شددت السلطات الليبية من لهجتها أمس تجاه المليشيات المتواجدة في العاصمة طرابلس، وأمرتها جميعها بمغادرة المدينة لتفادي تكرار الأحداث المروّعة التي شهدتها الجمعة الأخيرة، وخلّفت مصرع 43 شخصا وإصابة 500 آخرين. وتأكيدا لإصرارها على فرض لغة القانون، قامت قيادة الجيش الليبي بنشر تعزيزات عسكرية ومدرعات في مختلف المحاور الرئيسة للمدينة؛ في محاولة للتصدي لأي تشكيل مسلّح يريد فرض منطقه بقوة السلاح في طرابلس. واستقبل سكان العاصمة الليبية هذا الانتشار بترحاب كبير، وهم الذين ذهبوا ضحية الانزلاق الأمني لنهار الجمعة، والذين ما انفكوا يلحون أيضا منذ الإطاحة بالنظام السابق، على ضرورة مغادرة المسلحين القادمين من المناطق الأخرى، بعد أن وجدوا أنفسهم رهائن منطق فرضه "ثوار"، رافضين أية سلطة أخرى غير سلطتهم. وطالبت وزارة الدفاع الليبية التي اتخذت قرار نشر قوات إضافية في العاصمة، السكان بتسهيل مهمة هذه الوحدات، حتى يتمكنوا من فرض سلطان القانون على الجميع. وجاء قرار وزارة الدفاع بعد قرار أعيان مدينة مصراتة، الذين طالبوا، من جهتهم، كل المليشيات المسلحة المنحدر عناصرها من مدينتهم والتي اتخذت من العاصمة طرابلس معقلا لها، بمغادرتها في أجل لا يتعدى ثلاثة أيام. وأكد بيان الأعيان وقادة الثوار السابقين بهذه المدينة، الواقعة على بعد 200 كلم شرق العاصمة طرابلس، أن مواجهات بداية الأسبوع جاءت تنفيذا لمخطط أُعد سلفا لتشويه صورة مدينة مصراتة، ونعتها وكأنها السبب المباشر في عرقلة إعادة بناء الدولة الليبية الحديثة. وضمن قرار التشدد الذي أبدته السلطات الليبية، أمرت وزارة الدفاع بهدم كل المقار التي اتخذتها هذه المليشيات معاقل لها منذ نوفمبر 2011، قبل أن تتراجع حكومة الوزير الأول علي زيدان عن ذلك، وقامت ساعات بعد ذلك بإلغاء هذا الأمر. وفي محاولة لتهدئة النفوس، دعا نواب في البرلمان الليبي ومجالس المنطقة الوسطى والغربية لمدينة مصراتة، جميع الأطراف المتناحرة إلى عقد اجتماع تحت إشراف المؤتمر الوطني العام (البرلمان)، لإنهاء كل الخلافات العالقة عن طريق الحوار والتعقل. وطالب بيان نواب هذه المدينة من جهة أخرى، بضرورة الإسراع في الكشف عن نتائج التحقيق الذي باشرته السلطات الليبية، لمعرفة ملابسات هذه الأحداث بمجرد الانتهاء منه، ووضع الليبيين في صورة ما جرى، ومحاسبة المتورطين فيه. وفي سياق الانزلاق الأمني الذي تعرفه ليبيا، أُطلق أمس سراح نائب رئيس جهاز المخابرات العامة الليبية العقيد مصطفى نوح، ساعات بعد اختطافه من طرف مسلحين مباشرة بعد عودته من زيارة إلى تركيا. ولم تحدد المصادر الأمنية الليبية التي أعلنت إعادة إطلاق سراح نوح، عن الجهة التي وقفت وراء عملية الاختطاف ودواعيها، ولا مطالب الواقفين وراء هذه العملية التي زعزعت الثقة في السلطات الليبية، وكرّست عجزها في فرض سلطة القانون وإعادة تشكيل قوات أمنية وجيش قادرين على إحلال السلم والاستقرار في جميع ربوع هذا البلد. وإذا كانت عملية اختطاف نائب مدير جهاز المخابرات الليبية، عرفت نهاية سعيدة، إلا أن الحاكم العسكري لمدينة بنغازي، نجا بأعجوبة من محاولة اغتيال استهدفته صباح أمس، وأدت إلى مقتل أحد مرافقيه وإصابة آخر بجروح بليغة. ووقع موكب العقيد عبد الله السعيتي رئيس الغرفة الأمنية العسكرية المشتركة لمدينة بنغازي، في كمين بحي الحدائق، ولكنه نجا من موت محقق رغم قوة الشحنة المتفجرة، التي وُضعت في طريق مرور موكبه، والتي دوت المدينة في كل أحيائها. وذكرت مصادر أمنية أن خبراء المتفجرات يُجرون الآن مسحا للمنطقة، لمعرفة كيفية استهداف الموكب وكمية المتفجرات المستخدَمة، والتي سُمع دوي صوتها في معظم أحياء المدينة.