مايزال التاريخ الجزائري يبحث عن منجزين له وبنائين مهرة يربطون الحاضر بالماضي تأسيسا للمستقبل، الذي يصون شخصية الأمة وهويتها، ليس من الاضمحلال، وإنما من الوضع والانتحال ومحاولة التزييف التي تتعرض لها سيرة الوطن، والترقيع الذي يحاول البعض في بياض تاريخنا الناصع جعله مجرد اسمال رومانية او بيزنطية، وها هو التاريخ يبعث من جديد وتتم يقظته من خلال أقلام جزائرية وأبحاث جزائرية تعتز به وبالانتماء إليه، ومن جملة من عملوا على بعث هذا التاريخ، الدكتور محمود بوعياد رحمه الله في الكتاب الذي صدر حديثا في إطار "الجزائر عاصمة الثقافة العربية" تحت عنوان "تاريخ بني زيان ملوك تلمسان". "تاريخ بني زيان ملوك تلمسان"، الذي اقتطفه الدكتور محمود بوعياد من كتاب "نظم الدر والعقيان في بيان شرف بني زيان" لمحمد بن عبد الله التنسي، حققه الدكتور بوعياد وركز على الباب السابع من كتاب التنسي، لكن الشيء الذي أضافه الدكتور محمود بوعياد في تحقيقه لهذا الكتاب، هو البحث والدراسة المستفيضة حول شخصية مؤلف »الدر والعقيان« محمد بن عبد الله التنسي، حيث خصص له قسما من الكتاب تحت عنوان "محمد التنسي حياته وآثاره"، وهذا القسم من الممكن ان يكون كتابا مستقلا حول شخصية التنسي وعائلته العلمية، وحول هذا العلاقة يقول الدكتور محمود أبو عياد في تقديم كتابه هذا »ومع أن اسم الحافظ التنسي قد ورد في أكثر من كتاب تراجم، ومع أن اسمه جار على ألسنة المثقفين إلى يومنا، فإن حياته وآثاره لم تلق عناية مؤرخي المغرب الأوسط والدارسين للتراث الأدبي لهذا الجزء من الوطن العربي«. ويضيف الدكتور محمود بوعياد في هذا التقديم حول التنسي، قائلا : »وقد أقدمنا على دراسة هذا الأديب والمؤرخ، وفي الوقت نفسه، الفقيه والمحدث، لنخرج إلى الوجود قسما من تراثه«. وقد تناول المحقق في القسم الأول من الكتاب، التنسي وآثاره ومؤلفاته وتحليلها والتركيز على أهم كتبه "نظم الدر والعقيان في بيان شرف بني زيان"، وخاصة الباب السابع الذي هو محور هذا الكتاب. الباب الأول من الكتاب تناول فيه المحقق حياة التنسي، مولده ونسبه ووفاته، شيوخه، تكوينه، تلاميذه، ثقافته ومنزلته بين معاصريه، أما الباب الثاني فقد بحث فيه المؤلف آثار التنسي، مؤلفاته وتحليل كتب التنسي. هذا فيما يخص حياة محمد بن عبد الله التنسي، أما بخصوص كتابه "نظم الدر والعقيان..."، فبدأه من الباب الثالث ب "الباعث على تأليف الكتاب"، عنوان الكتاب، محتوى الكتاب، أقسام الكتاب، القسم الأول ويشتمل على سبعة أبواب، والقسم الثاني على بابين، والقسم الثالث وبه ستة عشر بابا والقسم الرابع ويشمل ثمانية أبواب، والقسم الخامس والأخير ويضم أربعة أبواب. ثم تناول محتوى القسم الأول ومحتوى الأبواب الستة الأولى من القسم الاول. وينتقل بنا المحقق الى الباب السابع، وهو يتناول فيه بيان شرف بني زيان، والباب السابع هو محور التحقيق كما جاء في تقديم المؤلف، وهو خاص بتاريخ ملوك بني عبد الوادي، ثم تدرس بالتفصيل هذا الباب بداية بتصنيف الباب وقيمته التاريخية ومحاسنه ثم عيوبه، أما الباب الرابع فدرس فيه المحقق أسلوب التنسي، نثره، شعره وقيمة شعره. القسم الثاني من الكتاب خصصه للباب السابع في بيان شرف بني زيان وتتبع دولهم إلى دولة مولانا المتوكل فخر الزمان، وقسمه الى أبواب، الباب الأول : منهج التحقيق، وتناول فيه النسخ التي اعتمدها، النسخ الرئيسية، النسخة الأصلية، النسخ الثانوية، النسخ التي لم يحصل عليها، طريقة التحقيق.. الباب الثاني: النص المحقق، مقدمة "نظم الدر"، الباب الأول في ذكر نسبه الطاهر، الباب السابع في بيان شرف بني زيان وتتبع دولهم وتكلم في هذا الباب عن الأعياد وبالتركيز "الاحتفال بالمولد النبوي، أبو حمو يمدح الرسول صلى الله عليه وسلم، مآثر أبي حمو، الاحتفال بالليلة السابعة للمولد، كتاب في مناقب المتوكل، شجرة نسب المتوكل". والقسم الثالث، الكشافات، البيبلوغرافيا، الجداول. الكتاب من الحجم العادي مجلد يحتوي على 352 صفحة بالفهرس، وتم سحبه من الطباعة الشعبية للجيش. الكتاب يعد مرجعا تاريخيا ليس فقط لدولة بني زيان، بل للتعريف بالأعلام والشخصيات الفكرية والثقافية والسياسية والأحداث التاريخية والحياة الاجتماعية، كتاب بذل فيه المحقق جهدا كبيرا ومشقة في البحث والدراسة والاستقصاء والإلمام بجميع ما قيل حول الكتاب والنسخ، سواء المعروفة أو غير المعروفة، والكتاب في مجمله يسلط الضوء على مرحلة من مراحل الجزائر التاريخية أو العصر الزياني "المغرب الأوسط - الجزائر".