يتعرف الجمهور العريض من محبي المطالعة ومؤانسة خير جليس، غدا، على جديد المعرض الثامن عشر الدولي للكتاب، بقصر المعارض الصنوبر البحري بالعاصمة، ويقتني ما شاء من مؤلفات تصب ضمن دائرة اهتماماته المعرفية أو الترفيهية، خاصة وأن طبعة هذا العام ركزت على نوعية التنظيم والتنشيط، فمحافظة المعرض تراهن على الوصول، في عام 2015، إلى مستوى يضاهي أفضل معارض الكتب في العالم، مع الحفاظ على خصوصية صالون الجزائر التي تتمثل في توفير فضاء يلتقي فيه أصحاب المهنة ويكون في الوقت ذاته عرسا شعبيا حول الكتاب. يستقطب المعرض الدولي للكتاب بالجزائر جمهورا عريضا بمعدل إقبال يمكن تصنيفه ضمن أكبر التظاهرات العالمية، وبإقبال عربي وإفريقي ومتوسطي يزداد حضورا من دورة إلى أخرى، إذ تجدر الإشارة إلى أن زوار المعرض لا يأتون فقط للاطلاع على الكتب التي يبحثون عنها أو التي تجذبهم أو يتمنون إهداءها لعائلاتهم، بل نجد أيضا بينهم مهنيين وجامعيين إضافة إلى موزعي كتب ومسيّري مكتبات يعدّون طلباتهم. هذا لأنه بالرغم من أن الشبكة الوطنية للمكتبات لا تزال ضعيفة وتعاني من مشاكل جمة، إلا أنه يوجد طلب حقيقي ومعتبر تحمله المنظومة التربوية ومعاهد التكوين المهني والمكتبات الجامعية، وغيرها، وهذه تعتبر سوقا هامة تشتمل على العلوم واللغات المتنوعة. ويقدم المعرض برنامجا تنشيطيا جد متنوّع، موزّع على عدة فضاءات مفتوحة للمهنيين والجمهور معا، ومن هذه الفضاءات “روح البناف” الذي أصبح تقليدا قائما منذ الطبعة الثانية لمهرجان الجزائر للثقافة الإفريقية في عام 2009، وثلاثة فضاءات أخرى هي: “تاريخ-أحداث”، “آداب” و«أعمال جديدة” التي تستضيف أدباء وكتّابا نُشر لهم حديثا. وهناك ملتقى دولي عن إفريقيا عبر الفنون والآداب، جاء ليثري هذا العرض الذي يشمل، فضلا عن كل ذلك، ندوات وورشات فكرية ومجموعة من الوقفات التكريمية للشخصيات الراحلة خلال عام 2013، وستكون أيضا مناسبة للاحتفال بمئوية ميلاد الكاتب الكبير مولود فرعون.
”روح البناف” نجح الفضاء في الكشف عن إمكانات مجهولة ودفع بمبادرات مثيرة، وقد أطلق بعض الناشرين الجزائريين مشاريع مختلفة مع نظرائهم في القارّة مثل النشر المشترك، شراء حقوق النشر، الترجمة ... الخ، وبشكل ملفت، برز كُتاب أفارقة جدد في فضاء “روح البناف” وذاع صيتهم وسط القراء الجزائريين، لافتين انتباه الناشرين الذين يحضرون من كل بقاع العالم في طبعات الصالون المختلفة. ويقترح الفضاء، في هذه الدورة، وانطلاقا من تجربته الكبيرة ومن الشبكة التي نسجها عبر القارة، برنامجا غنيا وحركيا، قسّمه منظموه إلى جلسات منها خاصة “نظرة إلى ..” الذي يتعلق بالمرجعية الكبيرة إيمي سيزار، الروائي الموهوب سوني لابو تانسي والأدب الموريتاني، الذي مازال مجهولا بما في ذلك في إفريقيا. في اليوم الأخير من روح البناف في هذه الطبعة -الجمعة 8 نوفمبر- سيُخصص بكامله للنقاش، ستجمع الجلسة الأولى “النشر معا” آراء ومقترحات بعض الناشرين حول مسألة النشر المشترك ومشاكلها في إفريقيا، أمّا الجلسة الثانية “من أجل نشر إفريقي” فستضمّ جميع الناشرين المشاركين هذه السنة في هذا الفضاء.
فضاء التاريخ - أحداث خصص المهرجان فضاء للتاريخ والأحداث الراهنة في برنامج التنشيط، يتقاطع من خلاله بعدان زمنيان بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال سلسلة من الندوات والموائد المستديرة التي سينشطها باحثون ومؤلفون في شتى تخصصات العلوم الإنسانية. ففي باب التاريخ، برمج هذا الفضاء أيضا مجموعة من الندوات التكريمية لشخصيات رحلت عنا حديثا، من الذين ألهمت مسيرتهم وأعمالهم مؤلفات كثيرة بعضها كانوا هم مؤلفيها. وفي هذا الصدد، سيتناوب أخصائيون على تكريم وسرد ومناقشة مسيرة نخبة من الشخصيات الفذة التي تركت آثارها في التاريخ، وهي زهور زراري، حبيب رضا، هنري علاق، سليمان العيسي، جاك فرجاس، بيار شولي ومصطفى تومي، سبعة مواعيد تمتزج فيها المشاعر الإنسانية بالفضول العلمي، سبعة لقاءات بين مسيرات شخصية وحقب تاريخية وأدبية وفنية.
آخر الإصدارات يتضمن برنامج الطبعة الثامنة عشرة لصالون الجزائر الدولي للكتاب، فضاء خاصا ب«جديد الكتب” التي صدرت عام 2013 فقط، حيث أن الإصدارات الجديدة ستسمح للزوار بالإطلاع على العناوين الجديدة ولقاء مؤلفيها. يتعلّق جديد الكتب بالمؤلفات الأدبية كما يتعلّق بالدراسات، ومن بينها الدراسات التاريخية، وخاصّة تلك التي يقبل عليها القُراء الجزائريون، والتي تغطّي مختلف أوجه تاريخ الجزائر وهذا على شاكلة سيرة “أدولفو كامنسكي، حياة مُزوّر” الذي كان يزوّد مناضلي جبهة التحرير الوطني بوثائق مزوّرة، نص كتبته ابنته سارة ونشر في فرنسا سنة 2009 وأعيد نشره هذه السنة في الجزائر. الكُتاب الذين سيقدمهم فضاء “جديد الكتب” يكتبون باللغتين العربية والفرنسية وأيضا باللغة الأمازيغية، مبرزين الثراء اللغوي للنشر الوطني. وبالنسبة للأدب الجزائري، سيكون زوار الفضاء على موعد مع كتاب كبار وأقلام جديدة ترسم ميلاد جيل جديد، كما سيكون الموعد أيضا مع روائيين وباحثين من العالم العربي وإفريقيا. نُسجّل حضور ياسمينة خضرا الذي سيقدّم روايته الأخيرة “الملائكة تموت من جراحنا” التي صدرت شهر أوت 2013 عن منشورات جوليار بباريس، وكذلك الفكاهي والممثل الفرنسي غي بيدوس مقدّما كتابه الذي جمع مقابلاته مع جيل فانتربوتن المعنون “لقد حَلمت” الصادر شهر جوان 2013 عن منشورات أوب الفرنسية. أُعيد، مؤخرا، نشر هذين الكتابين في الجزائر عن منشورات القصبة. فضلا عن هذه الأسماء الكبيرة، فإنّ برنامج فضاء “جديد الكتب” يقترح نخبة جميلة من الكُتاب الذين يعكسون تنوع حقل النشر الحالي وبعضا من تياراته.
عن الخيالات في هذه الطبعة الثامنة عشرة لمعرض الجزائر الدولي للكتاب، يستفيد الأدب من فضاء خاص به أو بالأحرى بالآداب، سيتم اقتراح لقاءات مثيرة لاهتمام الزائرين طوال مدة التظاهرة، ومواعيد مع كتاب الجزائر والعالم، محاضرات لمتخصصين وناقدين أدبيين، موائد مستديرة حول الأجناس الأدبية والآداب الوطنية. وسيتم تكريم الكاتبة يمينة مشاكرة التي توفيّت هذه السنة، تاركة الأدب الجزائري يتيما من قلم مؤثر بعاطفته وبعمقه، كذلك سيُحتفى بالعالم العربي وأمريكا اللاتينية وأوروبا وأجزاء أخرى من العالم من خلال الكتّاب المعروفين أو الذين برزوا مؤخرا. كما ستكون لحظة استثنائية لهذا الفضاء، لحظة تكريم مولود فرعون، الذي يحيي صالون الجزائر الدولي للكتاب عيد ميلاده المائة هذه السنة 2013، كما تمّ تصميم برنامج فضاء “حرفيا” بواسطة مجموعة يسيّرها عز الدين قرفي، ناشر ومحافظ مهرجان الأدب وكتاب الشباب بالشراكة مع صالون الجزائر الدولي للكتاب. الملتقى الدولي ”إفريقيا في الآداب والفنون” يرافق معرض الجزائر الدولي للكتاب ملتقى دولي يتمحور حول موضوع مرتبط بعالم البحث والنشر ومتعلّق بالرهانات الثقافية والجيواستراتيجية، وهي مبادرة باتت تقليدا منذ طبعتين، تتوجه بشكل خاص للجامعيين والطلبة الذين يمثلون جزءا من الجماهير الأكثر تعلّقا بالتظاهرة، وذلك من خلال احتياجاتهم المهمة للقراءة وكذلك اهتمامهم الفعال ببرنامج النشاطات الثقافية للمعرض. سيولي الملتقى الدولي اهتمامه لإفريقيا عبر آدابها وفنونها بالتعابير الثقافية للقارة على اعتبارها وسيلة مثالية لاكتشاف وتعريف حركات القارّة الداخلية، تناقضاتها، ميولاتها وعوامل طليعتها، فالمقاربة التي تم اختيارها تسمح بتحليل لا يمكن إنكار دقته وذلك لإبراز التنوع السوسيو ثقافي الكبير لإفريقيا. لقد تم تقسيم الملتقى إلى خمس جلسات موزعة على يومين، تخصص الجلسة الأولى لمعرفة واقع حال إفريقيا المرجوة من وجهة نظر علاقة اللغات والثقافات بالعولمة أو تمثلاتها في “لغة الآخر”، مركزين على جنوب إفريقيا ما بعد نظام التمييز العنصري، وستخصص جلستان لإفريقيا في العصور القديمة وتمثلاتها خلال هذه الفترة، وذلك انطلاقا من الإمبراطورية الرومانية ومن الحضارة الفرعونية. يخصص الملتقى، في اليوم الموالي، جلستين لإفريقيا في الأدب ما بعد الكولونيالي، وجلسة لإفريقيا في الفنون وجلسة أخيرة لإفريقيا في الأمريكتين حيث سيكون الكاتب الأمريكي توني موريسون وإلهاماته الإفريقية محلّ نقاش. سيفتتح الملتقى ويختتم بلحظتين مميزتين، ففي الافتتاح يقترح البروفيسور مونديي من جامعة دوك بالولايات المتحدةالأمريكية، وهو فيلسوف وكاتب وشاعر وناقد أدبي ولد في جمهورية الكونغو الديمقراطية، محاضرة افتتاحية بعنوان “باسم الذوق: شهادة حول ممارسة ذاتية في التشكيل الحديث”. ويتمثل ختام الملتقى الدولي في نقاش حول مستقبل إفريقيا ينشطه البروفيسور مونديي وسليمان حاشي وفرانسواز فرجاس وأمينة بقاط وبن عودة لبداعي. ومن جانبه، يقترح المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وفي علم الإنسان والتاريخ، خلال هذه الطبعة الثامنة عشرة لصالون الجزائر الدولي للكتاب لقاءات أخرى يتم تقديمها لاحقا، ولتوفير فضاء للقاء والتبادل بين محترفي الكتاب، الجزائر منهم والأجانب، سيخصص لهم ناد للمحترفين سيكون بوسع الناشرين والمؤلفين والموزعين وغيرهم من الأخصائيين الحديث عن مشاريع الشراكة وإعادة النشر والترجمة في جو هادئ، وسيكون هذا الفضاء مفتوحا أيضا للصحفيين الذين يتوفرون على مركز صحافة، تم تجنيد فريق من المهنيين في العلاقات مع الإعلام لإدارته وإرسال الأخبار وتنظيم مواعيد وغير ذلك.
”سيلا 18” يرفع تحدي التنظيم المحكم المساهمة في ترقية الكتاب في الجزائر وتوفير واجهة وإطار للقاء والتبادل بين محترفي القطاع والكتّاب، وإتاحة الفرصة للمواطنين لاكتشاف الإصدارات الجديدة في أجواء جيدة، هو السعي والتحدي الذي رفعه المنظمون ليتحول المعرض إلى أهم تظاهرة عالمية تعنى بالكتاب.. ولبلوغ ذلك ينبغي إقامة تنظيم محكم على عدة أصعدة وبإشراك عدة أطراف، من أول المعنيين (الناشرون والكتّاب) إلى غاية مختلف الأسلاك المهنية التي تشارك في تنظيم هذا الموعد السنوي، من رجال الجمارك وموظفي العبور والناقلين ومنظمي الأجنحة، وغيرهم، بتوفير الشروط الضرورية لاستقبال وضمان أمن جموع الوافدين من الزوّار، الذين تجاوز عددهم منذ سنوات المليون زائر، والمحتشدون في المكان على مدى عشرة أيام. تتجلى هذه الجهود من خلال اختيار مواعيد الفعالية، حيث تم مراعاة الملاحظات التي صاغها الزوّار في السنة الماضية وتداولتها وسائل الإعلام، وكذا مختلف الآراء التي عبّر عنها العديد من العارضين الجزائريين والأجانب. وقد سمحت دراسة وجهات النظر هذه بمراعاة عوامل شتى، منها خاصة التزامن مع الرزنامة الاجتماعية (الدخول المدرسي، العطلة الصيفية، والأعياد...) والأجندة الدولية لمعارض الكتاب، والمميزات المناخية الموسمية، وغيرها. ومن هنا، حُددت مواعيد وتواريخ إجراء هذه الطبعة، وهي من 30 أكتوبر إلى 9 نوفمبر.