الفريق أول شنقريحة في زيارة رسمية إلى دولة الكويت    إعداد برامج العمل القطاعية وتلبية انشغالات المواطنين : الحكومة تدرس التدابير التنفيذية "للتكفل التام" بتوجيهات الرئيس    في قطاعات الطاقة والأشغال العمومية..شركات مصرية مهتمة بالاستثمار في الجزائر    أحمد مالحة : رئيس الجمهورية رسم خارطة طريق تطوير القطاع الفلاحي وتحقيق الأمن الغذائي    تشمل الشؤون القانونية، المالية والتخطيط..خطة توظيف شاملة بسوناطراك عام 2025    بعد وقف إطلاق النار..بري: لبنان أحبط مفاعيل العدوان الإسرائيلي    جانت.. أكثر من 1900 مشارك في التصفيات المؤهلة للبطولة الولائية للرياضات الجماعية    نال جائزة أفضل لاعب في المباراة..أنيس حاج موسى يثير إعجاب الجزائريين ويصدم غوارديولا    قسنطينة.. أزيد من 120 عملية لإعادة تهيئة وتغيير شبكات توزيع الغاز    الاجتماع الوزاري لمنتدى الأمم المتحدة لتحالف الحضارات: عطاف يعقد جلسة عمل مع نظيره البرتغالي    عميد جامع الجزائر يستقبل رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية لمجلس الشورى الإسلامي الإيراني    كأس إفريقيا 2024: المنتخب الوطني النسوي يواصل تحضيراته بحضور كل اللاعبات    سوناطراك تشارك في الصالون الدولي للموارد الاستخراجية والطاقوية في كوت ديفوار    خبراء أمميون يدعون الدول للامتثال لقرار المحكمة الجنائية الدولية    لبنان يواجه أعنف فترة له من الاعتداء منذ عقود    إقامة صلاة الاستسقاء عبر الوطني السبت القادم    لقد جعلت بلادنا من الأمن الغذائي رهانا استراتيجيا يتوجب علينا كسبه    ضرورة تصحيح الاختبارات داخل الأقسام    ورشة تكوينية للقضاة وضباط الشرطة من تنظيم وزارة العدل    عطاف يقوم بطرد وزيرة الخارجية السابقة للصهاينة تسيبي ليفني    خنشلة : أمن دائرة بابار توقيف 3 أشخاص وحجز 4100 كبسولة مهلوسات    ترقب تساقط بعض الأمطار وعودة الاستقرار يوم الجمعة    مستغانم : قوافل الذاكرة في مستغانم تتواصل    كرة القدم/رابطة أبطال إفريقيا : شباب بلوزداد ينهزم أمام اولاندو بيراتس (1-2)    تحوّل نوعي في السوق المالية    دعوات للتصدي للتطبيع التربوي بالمغرب    رمز الريادة والابتكار    الاحتلال الصهيوني يمسح 1410 عائلة فلسطينية من السجل المدني    وزارة الصناعة : السيد غريب يشرف على تنصيب الأمين العام ورئيس الديوان    الدعم مكّن من إنهاء ندرة الحليب المبستر    وزير الاتصال يعزّي عائلة الفقيد والأسرة الإعلامية    رحيل صوت القضيتين الفلسطينية والصحراوية في المحاكم الدولية    محرز يحقق رقما مميزا في دوري أبطال آسيا    مازة لن يغادر هيرتا برلين قبل نهاية الموسم    نقاش حول السياحة الليلية الحضرية بتيزي وزو    طالب جامعي متورط في سرقة    اكتشاف عيادة سرية للإجهاض    الإطاحة بشبكة إجرامية من 5 أشخاص بوهران    مدرب مانشستر يونايتد يصر على ضم آيت نوري    معرض لورشات الشباب الفنية    البحث في علاقة المسرح بالمقاومة    تسليط الضوء على أدب الطفل والتحديات الرقمية الراهنة    جائزة الشيخ عبد الكريم دالي : حفل تكريمي للفنان الراحل نور الدين سعودي    الأيام السينمائية الوطنية للفيلم القصير بتبسة: فيلم "القناع" للمخرج فيصل قادة يفتك المرتبة الأولى    الملتقى الدولي للمهرجان الثقافي للفن المعاصر : منصة للتبادل والتحاور في مواضيع الفن المعاصر    تطبيق مبتكر يحقق الأمن السيبراني    أيام توعوية حول مضادات الميكروبات    كابوس مرعب في موسم الشتاء    الفترة المكية.. دروس وعبر    معرض الحرمين الدولي للحج والعمرة والسياحة بوهران: استقطاب أكثر من 15 ألف زائر    وزير الصحة يشرف على اختتام أشغال الملتقى الدولي الثامن للجمعية الجزائرية للصيدلة الاستشفائية وصيدلة الأورام    تسيير الأرشيف في قطاع الصحة محور ملتقى    رقمنة القطاع التربوي: التأكيد على "الانجازات الملموسة" التي حققتها الجزائر    إعادة انتخاب دنيا حجّاب    الابتلاء المفاجئ اختبار للصبر        هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"درسو أوزالا" .. أو الحزن العميق..
نشر في المساء يوم 23 - 10 - 2013

"درسو أوزالا” رواية من ألطف وأعمق ما قرأته في الأدب الجغرافي المعاصر، ومن ثم في الأدب الإنساني، وضعها الكاتب والجغرافي الروسي فلاديمير أرسنييف في عام 1921، ملخصا فيها الرحلة الاستكشافية التي قام بها في منطقة سييريا الشرقية المتاخمة للصين ولكوريا في عامي 1902 و1907، وهي منطقة جغرافية كانت مجهولة في أوساط أهل العلم الجغرافي والمتبحرين في شؤون البحث الاجتماعي في ذلكم الزمن.
وليس المهم في هذه الرواية تلك الأوصاف التي قدّمها الكاتب عن رحلته تلك وعما عاينه بنفسه وعايشه في تلك الأصقاع الجليدية التي تخلو من الإنسان ومن الوحش اللهم إلا فيما ندر، إنما هو الصراع بين الإنسان والطبيعة، أي ذلك الصراع الذي ما فتئ يخوضه منذ أن وُجد على سطح هذا الكوكب. يروي بطل الرواية حكايته مع الطبيعة ولكن من منظور عالم مدقق يرصد كل نأمة وكل ما يعترض سبيله في تلك الأصقاع. ويصحبه في رحلته هذه إنسان من أبناء المنطقة طعن في السن، لكنه مازال قادرا على التحرك مثل نمر رشيق، ويعرف كيف يتجنب ضربات الطبيعة العاتية وغضباتها المفاجئة.
ذلك العجوز يقيم بينه وبين الرياح الجليدية العاتية ما يشبه السياج الذي يقيه مع المستكشف سطوتها وجبروتها في كل آن. ويحسن قراءة ما تصطخب به السماء، والنيران التي قد تشتعل هنا وهناك على حين غرة، ويتحايل لمواجهة بعض الوحوش والكواسر والضواري القليلة التي تعيش في المنطقة ولا تكاد تخرج من مخابئها إلا لكي تبحث عن قوتها، وما أقله من قوت وسط الجليد!
ويبلغ الصراع بين الإنسان والطبيعة الذروة عندما يضطر ذلك العجوز لمواجهة نمر جائع بين الأحراش الجليدية، فهو لأول مرة يخطئ التصويب، ولا يكاد ينال من ذلك الوحش الضاري، ويصاب عندئذ بخيبة أمل ما بعدها خيبة، وبمرارة لا مثيل لها، وكيف لا ينتابه مثل هذا الشعور وهو قد عاش طيلة حياته مثل الوحش، لكنه لم يشعر في يوم من الأيام بأن أيامه ذهبت، ولذلك فهو حين يخطئ هدفَه يحسّ بأنه قد طعن في السن فعلا ولم يبق له في هذه الحياة نصيب يناله. ويحاول المستكشف التخفيف عنه لكنه يواجَه بصمت قاتل من جانبه، الذي سيطر عليه حزن عميق جدا.
وقد نقلت هذه الرواية إلى السينما، وقام بإخراجها الياباني ”أكيرا كوروساوا”، ذلك الذي كان قد طعن في السن هو الآخر وحاول الانتحار؛ لكأننا بالمخرج يصوّر ما تضطرب به نفسه عندما يعمد إلى تقصّي دقائق ذلك العجوز الذي يعيش في الأصقاع النائية الباردة، ولولا أن اليابانيين والروس أجمعوا فيما بينهم ووافقوا على إسناد الإخراج السينمائي لكوروساوا، لكان هذا الأخير قد وضع حدا لحياته، مثلما فعل ذلك العجوز بنفسه عندما أخلد إلى الصمت الأبدي بعد أن استبد به حزن مقيم قاتل.
في العهد الروماني القديم كان النبلاء يخلون بأنفسهم في أمكنة قصية ويقدمون على الانتحار بعد أن تدول دولتهم أو بعد فشل سياسي يمنّون به. وعند الهنود الحمر الأمريكيين إذا ما صدّقنا أفلام هوليوود كان أحدهم ينتحي بنفسه في جبل من الجبال وينتظر الموت؛ ظنا منه أن الموت يأتيه بطريقة عادية بعد أن طعن في السن ولم يعد يصلح لا للصيد ولا للحرب، ولكن رواية ”درسو أوزالا” تقدم لنا وجها آخر من أسباب مواجهة الموت، وأعني به الحزن العميق الذي لا حزن بعده.
حاولت أن أجد شيئا من هذا القبيل في التراث العربي الإسلامي، فلم أجد شيئا بالرغم من أن الحياة تتشابه هنا وهناك في مختلف الأصقاع. ما قرأت شيئا عن إقدام الإنسان العربي الجاهلي على مجابهة الموت بالحزن العميق أو بالانتحار أو بشكل من الأشكال الأخرى المعهودة عند الرومان القدماء أو الهنود الحمر، كل ما ظفرت به في هذا الشأن هو بعض الشذرات التي يندب فيها بعض الشعراء الجاهلين حظوظهم مع أبنائهم العاقين أو بعض زوجاتهم اللواتي صرن ينفرن منهم بعد أن طعنوا في السن. ولا شك في أن النظرة إلى الحياة تغيرت لدى الإنسان العربي القديم بعد أن اعتنق الدين الإسلامي ووجد فيه ضالته المنشودة التي تقيه غوائل الزمن واضطراب المجتمع حواليه، ومع ذلك تظل رواية ” درسو أوزالا” في رأيي، تحفة سردية لا مثيل لها في الأدب الجغرافي المعاصر، وتحفة سينمائية قلَّ أن يجود بها أهل الإخراج السينمائي في عالمنا المعاصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.