أخطر، وإليكموها: 4- الحلول؟ إن هذه الاختلالات هي أعراض إشكاليات أعمق تستدعي من الوزارة ومن المختصين الانكباب عليها ودراستها بعمق، ذلك أن الإصلاح يتطلب تشخيصا دقيقا، وفي ضوء التشخيص تتحدد مكامن الخلل، والذي يتعين الإنتقال إلى الفعل باتخاذ تدابير لازمة لإعطاء نفس جديد للإصلاح. إصلاح يقوم على المشاريع والنتائج لا على المراسيم والقرارات العمودية، وجعل التعليم واحتياجاته في قلب الإصلاح، واعتماد نظرية فلسفية لاحتواء الظاهرة التربوية من جميع أبعادها، لأن الفلسفة همها التفكير في الغايات، ومن هنا فالنظرية اللغوية تعمل على هرم للغات المستعملة في المدرسة والمحيط، ومن هنا أطرح هذه الأفكار التي أنتجتها من خلال التجارب الناجحة للأمم المتقدمة. 1- تسيير المرحلة الاستعجالية: من الضروري تدبير مرحلة استعجالية مدتها لا تزيد عن ثلاث سنوات (3) بوضع برنامج سريع لوقف التدهور، برنامج قابل للإنجاز في ظرف وجيز، يكون خطوة أولية نحو تسليط الضوء على كافة أبعاد المنظومة، وسد الفجوات كي لا تتسع، ورد الاعتبار لمهنة التعليم، وترسيخ المسؤولية المشتركة وتأهيل نظام التوجيه مع المتطلبات التنموية، وإعادة تقوية البرنامج بتكثيف التدريس. فكان لابد من حلول استعجالية لمايلي: جعل المدرسة شأن كل المواطنين، معالجة ظاهرة الهدر المدرسي، القضاء على الاكتظاظ، التسريع في إدخال تدريس المعلوماتية، معالجة غيابات وكفايات المدرسين، مراجعة تقنية للبرامج، بناء الجسور بين التربية والتعليم وقطاعي: التكوين المهني والتعليم العالي. هي أشياء استعجالية تعالج بصورة سريعة، وخاصة عندما نبحث بصيغة ديمقراطية مع من يهمه الأمر، مسألة المدرسة التي هي امتداد عميق للوطن وهي منا وفينا، وشأن الجميع. نبحث أمر المدرسة التي هي قاسمنا المشترك، ومن وأكمل وجه. ..../ ... يتبع