تتحدث الدكتورة مسعودة مرابط يحياوي أستاذة جامعية وباحثة في التاريخ ورئيسة مخبر الوحدة المغاربية بجامعة الجزائر2، في هذا الحوار، عن الأدوار الكبيرة التي لعبتها المرأة الجزائرية خلال الثورة التحريرية، التي تعتبرها ثورة غير كلاسيكية، كان الشعب أساسها والمرأة عمودها الفقري. هذه الأخيرة لم تكن مجرد امرأة تغسل ثياب المجاهدين أو تداوي المصابين من مجاهدي التحرير، بل كانت أكثر من ذلك بكثير.. لمّا أُلقيت الثورة إلى الشارع واحتضنها الشعب لعبت المرأة هنا دورا رياديا، هل لكم، دكتورة، أن توضحوا لنا الصورة؟ في بداية الثورة، كان دور المرأة يظهر أكثر في الجبال، حينما كانت تهتم بمداواة المصابين من مسبلين ومجاهدين، أو تحضّر الأكل لهم وتغسل ثيابهم، ولكن أكثر من ذلك؛ إذ بدأت تظهر لها أدوار أخرى حينما طلبت قيادة جبهة التحرير من المرأة أن تقوم بأدوار أكثر، من خلال العمل على توعية الشعب الجزائري بحقيقة الثورة وأهدافها، وهذا ما يظهر في المقولة الشهيرة لبن مهيدي: "اُلقوا بالثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب"، فمن هذا الذي عمل على توعية الشعب بأن هناك ثورة يتم التحضير لها، أو أن هناك عملا نضاليا كبيرا يقوم به المجاهدون في سبيل تحرير الوطن؟ أكيد أنها المرأة التي ظهرت في المدن أو ما سُمي بحرب المدن، وأخذت تجمع التبرعات من الشعب لصالح الثورة، أو أنها عملت على توصيل الوثائق من جهة لأخرى أو من قائد لآخر. كنّ شابات يافعات أمثال نفيسة حمود وجميلة بوحيرد وأيضا زهرة بيطاط، وأخريات كثيرات عملن في التوعية، وكن يعتمدن على طرق الأبواب والحديث إلى المواطنين حول حقيقة الثورة، وأيضا لدمج نساء أخريات في صفوف النضال، فكانت النتيجة تجنّد مطلق للشعب الجزائري لدعم قادة الثورة ودعم قضية تحرير الجزائر كأسمى هدف.
إذاً لم يكن الدور هنا محصورا في التمريض أو تحضير الأكل للمجاهدين؟ ولكن هذه أدوار محورية كانت المرأة الجزائرية تقوم بها على أكمل وجه، إلى جانب أدوار أخرى سنأتي للحديث عنها. أن تهتم المرأة بمداواة جرحى الثورة أو تحضير الزاد وغسل ثياب المسبلين والمجاهدين لا يُنقص من شأنها، بل بالعكس، كانت أعمالها تلك أساسية، بل محورية. أسوق هنا مثلا، أول طبيبة جزائرية عايشت الثورة بتفاصيلها وشاركت بها كانت نفيسة حمود لاليام، كانت طبيبة وإلى جانبها كانت باية الكحلة، مليكة ڤايد ويمينة شراد كممرضات. كانت الجبهة تحتاج لخدمات التطبيب والتمريض، فكانت هؤلاء الشابات يصعدن الجبال لمداواة الجنود، ثم يعدن إلى المدينة لمواصلة حياة النضال، وإذا انكشف أمر إحداهن فتلتحق بصفوف الجبهة في الجبال. وأشير هنا إلى أن الطبيبة المجاهدة نفيسة حمود لاليام كانت تنقل في سيارتها أول نسخة صوتية عن نشيد قسمًا إلى جانب وثائق من قيادة الجبهة بأسماء ممرضات الثورة حينما انكشف أمرها، فالتحقت بالجبهة. كما أن هؤلاء الممرضات والطبيبة نفيسة لم يكنّ أبدا محط شكوك الفرنسيين؛ لأنهن كن متمدنات ولا يظهر عليهن بأي شكل من الأشكال، أنهن قد يكنّ من مجنّدي الثورة.
إذاً لعبن أدوارا محورية لا يمكن تجاهلها؟ أكيد، بل إن الثورة نجحت النجاح الكبير بفضل تضافر جهود الرجل والمرأة. أنا وصلت ضمن أبحاثي الكثيرة حول المرأة المجاهدة التي أقوم بها منذ 1999، إلى أنه كان فيه مجنّدون ومجاهدون رجال لم يكونوا يقبلون بوجود المرأة في الجبال في بداية الأمر، وهذا ما سمعته شخصيا من مجاهدين ومجاهدات وُثقت شهاداتهم خلال سنوات بحوث كثيرة، ولكن بعد مدة أصبح أولئك الرافضون من أشد المرحبين بوجود المرأة إلى جانبهم، خاصة أن المرأة الجزائرية في الجبال لم تكن مجرد ممرضة أو محضّرة للأكل، بل كانت تلعب دور المرشدة الاجتماعية، فتعمل على نشر التوعية الصحية وسط سكان الأرياف والمناطق النائية، كن كذلك يشرفن على محو الأمية بتلك المناطق، وكن كذلك يلعب أدوار المتخصصات النفسانيات، فيستمعن لمعاناة النساء وكبار السن، ويعملن على حل الكثير من المشاكل، وكل ذلك كان تحت إشراف قيادة الجبهة. وليس هذا فحسب، فلقد اكتشفت كذلك من خلال سنوات من البحث والتنقيب والاستماع لشهادات حوالي 700 مجاهدة من كل الوطن، أن هناك دورا آخر لعبته المرأة الجزائرية لم يتم الحديث عنه، وهو أن المرأة لعبت دورا آخر رياديا بامتياز، وهو "مراقبات الجيش" خاصة قرب الحدود مع مملكة المغرب. كانت مجموعة من الشباب الجزائري طلابا في وجدة المغربية ولكنهم لبوا نداء الثورة في 1956، حينما قرر طلبة الجزائر العمل النضالي لتحرير الجزائر، ضمن المجموعة كان 09 شباب، ومنهم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وإلى جانبهم 08 بنات، وقد طلب هؤلاء الشباب الالتحاق بالثورة، فأوكلت وزارة التسليح والتنسيق العام إليهم بعد تكوين خاص وسري أشرف عليه المجاهدان هواري بومدين وبوصوف، أوكلت إليهم مهمة عبور الحدود حاملين السلاح والذخيرة الحربية زوجا زوجا؛ أي امرأة ورجلا حتى لا يلفتوا الانتباه، وفعلا نجحت المهمة إلى أن أغلقت السلطات الفرنسية الحدود الشرقية والغربية بخطيّ شارل وموريس المكهربين. ولم تكن مهمة المراقبات تمرير الأسلحة والذخيرة الحربية، وإنما أيضا قتل بعض الخونة مثلما فعلته المُراقبة رشيدة ميري، بينما كُلفت المراقبة بودوخة في ولاية تلمسان، بعملية جوسسة ضد السلطات الفرنسية للقيام بالواجب الحربي ضدها فيما بعد.
كل هذه المعلومات، دكتورة، هل قمتم بتوثيقها حتى تعرَّف للجزائريين؟ أنا أعمل حاليا على هذا المشروع، فطموحي الشخصي هو توثيق كل تلك الشهادات التاريخية القيّمة ضمن موسوعة عامة، تحمل اسم "موسوعة المجاهدات الجزائريات"، ستكون ثمرة بحث دام حوالي 15 سنة، وسيتم نشره مع نهاية السنة الجارية، سيثري المكتبة الوطنية ويفيد الباحثين والمؤرخين وحتى الطلبة المهتمين بتاريخ الثورة التحريرية.