يكفل مشروع قانون السمعي البصري للخواص حق إنشاء قنوات موضوعاتية، ويسمح لهم بإدراج برامج إخبارية وفقا لحجم ساعي تحدده رخصة الاستغلال، كما يتضمن النص إجراءات تنظيمية مطابقة للقواعد المعمول بها دوليا، تضبط ممارسة النشاط بأبعاده الاتصالية والثقافية والاقتصادية والتجارية، مع منع الاحتكار وامتلاك نفس المتعامل لأكثر من قناة إذاعية أو تلفزيونية واحدة. المشروع الذي راعت فيه السلطات العمومية الاستجابة لتطلعات المواطن الجزائري في مجال الخدمات الإعلامية السمعية البصرية المقدمة، من حيث ضمان تنوع أذواقه وتغطية مجالات اهتماماته اليومية، يؤسس لمرحلة انفتاح إعلامي في مجال السمعي البصري أكثر تنظيما وضبطا من ذلك الذي عرفته البلاد في بداية التعددية الإعلامية التي أقرها دستور 1989، والتي كان من عواقبها أن أدخلت البلاد في فوضى عارمة، انتهت بها إلى حمام الدم وسنوات المأساة التي كانت بدايتها بالعنف اللفظي، والتحريض على الكره والحقد، في مشهد مأساوي لا زال الكثير من المحللين يرجعون أسبابه إلى غياب الضوابط التي تنظم حرية التعبير آنذاك. فالنص القانوني الجديد الذي تضمنت وثيقته 107 مواد، اشتمل على أحكام ضامنة لحرية ممارسة نشاط البث الإذاعي والتلفزي، مع مراعاة جانب الخدمة العمومية الواجب تقديمها للأسر الجزائرية وحماية هذه الخدمة من الانحرافات المحتملة، كما لم يغفل النص التدابير التي تنظم ممارسة النشاط الاقتصادي والتجاري وفقا لقواعد المنافسة النزيهة، وحماية مصالح الدولة من محاولات الغش والتلاعب بالمشاريع. وقد بدد المشروع الذي عرضه وزير الاتصال، السيد عبد القادر مساهل، الخميس المنصرم، أمام لجنة الاتصال والثقافة والسياحة بالمجلس الشعبي الوطني، المخاوف التي عبر عنها بعض المهنيين الذين انتقدوا حصر السلطات العمومية لنشاط البث الإذاعي والتلفزي في موضوعات محددة، ومنع عرض الحصص الإخبارية، حيث جاء الرد على هذه الانتقادات في المادة 17 من المشروع التي ترخص لهذه القنوات الموضوعاتية ببث برامج وحصص إخبارية، يتم تحديد حجمها الساعي من خلال رخصة الاستغلال التي تمنحها الجهات المختصة لمالك القناة. وتحدد المادة 18 من المشروع الشروط الواجب توفرها لدى المترشحين المؤهلين لإنشاء خدمات الاتصال السمعي البصري الموضوعاتية، والذي ينبغي أن يكون حاملا للجنسية الجزائرية، ويثبت كل المساهمين في رأسمال القناة أنه لم يكن لهم سلوك معاد للثورة التحريرية في حال كانوا من المولودين قبل جويلية 1942. كما يشترط النص القانوني للترخيص للقناة الإذاعية أو التلفزيونية الخاصة، أن يكون رأسمالها الاجتماعي وطنيا بشكل حصري، مع إثبات صاحبها لمصدر الأموال المستثمرة، وضم تشكيلة المساهمين في القناة الإذاعية أو التلفزيونية صحفيين مهنيين. وتسمح الرخصة التي تمنحها الجهات المختصة للمترشح المؤهل لإنشاء خدمة للاتصال السمعي البصري، مطابقة لأحكام النص القانوني، باستغلال النشاط لمدة 10 سنوات بالنسبة للقناة التلفزيونية وخمس سنوات لخدمة البث الإذاعي، مع إمكانية تجديد مدة الاستغلال طبقا لقرار ترخيص التجديد الذي يصدر عن السلطة المانحة، ورأي معلل تبديه سلطة ضبط السمعي البصري. ويمكن للجهات المختصة سحب الرخصة من صاحب القناة التلفزيونية في حال تأخر عن الشروع في استغلال الخدمة لمدة سنة واحدة، فيما يسحب الترخيص من صاحب القناة الإذاعية عند التأخر عن الانطلاق في الاستغلال لمدة 6 أشهر. ويمنع المشروع منح رخصة ثانية للاستغلال لنفس الشخص المعنوي المستفيد من رخصة لاستغلال الخدمة الاتصالية السمعية البصرية، وذلك بغرض منع احتكار أي متعامل لأكثر من قناة واحدة. وبخصوص محتوى البرامج التي تبثها القنوات الإذاعية والتلفزيونية، فإن القواعد العامة التي يفرضها دفتر الشروط، تشترط على كل قناة حصة 60 بالمائة من البرامج الوطنية المنتجة في الجزائر، وأن يكون أكثر من 20 بالمائة من هذه البرامج مخصصة سنويا لبث الأعمال السمعية البصرية والسينماتوغرافية. كما تنص القواعد العامة التي يحددها دفتر الشروط المقرر صدوره بمرسوم بعد الموافقة عليه من قبل سلطة الضبط السعي البصري، على الأحكام التنظيمية والضوابط التي تضمن حماية المصالح الوطنية وعدم المساس بوحدة واستقرار البلاد، حيث تلتزم كل قناة في هذا الإطار باحترام متطلبات الوحدة الوطنية والأمن والدفاع والمصالح الاقتصادية ودبلوماسية البلاد وكذا احترام سرية التحقيقات القضائية واحترام القيم الوطنية ورموز الدولة، كما هي محددة في الدستور. وتفرض نفس القواعد على ملاك القنوات الخاصة احترام أعراف وتقاليد المجتمع ومتطلبات الآداب العامة والنظام العام، مع الحرص على تقديم برامج متنوعة ذات جودة. ويخول مشروع القانون لسلطة ضبط السمعي البصري مهمة السهر على حرية ممارسة النشاط السمعي البصري ضمن الشروط المحددة قانونا، وفرض احترام التعبير التعددي لتيارات الفكر والرأي بكل الوسائل الملائمة في برامج خدمات البث الإذاعي والتلفزيوني، ويمنعها من التحيز للقطاع العمومي السمعي البصري. ووفقا للمادة 54 من النص، فإن صلاحيات سلطة ضبط السمعي البصري تشمل فضلا عن دراسة طلبات إنشاء خدمات الاتصال السمعي البصري والبث فيها، تحديد الشروط التي تسمح لبرامج الاتصال السمعي البصري باستخدام الإشهار المقنع للمنتوجات أو بث حصص الاقتناء عن طريق التلفزيون. وتمارس سلطة الضبط للسمعي البصري التي تمتد صلاحياتها ومهامها إلى النشاط السمعي البصري عبر الانترنت، الرقابة بكل الوسائل المناسبة على موضوع ومضمون وكيفيات برمجة الحصص الاشهارية والسهر على تطبيق دفاتر الشروط، كما تعتبر هيئة استشارية تبدي رأيها في كل مشروع تشريعي أو تنظيمي يتعلق بالنشاط السمعي البصري وفي الاستراتيجية الوطنية لتنمية النشاط السمعي البصري. وتستشار أيضا من أية جهة قضائية في حال نشوب نزاع يتعلق بممارسة النشاط السمعي البصري، مع إمكانية تدخلها لتسوية النزاعات، ضمن مهام التحكيم في النزاعات الحاصلة بين الاشخاص المعنويين فيما بينهم أو مع المستخدمين، فضلا عن متابعتها للشكاوى الصادرة عن الأحزاب السياسية والتنظيمات النقابية أو الجمعيات ذات العلاقة بخدمة الاتصال السمعي البصري. وتضم تشكيلة سلطة ضبط السمعي البصري 9 أعضاء يعينون بمرسوم رئاسي لمدة 4 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، منهم 5 أعضاء يختارهم رئيس الجمهورية وعضوان غير برلمانيين يقترحهما رئيس مجلس الأمة وعضوان غير برلمانيين يقترحهما رئيس المجلس الشعبي الوطني. ويمنع مشروع القانون الأعضاء التسعة الذين يتم اختيارهم بناء على كفاءتهم وخبرتهم واهتمامهم بالنشاط السمعي البصري، ممارسة وظيفة لها علاقة بأي نشاط سمعي بصري خلال السنتين اللتين تليان نهاية عهدتهم، مع تنافي عهدة هؤلاء مع كل عهدة انتخابية وكل وظيفة عمومية وكل نشاط مهني أو كل انتماء لهيئة قيادية لحزب سياسي.