رغم أن الرئيسين حسن روحاني وباراك أوباما لم يلتقيا في قمة ثنائية بمناسبة أشغال الجمعية العامة الأممية ولا هما تصافحا مصافحة "تاريخية" تؤشر على علاقات أكثر دفءا بين بلديهما، إلا أن تصريحاتهما في خطابيهما أمام الجمعية العامة حملت مؤشرات في هذا الاتجاه، وبما قد يشكل بداية نهاية قطيعة دبلوماسية فاقت ثلاثة عقود. وكان خطاب الرئيس الإيراني أكثر المداخلات ترقبا في قاعة الجمعية العامة، خاصة أنه مهّد له بتصريحات سابقة أعطت القناعة بأن إيران روحاني ليست إيران نجاد، وأنها مستعدة على تكييف مواقفها وفق متغيرات الواقع الإقليمي الذي فرضته أحداث المنطقة في السنتين الماضيتين. كما أن خطاب الرئيس الأمريكي كان منتظرا أيضا بنفس الشغف، وخاصة فيما يتعلق بموقف بلاده تجاه إيران وبرنامجها النووي. ولم يخيّب لا الأول ولا الثاني مثل هذه التوقعات عندما أكد الرئيس روحاني أن بلاده لا تهدد لا الأمن العالمي ولا أمن جيرانها، في رسالة قبلها الرئيس الأمريكي، جعلته يغيّر هو الآخر من لهجته، واستبعد عبرها كل خيار لاستعمال القوة ضد إيران، وأبقى بدلا عن ذلك البديل الدبلوماسي لتسوية أحد أعقد ملفات الراهن الدولي في العشرية الأخيرة. وإذا كان الرئيس حسن روحاني لم يلتق بالرئيس أوباما إلا أنه حرص في خطابه على تفادي العبارات الاستفزازية المناوئة للغرب، وفضّل بدلا عنها لهجة مهادنة، هيأت له الأجواء على الأقل لعقد قمة مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، هي الأولى من نوعها منذ سنة 2005. ليس ذلك فقط؛ فقد حرص الرئيس الإيراني شهرا بعد توليه مهامه الرسمية، على تغليب لغة الحوار على المجابهة المفتوحة؛ إدراكا منه أن ذلك لم يجلب لبلاده سوى العزلة ومزيد من العقوبات الدولية، إلى درجة جعلته ينتقد "جرائم النازية ضد اليهود" خلال الحرب الثانية، على عكس سابقه محمود أحمدي نجاد، الذي وصف ما يُعرف ب "الهولوكوست" بأنه مجرد وهم وخديعة يستعملها اللوبي اليهودي لابتزاز الدول الغربية بالأموال والمواقف المؤيدة لإسرائيل. ورغم أن الوزير الأول الإسرائيلي اعتبر تصريحات روحاني مجرد خديعة لربح مزيد من الوقت؛ لتمكين بلاده من امتلاك القنبلة الذرية، إلا أن ذلك لم يمنع الرئيس الإيراني من كسب تعاطف الرؤساء الآخرين، وجعلت منه "نجم" الدورة الثامنة والستين للجمعية العامة الأممية. ويكون الرئيس الإيراني الجديد قد سجل نقاطا إيجابية لصالحه لدى خصوم أمس، بعد أن تمكن من طي صفحة ثماني سنوات من حكم الرئيس نجاد، إلى درجة جعل الرئيس الأمريكي يمنحه الفرصة من أجل تأكيد حسن نيته وإرادته في التعامل مع الدول الغربية. ويمكن القول إن لغة التقبل والقبول بين واشنطن وطهران ستكون بداية لعهد جديد، وإن كان ذلك سيكون على مراحل إذا أخذنا بقناعة الرئيس الإيراني، الذي أكد على استحالة عقد قمة مع الرئيس أوباما بمبرر "ضيق الوقت"، ولم يُرجع ذلك إلى الملفات الشائكة. ويبقى التبرير في حد ذاته دبلوماسيا وشيئا منطقيا؛ على اعتبار أن تراكم خلافات ثلاثة عقود تستدعي تقاربا يتم بالتدريج، تكون خطواته كفيلة لأن تمهّد لقمّة "تاريخية"، تنهي العداء وتطوي فترة جليد قطبي علق بعلاقات البلدين إلى دفء ربيعي قادم. فهل نحن على أبواب الانتهاء من موقف العداء المتكرس بين البلدين، الذين يصف الأول الآخر ب "الشيطان الأكبر"، بينما تصف الولاياتالمتحدةإيران ب "دولة محور الشر". الإجابة بنعم قد تكون استباقا للأحداث، ولكن المؤشرات المتاحة تؤكد أن البلدين يريدان فعلا إعادة علاقاتهما إلى وضع طبيعي؛ على اعتبار أن القطيعة لم تورثهما إلا العداء والتوتر وضياع المصالح.