خصّص موعد “صدى الأقلام” بالمسرح الوطني، أوّل أمس، وقفة تأبينية على روح الفقيد الراحل أبو القاسم سعد الله، شيخ المؤرّخين الجزائريين من خلال الوقوف دقيقة صمت واستحضار مسيرة هذا العلامة الذي غاص في تاريخنا وتراثنا ليحفظ هويتنا، كما استقبل اللقاء الجمعية الثقافية “ناس الخير” التي قدّمت تجربتها كمحرّك لمشهد ثقافي راكد. أشار المبدع عبد الرزاق بوكبة حين افتتاحه للقاء أنّ سعد الله عاش عملاقا ورحل عملاقا، فهو من الأسماء الكبيرة لهذا الوطن فرغم اللامبالاة، عامل الجزائريون الراحل مثلما يعاملون الكبار، وقال متأثّرا “الراحل سعد الله هو أوّل من أسّس القصة الجزائرية القصيرة ولم نقل له شكرا على ذلك، وهو من سجّل تاريخنا الثقافي في مجلدات وهو من كوّن آلاف المؤرخين وغيرها من الإنجازات وبالتالي فإنّ موعد صدى الأقلام يدعو السلطات المعنية إلى طبع أو إعادة طبع المخطوطات والكتب غير المطبوعة أو التي نفدت والتي تركها الراحل”. وأشار بوكبة إلى أنّ المشارقة استفادوا من سعد الله أكثر منا من خلال دار النشر “دار الغرب الإسلامي” ببيروت ليرحل عندنا في صمت في ظل “ثقافة الزردة”، فسعد الله، الذي صال وجال في مجالس العلم ومنابره عبر العديد من أصقاع العالم استطاع أن يؤسّس مدرسة تاريخ جزائرية أصيلة وعلمية تخلّصت من الشوائب والمغالطات التي فرضتها المدرسة الاستعمارية وهكذا أصبح توقيع سعد الله كافيا لضمان المصداقية. الشطر الثاني من اللقاء خصص لاستقبال الجمعية الثقافية “دزاير الخير” من مدينة برج منايل التي حضرت لتكريم مدير المسرح الوطني السيد امحمد بن قطاف، حيث تسلم الشهادة الشرفية بالنيابة عن قطاف عبد الرزاق بوكبة، كما اقترحت هذه الجمعية إقامة توأمة بينها وبين موعد “صدى الأقلام”، وأشار رئيس “دزاير الخير” السيد مرزاق حمداش، أثناء تدخّله إلى أنّ هذه الجمعية تسعى إلى خلق ثقافة الاقتراح للدفاع عن المرافق الثقافية الموجودة قصد تفعيلها كي لا تبقى مجرد جدران بدون روح، إضافة إلى السعي لتثمين دور الجمعيات المحلية في عملية تنشيط المشهد الثقافي المحلي. الجمعية تأسسّت على يد مجموعة من الطلبة أبناء برج منايل كان هدفها كانطلاقة أولى كسر القحط الثقافي المنتشر في المدينة التي ظلّ الجوّ المرعب للعشرية السوداء يطاردها وكان لزاما خلق أجواء أخرى تزيح هذا الشبح الذي ظل سائدا لسنوات طويلة، يقول السيد مرزاق “التفتنا إلى الذين عانوا من العشرية السوداء لفك العزلة عنهم ابتداء من سيدة البيت التي لم تعهد الخروج من أجل التوجه لحضور نشاط ثقافي وبالفعل كان الإقبال وكسر الروتين”، وتواصلت جهود الجمعية من خلال العديد من الأنشطة والدورات والتفكير المستمر في جلب الجمهور أكثر فأكثر وإيصال فكرة جدية النشاط كي يقتنع الجمهور ثم جلب قامات فكرية وأدبية مهمة كي يكون الإقبال ولتستعيد المدينة رقيها وهويتها واحتكاكها بباقي مناطق الوطن عوض الانغماس في اليوميات الروتينية الجافة. وأشار السيد مرزاق أيضا إلى بعض المشاكل التي تميّز الساحة الثقافية، في برج منايل وفي مناطق عديدة من الوطن منها مساهمة بعض الجمعيات المتطفلة في زيادة الركود الثقافي بل وفي رداءته إذ يؤكّد مثلا أنّ بمدينته أكثر من مائة جمعية لكن لا نشاط ملموس تقدّمه ولو من خلال تنظيم جلسة ثقافية واحدة ما عدا مايسمى بنشاط تبرير الميزانية”. من المشاكل أيضا تثبيط عزيمة الجمعيات الناشطة، إذ أكّد مرزاق أنّ جهات تسحب حتى أجهزة الصوت لإلغاء النشاط في آخر لحظة فيضطر المنظمون إلى التحرك بالوسائل الخاصة لتفادي الإحراج، ومواصلة نشاطات أخرى رغم كل شيء فقد تم استقبال العديد من الأسماء منها مؤخرا توفيق ومان ومهدي براشد. من ضمن آفاق هذه الجمعية، المطالبة بالإسراع في افتتاح مكتبة برج منايل التي وصلت بها الأشغال إلى 85 بالمائة، وينتظر أن تكون جامعة للمثقفين والقرّاء بكلّ مستوياتهم الثقافية والفكرية، كما أنّ للجمعية مشروع سياسة ثقافية تنموية خاص بمدينة برج منايل وقد تمّ تحريره على شكل نقاط محددة ومدروسة لتفعيله وسرعة تطبيقه. من جانبه، ألقى عبد الرزاق بوكبة كلمة خصصها للحديث عن مساره في فضاء “صدى الأقلام” الذي دخل موسمه التاسع واستطاع أن يفرض مكانه في الساحة ليس لأنّه تابع للمسرح الوطني لكن لأنّ القائمين عليه مولعون بالفعل الثقافي فمنذ البدايات سنة 2005 مع أبو بكر سكيني ثم بوكبة حتى 2012 ازداد الحب والعطاء، كما دعا المتحدث إلى إقحام الإعلام الثقافي في هذا الفعل للنهوض بالمشهد الثقافي الجاد عندنا وكذا من أجل روح من التحدي والإبداع لاستمرارية هذا الفضاء وغيره.