الرواية والسينما علاقات متداخلة وتقاطعات فنية سردية متواصلة ومسترسلة، فكيف هي هذه العلاقات والتقاطعات بينهما، هل خدمت السينما الرواية بشكل جيد وقدمتها بزاوية أو برؤية فنية فرجوية عالية، أم قدمتها بفجاجة وسلبية وبإبداعية فرجوية وفنية أقل من حجم الرواية كنص. وهل الأفلام المقتبسة عن الروايات بعيدة في الأغلب عن معاني وأجواء تلك الروايات، أم هناك استثناءات؟. هل استفادت الرواية من هذه السينما التي حاولت أن تقارب وتقرب النص المكتوب المتخيل إلى/من النص البصري المتحرك بالمَشَاهِد والتفاصيل والحياة اللونية على الشاشة؟. ومن جانب آخر هل خدمت الرواية السينما، هل بإمكان الفضاء الورقي أن يضفي سحره الوارد على الفضاء البصري المتشعب البريق، وهل بإمكان هذا الأخير أن يرش بريقه على المتون بكل ما تزخر به من شخوص وحالات وأجواء وعوالم متخيلة كي تصير في حركتها البصرية وفي فضاء بصري فرجوي أقرب إلى واقع على مرمى بصر. بالأساس كيف يمكن أن تستفيد الرواية العربية من السينما العربية وكيف العكس؟. هذا ما سنعرفه ونقترب منه من خلال إجابات ومساهمات بعض الكتاب والأدباء الذين تشاركوا أجواء ومحاور هذا الملف. إستطلاع/ نوّارة لحرش ربيعة جلطي/ شاعرة وروائية الرواية فيلمٌ مخرجُه القارئ قراءة الرواية في كتاب تشبه مشاهدة فيلم سينمائي في قاعة عرض بكرسي واحد، حيث المخرج هو القارئ ومدير الشخوص هو القارئ أيضا. كل الروايات التي قرأتها في حياتي هي أفلام مرسومة ومسجلة على شريط في الذاكرة، لذا حين نقول، وهذا نسمعه أيضا من خلال شهادات كثير من الأدباء والقراء، بأن نص رواية ليس أهم وأصدق وأجمل من الفيلم السينمائي المقتبس منها، فهذا يعني بأننا نصنع أفلامنا من الروايات بحرية أكبر من تلك التي يفرضها علينا المخرج. إلا أنني أريد أن أشير إلى أن قراءة الأدب تختلف عن قراءة السينما. فإذا كانت السينما توسع دائرة التلقي وتوصل الرواية/الفلم إلى عدد كبير من عشاقها، إلا أن حرية القارئ في الأدب تتحقق بشكل أكبر، والنص بين يدي مخياله يظل مفتوحا على كل الإحتمالات والتخريجات والتأويلات، والصمت في الكتابة وفي الكتاب له صوته الخاص، وتتعرض الشخوص الروائية المكتوبة، الموجودة في اللغة والحروف لصناعة جديدة من قبل القارئ، فيضيف من عندياته أزيد من 25 في المائة في تكوينها وتشكيلها. لهذا أقول إنه بقدر ما يكون قارئ الأدب الروائي قارئا ذكيا يملك وعيا فنيا كبيرا فإنه يستطيع التعامل مع النص المكتوب بانفتاحات أكثر حرية، فالنص الأدبي يحتاج إلى قارئ أكثر ذكاء من مشاهد الفيلم فقارئ الأفلام، أي المشاهد، لا يحتاج إلى ذكاء أو جهد كبيرين كي يفك مغاليق العمل السينمائي، في ظل توفر الحركة وملامح ولغات الشخوص، وصورة وشكل المدن بشوارعها وضجيجها، والألوان موجودة أيضا والأضواء موجودة والموسيقى كذلك، لذا فالمشاهد لا يجتهد كثيرا في قراءة ما هو أمامه ولا يفكر في إعادة إبداع ما هو مجسد مسبقا. ومع ذلك أقول إن الأعمال السينمائية الخالدة عبر التاريخ هي تلك التي تقتبس من روايات رائعة وخالدة أيضا، ففيلم لوليتا المقتبس عن رواية لوليتا لناباكوف، أو الحرب والسلام المقتبس عن رواية تولستوي، أو البؤساء المقتبس عن رواية فيكتور هيغو، أو رجال في الشمس المقتبس عن رواية غسان كنفاني، أو الأرض المقتبس عن رواية عبد الرحمن الشرقاوي، أو اللص والكلاب المقتبس عن رواية نجيب محفوظ أو جيرمينال المقتبس عن رواية إميل زولا، أو مدام بوفاري المقتبس عن رواية فلوبير، وغيرها الكثير، لذا أقول بأن المخرج الناجح هو الذي يقرأ الرواية بإبداع سينمائي. للأسف السينما الجزائرية هي أكثر السينمات في العالم العربي التي تُقاطع الأدب الروائي، وقد قلت هذا منذ عدة سنوات، السينمائي الجزائري عدو الرواية بامتياز، فالمخرج الجزائري لا يقرأ الأدب لذا فأفلامنا سطحية وارتجالية وينقصها الخيال وينقصها التجدد، وما دام المخرج الجزائري هو كاتب السيناريو وهو صاحب الفكرة وهو الممثل والموسيقي وهو كل شيء وأكبر من كل شيء فلن يتحقق شيء جميل وناجح في الإبداع السينمائي الجزائري. أوجه ندائي للمخرجين الجزائريين السينمائيين والتليفزيونيين، خاصة الجيل الجديد، بأن يقرءوا ويقرءوا الآداب والرواية بشكل خاص فهي وحدها طريقهم إلى السينما الناجحة. أمير تاج السر/ روائي سوداني الرواية لم تعد ملهمة للسينما والأفلام في الغالب لا تشبه النص الروائي في الوقت الحاضر أرى أن الرواية لم تعد ملهمة كثيرا للسينما، خاصة أن موضوع تحويل رواية ما إلى شريط سينمائي يحتاج إلى الكثير من الجهد والمال لأن الرواية لم تكتب أصلا للسينما، ولذلك لابد من تحويلها أولا إلى سيناريو، ثم المسألة الأكثر تعقيدا وهي إقناع الكاتب بتقديم تنازلات شتى يقتضيها العمل السينمائي، مثل حذف كثير من الأفكار وإضافة أفكار جديدة، ولأن كتاب الرواية غالبا ليس لديهم دراية بالسينما، لا يتم إشراكهم في تلك اللعبة، ويحس الكاتب في النهاية بأن نصه قد تمزق. هنا يتم كتابة سيناريوهات خاصة للسينما بأقل التكاليف الإنتاجية بعيدا عن تلك المشاكل. بالنسبة للأعمال الروائية التي قدمت للسينما، أرى أنها لم تخل من المشاكل التي ذكرتها، لكن هناك أفلام التزمت إلى حد ما بالروايات التي استوحت منها، مع بعض التغيير بما يلائم العمل المرئي، وهناك أفلام قام كتاب الروايات أنفسهم بتحويلها إلى سيناريوهات، كما حدث حين كتب نجيب محفوظ سيناريوهات لبعض رواياته، وهذه بلا شك التزمت برؤية الكاتب لأنه هو من عمل على النص، أما في الغالب لا يشبه الشريط السينمائي النص المكتوب. لا أعتقد أن الرواية استفادت كثيرا من السينما، إلا في إضافة شهرة للنص المكتوب وربما ساهمت في انتشاره، لأن المشاهد حين يعرف أن الفيلم الذي شاهده مأخوذ من رواية، غالبا ما يسعى لإمتلاك الرواية ومقارنة الأحداث التي شاهدها، بتلك المكتوبة على الورق، وقد حدث ذلك معي كثيرا. ولو ألقينا نظرة على شهرة الأعمال الإبداعية العربية، لوجدنا أن أكثرها توزيعا تلك التي حولت إلى أفلام. ولعل ذلك ما يدفع الكاتب بالسعي إلى تحويل نصوصه لأفلام سينمائية، وبعض الكتاب يقدمون تنازلات شتى من أجل ذلك. أما كيفية استفادة الرواية من السينما، فهذا شيء موجود عند البعض، كثير من الروايات استخدمت تقنية السينما في تعدد المشاهد والحوارات، ولديّ روايات من هذا النوع مثل "زحف النمل"، ويحس القارئ لها، أنه يشاهد شريطا سينمائيا أمامه، وليس نصا مكتوبا، وأعتقد أن ذلك من عناصر جذب القارئ. إبراهيم نصرالله/ شاعر وروائي فلسطيني أدرني كلّما ظهرت رواية مهمّة، سارعت السينما لإقتباسها ثمة درس صعب لا نستطيع أن ننساه، إذا ما أردنا مشاهدة فيلم مأخوذ عن رواية عظيمة، مفاده: قبل أن تنسى الرّواية تمامًا، لا تذهب لمشاهدة الفيلم المأخوذ عنها. ليست تلك معضلة فيلم بعينه، بل معضلة كلّ الأفلام التي أغوتها ندّاهات الأدب، منذ اختراع السينما. فكلّما ظهرت رواية مهمّة، سارعت السينما لإقتباسها، أو قاتلت لإقتباسها، وإن كان الأمر لم يخلُ من انتصارات مهمة حققتها السينما مع مخرجين كبار، كما حدث مع (ذهب مع الريح)، (دكتور زيفاجو)، (زوربا)، وسواها. لكنّ الرواية تظلّ مختلفة ومنتصرة بنقصانها. أي رغم كونها لا تُرى وتُسمع كما في السينما. وحتى حين حققت السينما هذه الإنتصارات، فإنها انتصارات غير مكتملة، إذ إن النجاح العظيم لرواية (طيران فوق عش الوقواق) سينمائيًّا، وقد قُيِّض لها ممثل لامع هو جاك نيكلسون ومخرج كبير هو ميلوش فورمان، إلا أن الحنين إلى الرواية يعصف بك ما أن تنتهي من مشاهدة الفيلم، وقد عبر كين كيسي مؤلفها عن عدم رضاه عن الفيلم، رغم تحوّل هذا الفيلم لواحد من العلامات الكبرى في السينما. من هنا ربما، علينا أن نتوقّف عن مقارنة الرّوايات بالأفلام المأخوذة عنها، وأن نقرَّ بأن الرواية ستفوز بالضربة القاضية، حتى قبل صعودها لحلبة الصراع مع صُنّاع الفيلم. معضلة الفيلم، المقتبس عن رواية، أمام مشاهديه، أنه ليس الفيلم الذي أخرجوه في رؤوسهم أثناء قراءتهم للروايات، وأن تُخْرِج نظريًّا، غير أن تتقدّم لتُجسِّد الكلمات في فن آخر لا يُبقي من الفن الأول غير هيكله العظمي، الذي يُبذل الكثير من الجهد كي يُكسى لحمًا، ويُشبع حياة. فكلما اتّسع النّص الروائي غرقت السينما في ما هو متوقّع منها من قبل القراء الذين يبدو إخلاصهم للنصوص الأدبية أشبه بشيء مقدس. يُروى عن نجيب محفوظ أنه كان يقول: إن الرواية له والفيلم للمخرج. فهل يمكن تطبيق ذلك إلى حدٍّ ما مع القارئ، حين يذهب برجليه إلى دار السينما ويدفع من جيبه ليتحوّل إلى مشاهد؟!، وماذا لو كان الأمر متعلِّقا بتحويل الرواية إلى سيمفونية أو أوبرا أو معرض تشكيلي أو باليه...؟. عبير اسبر/ روائية ومخرجة سورية ليس الأدب هو ما طغى على السينما، ما طغى على كل الفنون هو الدراما للسينما وللأدب طريق واحد بدايته الأدبية تفضي بالضرورة إلى سينماه. والسينما والأدب كما التشكيل والموسيقى والشعر، والرقص، انبثقوا كلهم من رحم واحدة، وجدوا من احتياج نفسي، وعضوي، يحقق توازنا ما، هذا الاحتياج وجد معنا منذ أن كنا وكان البدء، منذ أن وجد الفن، منذ فجر الخليقة الأولى، والإنسان: جُدنا البعيد، مستلق في كهفه يحاكي وحوش البرية في رسمها، تصويرها، قبل قتلها، لذا عند الإتفاق على التشابه بين أنواع الفنون، واختلافها في الآن نفسه، نستطيع عندها أن نرتاح نسبيا من ملاحقة السينما كي تبدو دوما مخلوقاً هجيناً، أو ابنة غير شرعية، سارقة، ومتعدية على الأدب أولاً، وباقي الفنون ثانية، أو في أحسن أحوالها، أفاّقة استطاعت الإعتياش على كل أنواع الفنون ووجدت لها صورة كولاجية غاية في الإحتيال والزئبقية. لكننا عندما نعي أن التشابه والتكامل بين الأدب والسينما، هو ذاته التشابه والتكامل بين الشعر والموسيقى، وبين التشكيل والشعر، وبين النحت والعمارة، وبين النثر والشعر، وعندما نستوعب بدقة مفاهيم نقدية مثل موسيقى لونية، وايقاع نثري، وشعرية سينمائية، عندها فقط قد نتخلص ببطء من كل الضلال التنظيري الذي يفرضه إيجاد تشابه عضوي بين الأدب والسينما يصر على حالة تبادلية حصرية، ساد فيها الأدب على السينما، واستطاع بأبوية أن يدعي أنه خالقها، أو الراعي، والعرّاب الأهم لولادتها، بدأنا نبحث لذاواتنا عن المعنى، عن الحكاية التي قد وقد لا تبرر معنى الوجود، وهذا ما نفعله في كل نواحي حياتنا، وهو كذلك ما يحققه لنا الفن بالمطلق، أي الإشباع الحكائي، والإشباع الدرامي، والسؤالي المحنوي، يبحث في المحن ويحاكمها. الدراما كانت الهدف، لم يكن الأدب هو ما طغى على السينما فقط!، لكن ما طغى على كل الفنون هو الدراما ومدى تخديمها واستخدامها في السينما، الدراما التي تعني الحكاية، لكن يجب الإنتباه بتأني، أن للحكايات تجليات ليست بالضرورة كلامية، أو لونية، أو موسيقية فقط!، بل للدراما تجليات تفصح عن نفسها بكل تلك الطرق. قد أتفهم تماما أن تستدعي السينما فينا مخزوننا الكلامي، لأنها فقط تستدعي مخزوننا الحكائي، ونحن أي معظمنا يحكي كلاما، والقلائل فينا من يحكون موسيقياً، ولونياً، وإيقاعياً، وعمرانياً، رياضياً، رياضة جسد ورياضة عقل، فلسفة، أو تنظير بالمعنى الإيجابي، قد أتفهم أن تحال السينما لتكون استسهالا، مُنتجة من تجميع قطع فنية متشظية تركها هاو في مُحترف، أو على قارعة طريق، لكن ما يزعجني هو غلواء تلك الإحالات المتشفية التي تريد أن تنزع عن السينما صفة أصالتها كفن مجرد ولا يشبه سوى نفسه، فالصورة لا تشبه إلا الصورة، ولا نستطيع شرح كلمة صورة إلا بأنها صورة، قد تشبه الكثير من الأشياء ولا تتطابق معها، لأن شيفرتها الوراثية أنتجت بضرورة زمنية نابعة من احتياج حداثي يؤكد تغير ومرور الزمن علينا. المشكلة كانت دوما في عدم الإقرار بالإختلاف البنيوي والحداثي زمنياً ومعرفياً بين الفنين، بل على العكس، كان سوء التفاهم الأزلي ينبع من الإصرار على أن أحدهما سبب الآخر، أو كان أباً له، حيث وضع دوماً في مقدمة أي خطاب شارح للسينما ألا وهو الأدب، وقبعت السينما معتاشة عليه في عمق مظلم تحاول دوما التخلص من زواج تقليدي، متأرجح ما بين الإخلاص والخيانة، أو التماهي والتطابق، إن اختراع السينما لم ينشأ من حالة تطور طبيعي، ارتقائي دارويني، ابتدأ بالأدب وانتهى بالسينما، بدء بالكلمة وانتهى بالصورة، بل وجودها وافصاحها عن نفسها، اختراعها، هو حالة جنون فيزيائي انيشتايني بحت. ينتصر لتغير مفاتيح ومعطيات الواقع، ويصر على إنتاجه الحديث والمبتكر! روحيا أولا وتقنيا ثانيا. محمد عبيدو/ كاتب وناقد سينمائي سوري السينما التجارية أساءت للنص الأصلي علاقة السينما العربية بالرواية قديمة وتعود لأول الأفلام الناطقة في السينما المصرية ولكن الملاحظ أن في أغلب هذه الإقتباسات التي أتت عبر سينما تجارية أساءت للنص الأصلي أو قدمته بصورة منسوخة أو مشوهة مما حدا ببعض الروائيين كنجيب محفوظ لكتابة سيناريوهات أفلامهم. هذا مع وجود عدد من الأعمال السينمائية القليلة التي أخذت روح الرواية وأضافت له روح السينما البصري. ولابد من القول بداية أن هناك إختلاف بنيويا بين، فالرواية هي عمل فردي وكلغة هي حكاية، بينما السينما كلغة أخرى هي عمل جماعي يساهم به عدة مبدعين إضافة للمخرج، وهي صورة وتعبير بصري. من هنا يبدأ الإختلاف التعبيري بين الفضائين التعبيريين. ربما بسبب هذا الإعتماد الكبير على أفلمة الروايات نرى تداخل النص الروائي والنص السينمائي من حيث التأثير المتبادل وزمن الكتابة وبناء الشخصيات عبر جوانياتها وأرواحها وأحلامها وهواجسها مما ساهم في تطوير بنية السرد التقليدية في كلاهما. وهنا نرى التراكم المعرفي والإبداعي الدائم ونرى أن الروائي أصبح يستفيد كثيرا من التطور السريع في لغة السينما التعبيرية وأصبحنا نرى عددا متزايدا من الروائيين العرب استفادوا من (رؤية الكاميرا) في ايجاد تقنية فنية برواياتهم فيكتبونها بأسلوب سينمائي أخاذ، حتى ليمكنك عند قراءة الرواية أن تلحظ العين السينمائية والتقنية البصرية والسينمائية في السرد الروائي. وهناك أمثلة بأعمال عديدة لإبراهيم أصلان وصنع الله إبراهيم من مصر وسمر يزبك من سوريا والياس خوري من لبنان والراحل غسان كنفاني من فلسطين. إن الفيلم السينمائي ليس مجرد قراءة ثانية للعمل الأدبي بوسيلة تعبير مختلفة، بل هو نص آخر مختلف يتكئ على الأصل الأدبي في بعض النواحي، ولكنه لا يشترط به في المحصلة النهائية، انطلاقا من حرية كاتب السيناريو ثم المخرج في التعامل مع مفردات الرواية. ومع بروز سينما المؤلف أصبح المخرج هو الذي يكتب فيلمه، ونرى هنا أن الكتابة السينمائية اكتسبت تميزا وخصوصيات وهناك كثير من سيناريوهات الأفلام لمخرجين كبار مكتوبة بصورة أدبية، أي بتعبيراتها اللغوية الأدبية وليس بمعادلاتها البصرية وقد أعيد طباعتها ككتب. عدنان كنفاني/ روائي وكاتب فلسطيني مقيم في دمشق السينما تحتاج إلى نصّ لكن المشكلة تكمن في أمانة نقل النصّ هو موضوع شائك، فالكاتب الروائي يضع في مقدمة أمنياته أن يصل عمله الروائي إلى الشاشة من خلال فيلم قد يحقق له الإنتشار والشهرة وتوصيل الفكرة، ولكن سرعان ما يصطدم بملاحظات وطلبات للحذف أو الإضافة على صلب النصّ من المخرج أو المنتج بادّعاء حاجات الفيلم "التسويق والإثارة أحياناً وربما بعض الأكشن" من منطلق رؤية تجارية بحتة قد وقد لا تتعارض مع توجّه ورؤية الكاتب. هناك استثناءات، لكنها للأسف قليلة جداً من حيث الأمانة في ترجمة الرواية إلى عمل سينمائي، وقد تنحصر في موضوعة الروايات التاريخية، والنضالية. العمل السينمائي يحتاج إلى نصّ، سواء كان رواية أو غير ذلك، لكن المشكلة تكمن في أمانة نقل النصّ من الورق إلى الحركة، وهذا ما يفرض غالباً رؤية قد تكون مغايرة لرؤية الكاتب، وفكرة الرواية سواء من خلال تدخّل سافر أو جزئي على النص، وهنا يُفترض أن يكون الفيصل في تمرير العمل إلى السينما رأي الكاتب نفسه، لكننا نجد، ومن باب الإغراءات المادية أو المعنوية يتماشى "ولا أقول يخضع" الكاتب لرؤية المنتج أو المخرج السينمائي. نعم.. في بعض الحالات خدمت السينما النص الروائي كجهة حريصة على الحيادية والمصداقية، وفي حالات أخرى كانت الرواية هي الحامل الأهم للعمل السينمائي، ولكن، وأقولها آسفاً، وفي حالات كثيرة وغالبة لم تخدم السينما العمل الروائي، بل خدمت نفسها ومصالحها. طلب مني أحد المنتجين الموافقة على إنتاج فيلم لواحدة من رواياتي، لكنه وضع شروطاً لم أجدها في صالح النص، بل على العكس، وجدت أنها أخذت النص بكاملة إلى مناحي بعيدة عن الفكرة الأساس وكان هذا السبب في فضّ المشروع. في روايات الشهيد الأديب غسان كنفاني التي ترجمت إلى أعمال سينمائية، كان النص هو البطل المطلق وذلك من منطلق الإخلاص لفكر غسان في رواياته، ولكن وعلى الرغم من ذلك، ففي روايته "عائد إلى حيفا"، وقد قامت ثلاث جهات بإخراجها سينمائياً، نجد أنها "بتفاوت" لم تلتزم بالنهاية التي أرادها غسان، وأعتقد أن غسّان لم يكن ليرضى بهكذا نهاية. من المفترض أن تستفيد الرواية من السينما، وهذا جانب أراه على قدر من الأهمية، ولكن على أن يتحقق أيضاً الإخلاص والمصداقية في نقل العمل من الورق إلى الحركة مع تفهّم الحاجات التقنية والفنيّة على أن لا تؤثّر، ولا تغيّر روح الفكرة.