قالت لي بنت أختي الكبرى بعد أن فرغت من مطالعة رواية ''درسو أوزالا'' للكاتب السوفياتي ''كاتاييف'': لقد تمتعت بهذه الرواية، لكنها أتعبتني! وهذه الرواية تدور وقائعها في مطالع القرن العشرين بمنطقة سبيريا، ومؤلفها ذو تكوين علمي في الأصل، لكنه اهتم بالجانب الجغرافي في بلاده الشاسعة الأطراف، وقام برحلات علمية إلى منطقة سبيريا لكي يترصد فيها أحوال الطقس والحيوانات وحياة بعض الناس الذين لا يغادرون الصقيع على مدار السنة. وأعادت عليّ نفس الحُكم حين فرغت من مطالعة رواية ''جياد الشمس'' للكاتب الفرنسي جول روا، ذلك الذي ولد في الجزائر في مطالع القرن العشرين، وعاش فيها إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، ووقف موقفا مشرفا من الثورة الجزائرية حين امتنع عن المشاركة في الجيش الفرنسي بالرغم من أنه كان طيارا عسكريا مرموقا. وتساءلت بيني وبين نفسي: وأين مصدر التعب، يا ترى؟ لكنني لم أقو على الرد على نفسي، ثم إنني عزوت ذلك التعب إلى التكوين العلمي الذي تلقته بنت أختي، فهي ما كانت تحب اللف والدوران، في حين أن الفن الروائي كله عبارة عن دوران. ووددت لو أني أعطيتها نسخة الفيلم المأخوذ عن رواية ''درسو أوزالا''، لكنها لم تكن متوفرة لدي، لا ولا كانت إمكانيات الحاسوب متوفرة كما هي عليه اليوم. غير أنني ما كنت أود أن أعطيها نسخة من المسلسل التلفزيوني المأخوذ عن رواية ''جياد الشمس''، لأنني لم أستسغها شخصيا، ووجدت فيها إقحاما لبعض المشاهد التي لا علاقة لها بالرواية أصلا. وتشاء الأقدار أن يستقر المقام ببنت أختي في الولاياتالمتحدةالأمريكية، ثم في كندا مع زوجها وولديها حيث كانت أستاذة لعلوم الرياضيات في جامعة تكساس، ثم لتتحول بعدها إلى اختصاصية في شؤون الحاسوب بمقاطعة ألبرتا في كندا وهي الآن في ذمة الله دون أن تتجاوز الثامنة والأربعين من عمرها.