بقدر ما شكّل الصراع الدامي في سوريا أزمة استعصى على المجموعة الدولية وضع حد لها، بقدر ما تصاعدت معه معاناة شعب سوري، وجد نفسه بين فكي كماشة أطراف داخلية، لغتها الوحيدة هي الرصاص، وأخرى خارجية تريد دكه دكا بالصواريخ والمقنبلات. وضع مؤلم دقت ناقوسه المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، عندما أكدت تجاوز أعداد اللاجئين السورين الفارين من جحيم الحرب في بلادهم، عتبة المليوني لاجئ. وقدّمت المفوضية الأممية أرقاما مرعبة تؤكد عمق مأساة اللاجئين السوريين، بعدما أكدت نزوح ما لا يقل عن مليون شخص في ظرف الستة الأشهر الأخيرة مقابل نزوح نفس العدد في العامين الماضيين، ناهيك عن رقم ستة ملايين سوري، الذين اضطروا للنزوح داخل البلاد، إلى درجة جعلت الأمين العام الأممي يصف سوريا ب "مأساة القرن"، وهو ما جعلها تطلق برامج استعجالية لمواجهة أي احتمالات في تصاعد أعداد اللاجئين السوريين باتجاه الدول المجاورة، كالأردن وتركيا ولبنان والعراق وحتى بلدان الشمال الإفريقي، والتي أكدت بعضها أنها لم تعد قادرة على تحمّل عبء هذه الفئة من الشعب السوري. علاوة على هذه المأساة، فإن حجم الدمار الذي خلّفه الصراع الدامي في سوريا إلى غاية الآن، قدّرته دراسة حديثة بأكثر من 1500 مليار دولار. والمؤكد أن الأخبار المتواترة عن توجيه ضربة عسكرية إلى سوريا، زادت من مخاوف العائلات السورية، التي تمسكت بالبقاء في منازلها ومدنها وقراها، ولكن يبدو أنها هي الأخرى ستجد نفسها مضطرة للفرار في حال تأكدها من حدوث هجوم مسلح على بلادها. وحتى إن كانت الولاياتالمتحدة ومن يدعّمها في خيارها العسكري على سوريا، تروّج لضربات سريعة ومحددة أهدافها لمعاقبة النظام السوري، فمن يضمن بأن هذه الضربات لن يذهب جراءها المزيد من الضحايا من أبناء الشعب السوري، الذي فقد إلى غاية الآن ما لا يقل عن 100 ألف ضحية في أقل من ثلاث سنوات من هذا الصراع، الذي تجاوز كل الخطوط الحمراء، ثم كيف تتحدث دولة حتى وإن كانت في خانة القوى العظمى، عن معاقبة نظام دولة أخرى قبل أن تتأكد من أن هذا النظام فعلا قد تجاوز الخط الأحمر واستخدم السلاح الكيماوي ضد شعبه؟! وفي حالة ما إذا افترضنا أن النظام السوري هو من استخدم الكيماوي، فمن يعطي الحق للولايات المتحدة ولفرنسا أو غيرهما، باتخاذ قرار الحرب ضد سوريا؟! مع العلم أن هناك منظمة تسمى منظمة الأممالمتحدة، هي المعنية بحفظ الأمن والسلم العالميين. مثل هذه التساؤلات تجد مصداقيتها في ظل المساعي الحثيثة التي يجريها الرئيس الأمريكي باراك أوباما، لإقناع الكونغرس بإعطائه الضوء الأخضر لشن هذه الضربة العسكرية التي رفضتها عدة عواصم دولية؛ لما يمكن أن تخلّفه من انعكاسات وخيمة على منطقة الشرق الأوسط برمّته.